عرض الحديث (20)

 

 

مناقشة (16)    الأحكام لابن حزم :  أخبرني عمرو بن الحارث، عن الاصبغ بن محمد أبي منصور أنه بلغه أن رسول الله (ص) قال: الحديث عني على ثلاث، فأيما حديث بلغكم عني تعرفونه بكتاب الله تعالى فاقبلوه، وأيما حديث بلغكم عني لا تجدون في القرآن ما تنكرونه به ولا تعرفون موضعه فيه فاقبلوه، وأيما حديث بلغكم عني تقشعر منه جلودكم وتشمئز منه قلوبكم وتجدون في القرآن خلافه فردوه. قال أبو محمد: هذا حديث مرسل، والاصبغ مجهول. وفيه ان هذا الحديث غير مصدق بل مخالف للمصدق، فان  موافقة القران فسرتها الاحاديث المصدقة من انها ما عرفه القران والسنة  و ما كان له شاهد منهما و ما اشببههما و ما كان عليه حقيقة و نور، وهذه العلامات هي الكفيلة التي تخرج الحديث الظني الى مجال العلم، وهذه هي فائدة العرض، فمعنى موافقة القران اي انه يتوافق و يتناسق معه بشاهد من اي شكل كان بحيث يكون هناك اتصاله به، و المخالفة انما تعني المعارضة وتعني ايضا انه ليس في القران و السنة ما يشهد له ولو باي شكل. و العرض مختص بالحديث الظني اي خبر الاحاد و لا يشمل الاحاديث الثابتة و لا السنة القطعية، لان خبر الاحاد ظن و لا يصح العمل بالظن، و ما يصح العمل به من دون شاهد من القران هو السنة القطعية و الثابتة، فاذا خرج الحديث من الظن الى العلم صار سنة و لم يحتج الى شاهد من القران و السنة للعمل به ، و اما اذا كان الحديث ظنيا فانه يجب ان يكون له شاهد من القران و السنة باي شكل كان لكي يصبح علما يعمل به و اما اذا كان مخالفا فانه لا يعمل به بوضوح. و لا يقال ان عدم العمل بالخبر الاحاد الذي ليس له شاهد هو مخالف للاموار القرانية بالعمل بالسنة فان اوامر القران امرة بالعمل بالسنة وهي الحديث المعلوم و الثابت و ليس الظني بل القران ينهى عن العمل بالظن. فعرض الحديث الظني على القران هو من فروع عدم جواز العمل بالظن.

 

مناقشة (17) قيل ان العرض يكون بعد ثبوت الحجة اي صحة السند كما صرح الغزالي، و فيه ان  احاديث العرض مطلقة بل بعضها ناص على عدم الاعتناء بالرواي وهذا الاطلاق و عدم الاعتناء يصدقه الاوصل التي يتفرع عنها العرض؛ اهمها اصالة صدق المسلم و تصديقه وهي لا تقبل تصنيف الرواة المسلمين غير الفاسقين الى الاقسام المعروفة و لا العلل التي يرد بها حديثهم ، و العرض متفرع عن اصالة حسن الظن بالمسلم وهي لا تقبل اتهام المسلم لقول قائل فيه ورد خبر لاجل ذلك، و العرض متفرع عن اصالة الستر على المسلم و عدم تتبع عوراته و سياته وهذا ما يفعله علم الجرح ، و العرض متفرع عن اصالة عدم جواز العمل بالظن، فكان العرض و احراز الشاهد و المصدق مخرج للحديث من الظن من دون الحاجة الى قرينة اخرى بما فيها صحة السند و العرض متفرع عن اصالة نفي العسر و الحرج و تتبع اقوال الناس في الرواة عسر و حرج الا على قلة عارفة باحوال الرجال مع الاختلاف بينهم و العرض متفرع عن اصالة الاشتراك في التكليف فالعرض تكليف كل مسلم و لي مختصا بفئة معينة عارفة باحوال الرجال ، هذا وان احاديث العرض مطلقة بل بعضها ناص على عدم الاعتناء باحوال الرواة وهذا الاطلاق مصدق و عدم الاعتبار بحال الراوي مصدق ايضا. فتم ان العرض يكون لكل خبر ينسب الى النبي صلى الله عليه و اله بطريقة عرفية يقبلها العقلاء و لا يعلم كذبها، فما يكون بطريقة غير عادية من معجز او طريق غير عرفي فانه لا يكفي الادعاء بل لا بد من العلم لان الاصول تنزل على ما هو معروف و جاري عند العقلاء و وفق عرفهم. وفي الحقيقة و من جهة مدرسية و تفصيلية فان نقاشنا مع متأخري الشيعة هو في اطلاق الخبر وانه شامل للحديث الضعيف حيث انهم يعلمون بحديث العرض وهو ثابت عندهم وبطرق كثيرة نتها الصحيح والمعتبر الا انهم يناقشون في اطلاقه ، ورغم انه خلاف سيرة متقدميهم فانا قد بينا ما هو نص في الاطلاق و ما يصدقه من اصول قرانية. و نقاشنا مع متقدمي الجمهور في ثبوته ، و مع ان متأخري الجمهور يذعنون له بالجملة بان السنة لا تخالف القران الا انا قد نقلنا عمن قوى الخبر و حسن سنده و بعضهم طبقه و اسس عليه الاسس. و في الحقيقة اهم ما دفع البعض للتوقف في الحبر هو تبني فكرة جواز تخصيص القران بخبر الاحاد لتوجيهات ذكروها الا انها لا تثبت امام الحق، فخبر الواحد ظن ولا يصح لا عرفا ولا عقلا ولا شرعا حكومة الظن على العلم وقد بينا ضعف القول ان دلالة القطعي ظنية و دلالة الظني قطغية فانه  محض ادعاء و لا مساعد عليه وولا شاهد له وهو وشبيه بالزخرف.

