عرض الحديث (9)
فصل: حديث العرض
لقد
عرفت ان الاصول القرانية المتقدمة والتي يقر لها كل متأمل بل كل ملتفت كافية
بذاتها في شرعية العرض وثبوت اعتماده كمييز للحديث المقبول من غيره. وما حديث
العرض - والذي ورد بلفظ واحد تقريبا في جمع طرقه الكثيرة - الا مصداق وتطبيق لما
دلت عليه تلك الاصول القرانية. واضافة الى مصدقيته والشواهد عليه، فان وحدة لفظه
بالجملة - حيث ان الاختلافات لفظية وليست معنوية -و كثرة طرقه مع صحة بعضها عند
اهل الاسناد و مل بعض الاعلام به و الحكم بصحته من قبل بعض ونفي الخلاف عنه من
بعضهم، كلها توجب الاطمئنان له ووجوب اعتماده في تحصيل المعرفة وتبينها لاتصافه
بالاوصاف التي قدمناها في علامات المعرفة الحقة. و اتماما للبحث ألحقت الاحاديث هنا بمناقشات للاقوال المعترضة. فهنا
موضعان للكلام:
الموضع الاول: الاحاديث
1-
عدة الاصول؛ الطوسي: عنهم عليهم السلام: إذا
جاءكم عنا حديث فاعرضوه على كتاب الله فان وافق كتاب الله فخذوه وان خالفه فردوه. قال رحمه الله تعالى: قد ورد عنهم عليهم السلام ما لا خلاف فيه من
قولهم: (إذا جاءكم عنا حديث فاعرضوه على كتاب الله فان وافق كتاب الله فخذوه وان
خالفه فردوه أو فاضربوا به عرض الحائط ) على حسب اختلاف الالفاظ فيه وذلك صريح
بالمنع من العمل بما يخالف القران.انتهى اقول انه قد نفى الخلاف في الخبر و حكم
بثوته بل وقطعيته وعمل به في كتاب اصول الفقه الذي لا يعمل الا بما يصح و يفيد
العلم.
2-
التهذيب؛ الطوسي عن النبي صلى الله عليه وآله وعن الائمة
عليهم السلام انهم قالوا إذا جاء كم منا حديث فاعرضوه على كتاب الله فما وافق كتاب
الله فخذوه وما خالفه فاطرحوه. قال رحمه الله تعالى في خبرين ردهما : فهذان الخبران قد وردا شاذين مخالفين
لظاهر كتاب الله، وكل حديث ورد هذا المورد فانه لا يجوز العمل عليه، لانه روي عن
النبي صلى الله عليه وآله وعن الائمة عليهم السلام انهم قالوا إذا جاء كم منا حديث
فاعرضوه على كتاب الله فماوافق كتاب الله فخذوه وما خالفه فاطرحوه أو ردوه علينا،
وهذان الخبران مخالفان على ماترى لظاهر كتاب الله والاخبار المسندة ايضا المفصلة،
وما هذا حكمه لا يجوز العمل به. انتهى قوله (فاطرحوه أو ردوه علينا) اي في لفظ اخر. وهنا
هو يطبقه كقاعدة اصولية دالا على مفروغية ثبوته و صحته عنده بل و علمه به ونقله
عنه صاحب الوسائل ولم يناقشه دالا على رضاه به.
3-
الاستبصار؛ الطوسي عنهم (عليهم السلام) ما أتاكم عنا فاعرضوه على كتاب الله فما وافق كتاب
الله فخذوا به وما خالفه فاطرحوه. قال رحمه الله تعالى في خبرين:
فهذان الخبران شاذان مخالفان لظاهر كتاب الله تعالى قال الله تعالى:
(وأمهات نسائكم) ولم يشترط الدخول بالبنت كما اشترط في الام الدخول لتحريم الربيبة
فينبغي أن تكون الآية على إطلاقها ولا يلتفت إلى ما يخالفه ويضاده لما روي عنهم
(عليهم السلام) ما أتاكم عنا فاعرضوه على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوا به
وما خالفه فاطرحوه. انتهى اقول فهذا تطبيق لهما دال على ثبوتهما عنده.
4-
التبيان؛
الطوسي عن رسول الله صلى الله عليه واله انه قال ((اذا جاءكم عني حديث، فاعرضوه
على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فاقبلوه، وما خالفه فاضربوا به عرض
الحائط)). ذكره رحمه الله تعالى في
مقدمة الكتاب محتجا بها ، قال وروى عنه
صلوات الله عليه انه قال: (اذا جاءكم عني حديث، فاعرضوه على كتاب الله، فما وافق
كتاب الله فاقبلوه، وما خالفه فاضربوا به عرض الحائط) وروي مثل ذلك عن أئمتنا
عليهم السلام.
5-
مجمع البيان؛
الطبرسي قال قال النبي
صلى الله عليه واله: إذا جاءكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله، فما وافقه فاقبلوه،
وما خالفه فاضربوا به عرض الحائط. قال
رحمه الله تعالى قال النبي صلى الله عليه
واله: إذا جاءكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله، فما وافقه فاقبلوه، وما خالفه
فاضربوا به عرض الحائط. فبين أن الكتاب حجة ومعروض عليه . انتهى فلاحظ
جزمه في النبسة و تاسيس قاعدة منه.
