عرض الحديث (48)
ان الفقاهة والعلم
تستعمل احيانا في الشرع بمعنى خاص يختلف عن الاثبات حيث يلحظ فيهما العمل بالشريعة
في باقي جوانبها فالمثبت سواء كان تقيا في اثباته ام لا فانه لا يوصف انه فقيه
بهذا المعنى الخاص ولا عالما الا إذا كان تقيا في باقي قضايا الشريعة. وكذلك
المدعى وان كان غير تقي في ادعائه فانه لا يوصف بعدم العلم وعدم الفقاهة وعدم
التقوى الا إذا كان غير تقي في غيره من المسائل. فالمؤمن المسلم الاصل فيه انه تقي
ورع عالم فقيه، واخراجه من هذه الصفات يحتاج الى اثبات قوي متعدد وفي جوانب عدة،
مما يحقق الضلال والفسق الذين يعتبر فيهما الشك والانكار فيكون ضالا فاسقا بعصيانه
وتمرده وتصريحه بشكه وانكاره. وعند الاشتباه والشك في امره لا يساء به الظن ويحمل
على محمل حسن حتى يتيقن ويقطع بشكه. ومن مصائب الدين ان المؤمن الذي يدعي معرفة
معينة لشبهة يوصف بالكفر والفسق والضلال وهو عند الله مسلم مؤمن تقي الا انه مخطئ
وقوله باطل. وأشنع من ذلك وصف المسلمين بذلك اعتمادا على الظن بروايات تنقل في كتب
الرجال عن اناس يطعن فيهم من لم يرهم.
اؤكد ان الاصل في المؤمن
انه عالم فقيه تقي كما وصف القران المؤمنين بذلك ولا يخرجه من ذلك مخرج الا شك
صريح او انكار صريح لما يثبت عنده عن رسول الله صلى الله عليه واله، وليس فيما
يثبت عن غيره حجة عليه. بل ان وصف المسلم بالضلال والفسق ينبغي ان يكون نسبيا ولا
يساوى بفسق الكافر وضلاله كما ان المؤمن يوصف بالعلم والفقاهة ولا يساوى في علمه
وفقاهته الولي. والحجة للعلم وللقران والسنة، وليس لمن لا يمتلك العلم الحكم على
غيره. وفهم الاكثر ليس حجة، ليس لان الاكثر يفهمون بشكل خاطئ وانما لان الفهم الان
للنصوص تدخلت فيه امور كثيرة اخرجته من حياديته وبساطته ونوعيته وعرفيته
ووجدانياته، ان اغلب الفهم الان هو فهم موجه مقولب محاصر ولا يفلت منه الا من
يتجرد ويتبع الفطرة والوجدان في الفهم بل ان بعضهم جعل فهم جهة معينة هو الحجة
كفهم السلف او فهم ائمة المذاهب او ائمة اهل اصول الفقه واخيرا فهم المشايخ و الاساتذة مخالفا بذلك ما هو
وجداني وفطري من ان الحجة هو الفهم الوجداني اللغوي الخطابي البسيط، وبعد النص عنا
لا يسلبنا الحق بالفهم.
ان فقاهة المسلم غير
الولي وعمليته حق وصدق الا انها ليست كفقاهة الولي وعلمه لا كما ولا نوعا بل لا
تصح المقارنة، ومهما بلغ المؤمن غير الولي من الفقاهة وعلم اعتقادا وعملا وقوة
اثبات وشدة ورع فانه لا يقترب ابدا من ساحة فقاهة الولي ولا يختلط بها لأنها لا توصف
ولا يحاط بها لان مدده مدد من عالم الاحاطة ومدد غيره مدد من عالم التسخير.
ان جميع الدلائل التي
يعتمدها عاقل او متدين او متشرع تعلم وتقر و تسلم ان الخطاب الشرعي خطاب عامي، أي
انه موجه الى العوام و اعتمد طريقة العوام في الفهم، وكثيرا ما يشار الى ذلك بانها
طريقة العرف والعقلاء، و المقصود وجدان العامة و عرفهم في التخاطب. فالعقلائية هي
الوجدان العامي بلا ريب وخصوصا باللغة التي هي من ارسخ واوضح المعارف الانسانية،
ولو اردنا ان نفهم العقل وملامحه فعلينا ان ننظر الى جهتين في الوجود منطقية
الظواهر و منطقية اللغة وكلاهما وجدانيا فالعقل عامي والفهم عامي، وكل ما في
حياتنا مبني على العامية. والاختصاص يكون باختصاص المعطيات والمشاهد والادلة،
والخطاب الشرعي بنصوصه القرانية السنية ليس اختصاصيا وانما هو عامي في دلالته وفي
معارفه. اذن ففهم النص وفقهه أي فقه الشريعة هو فهم عامي يجيد كل عامي ولا يحتاج
الى اكثر من الوجدان العرفي العقلائي العامية، والقول بان فهم النص الشرعي يحتاج
الى معارف و مفاهيم اختصاصي او اصطلاحية كلام لا شاهد عليه بل الشواهد على خلافه.
ومن هنا فالنص الشرعي او الدليل الشرعي عموما جاء بصورة عامية وفهمه و فقهه ايضا
بصورة عامية ودلالته والاحكام المستفادة منه ايضا هي عامية، فالعامية متجذرة متأصلة
في الشريعة ادلة وفقا واحكاما. وكل فهم عامي للنص هو فهم صحيح شرعي وحجة كما ان أي
فهم اختصاصي اصطلاحي للنص الشرعي ليس فهما صحيحا.