6- معارج الاصول؛ الحلي قال قال رسول الله صلى
الله عليه واله: " إذا روي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله، فان وافق
فاقبلوه، والا فردوه ." قال رحمه
الله تعالى : المسألة الثانية: يجب عرض الخبر على الكتاب، لقوله صلوات
الله عليه: " إذا روي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله، فان وافق فاقبلوه،
والا فردوه ". انتهى اقول لاحظ كيف افتى بوجوب عرض الكتاب
على الخبر. و هذا الكتاب في اصول الفقه فلا يذكر فيه الا ما يفيد العلم اي ان
الحديث ثابت عند المحقق مما يوجب اعلى الدرجات العلم حتى انه اسس قاعدة و واجوب
مضمونه.
7-
تفسير الرازي: عنه عليه الصلاة والسلام : « إذا روي لكم عني حديث فاعرضوه
على كتاب الله فان وافقه فاقبلوه وإلا فردوه ».
قال
رحمه الله تعالى: أن من الأحاديث المشهورة
قوله عليه الصلاة والسلام : « إذا روي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله فان
وافقه فاقبلوه وإلا فردوه » فهذا الخبر يقتضي أن لا يقبل خبر الواحد إلا عند
موافقة الكتاب، فاذا كان خبر العمة والخالة مخالفا لظاهر الكتاب وجب رده.
و قال في موضع اخر (والثاني : أنه روي في
الخبر أنه عليه الصلاة والسلام قال : « إذا روي حديث عني فاعرضوه على كتاب الله
تعالى فإن وافقه فاقبلوه وإن خالفه فردوه » دلّ هذا الخبر على أن كل خبر ورد على
مخالفة كتاب الله تعالى فهو مردود ، فهذا الخبر لما ورد على مخالفة عموم الكتاب وجب
أن يكون مردوداً .). انتهى فهو قال بشهرته و حكم بمقتضاه و دعى الى وجوب
رد المخالف . وقال ايضا: روي عن النبي
صلى الله عليه واله أنه قال : « إذا روي عني حديث فاعرضوه على كتاب الله فلإن
وافقه فاقبلوه وإلا ذروه » ولا شك أن الحديث أقوى من القياس ، فاذا كان الحديث
الذي لا يوافقه الكتاب مردوداً فالقياس أولى به. وكلامه هنا
مشعر بتسليم القاعدة المستفادة من الحديث.
8- تفسير
اللباب؛ ابن عادل قال عليه الصلاة والسلام : » إذا رُوِيَ
عَنِّي حديثٌ فاعْرِضُوه على كِتَاب الله تعالى، فإن وَافق ، فَاقْبَلُوه ، وإلا
فَرُدُّوهُ «. قال رحمه الله تعالى في خبر ، قال أهل الظَّاهِر هذا تَخْصِيص لعُمُوم القُرْآن بخَيْر الوَاحِد ، وهو لا
يَجُوز؛ لأن القُرْآن مَقْطُوع به والخَبَر مَظْنُونٌ ، وقال عليه الصلاة والسلام
: » إذا رُوِيَ عَنِّي حديثٌ فاعْرِضُوه على كِتَاب الله- [ تعالى ] ، فإن وَافق ،
فَاقْبَلُوه ، وإلا فَرُدُّوهُ « وهذا مُخَالِفٌ لعموم الكِتَاب.
9- احكام القران؛ الجصاص
عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه واله
انه قال{ مَا جَاءَكُمْ مِنِّي فَاعْرِضُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ ، فَمَا
وَافَقَ كِتَابَ اللَّهِ فَهُوَ عَنِّي وَمَا خَالَفَ كِتَابَ اللَّهِ فَلَيْسَ
عَنِّي . قال رحمه الله
تعالى في كلام له: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ
أَصْحَابِنَا فِي أَنَّ قَوْلَ مَنْ خَالَفَ الْقُرْآنَ فِي أَخْبَارِ الْآحَادِ
غَيْرُ مَقْبُولٍ ؛ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه واله أَنَّهُ
قَالَ : { مَا جَاءَكُمْ مِنِّي فَاعْرِضُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ ، فَمَا
وَافَقَ كِتَابَ اللَّهِ فَهُوَ عَنِّي وَمَا خَالَفَ كِتَابَ اللَّهِ فَلَيْسَ
عَنِّي . } فَهَذَا عِنْدَنَا فِيمَا كَانَ وُرُودُهُ مِنْ طَرِيقِ الْآحَادِ.
انتهى فهو هنا يطبقه. اقول هنا ورد بلفظ ( عني)
و في موضع (مني) وهو كاضافة الى دلالته على القبول فانه ايضا يثبت الصدور
وهذا لا يكون الا بما يعلم، فالحديث بالفاظه السابقة يثبت العلم لما بينا هنا و
لان القبول و العمل هو فرع الصدور و النسبة فالحديث المصدق ليس فقط يصح العمل به
بل و يصح نسبته الى النبي صلى الله عليه و اله و القول انه معلوم.
10-
احكام القران: روي عن النبي صلى الله عليه و اله ما أتاكم عني فاعرضوه على
كتاب الله فما وافق كتاب الله فهو مني وما خالفه فليس مني. قال رحمه الله تعالى : إذا
كان خبر الشاهد واليمين محتملا لما وصفنا وجب حمله عليه وأن لا يزال به حكم ثابت
من جهة نص القرآن لما روي عن النبي صلى الله عليه واله: ما أتاكم عني فاعرضوه على
كتاب الله فما وافق كتاب الله فهو مني وما خالفه فليس مني.