 

مناقشة (18) قال في كشف الأسرار : قُلْنَا : هَذِهِ أَحَادِيثُ مَشْهُورَةٌ يَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِمِثْلِهَا عَلَى الْكِتَابِ وَلَا كَلَامَ فِيهَا إنَّمَا الْكَلَامُ فِي خَبَرٍ شَاذٍّ خَالَفَ عُمُومَ الْكِتَابِ هَلْ يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِهِ وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرْتُمْ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ أَنَّ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَأُسَامَةَ رَحمهم اللَّهُ رَوَوْا خَبَرَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ وَلَمْ يَخُصُّوا بِهِ قَوْله تَعَالَى { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ } حَتَّى قَالَ رَحمه اللَّهُ لَا نَدَعُ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا بِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي صَدَقَتْ أَمْ كَذَبَتْ حَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ . قَوْلُهُ ( وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلوات الله عليه تَكْثُرُ لَكُمْ الْأَحَادِيثُ ) الْحَدِيثُ أَهْلُ الْحَدِيثِ طَعَنُوا فِيهِ وَقَالُوا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ يَزِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ ثَوْبَانَ وَيَزِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ مَجْهُولٌ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ سَمَاعٌ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ عَنْ ثَوْبَانَ فَكَانَ مُنْقَطِعًا أَيْضًا فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَحُكِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ وَضَعَتْهُ الزَّنَادِقَةُ ، وَهُوَ عِلْمُ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ وَتَزْكِيَةُ الرُّوَاةِ عَلَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ أَيْضًا ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } فَيَكُونُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ سَاقِطًا عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُهُ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِمَامَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ أَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِهِ ، وَهُوَ الطَّوْدُ الْمُتَّبَعُ فِي هَذَا الْفَنِّ وَإِمَامُ أَهْلِ هَذِهِ الصَّنْعَةِ فَكَفَى بِإِيرَادِهِ دَلِيلًا عَلَى صِحَّتِهِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى طَعْنِ غَيْرِهِ بَعْدُ ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْقَبُولِ بِالْكِتَابِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِيمَا تَحَقَّقَ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ الرَّسُولِ صلوات الله عليه بِالسَّمَاعِ مِنْهُ أَوْ بِالتَّوَاتُرِ وَوُجُوبِ الْعَرْضِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِيمَا تَرَدَّدَ ثُبُوتُهُ مِنْ الرَّسُولِ صلوات الله عليه إذْ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ إذَا رُوِيَ لَكُمْ عَنِّي حَدِيثٌ فَلَا يَكُونُ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلْكِتَابِ بِوَجْهٍ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْآيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا أَعْطَاكُمْ الرَّسُولُ مِنْ الْغَنِيمَةِ فَاقْبَلُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ أَيْ عَنْ أَخْذِهِ فَانْتَهُوا ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ هُوَ الْغُلُولُ ، وَقَدْ تَأَيَّدَ هَذَا الْحَدِيثُ بِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلوات الله عليه قَالَ { مَا حُدِّثْتُمْ عَنِّي مِمَّا تَعْرِفُونَ فَصَدِّقُوا بِهِ وَمَا حُدِّثْتُمْ عَنِّي مِمَّا تُنْكِرُونَ فَلَا تُصَدِّقُوا فَإِنِّي لَا أَقُولُ الْمُنْكَرَ } وَإِنَّمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ بِالْعَرْضِ .اقول يشير إلى ما ذكره البخاري في التاريخ الكبير  حيث قال : ( سعيد بن أبي سعيد المقبري أبو سعد قال : ابن أبي أويس ينسب إلى مقبرة ، وقال غيره : أبو سعيد مكاتب لامرأة من بني ليث مدني . وقال ابن طهمان : عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن النبي  : " ما سمعتم عني من حديث تعرفونه فصدقوه ". اقول وهو بالتوجيه المتقدم يكون منتهيا الى العرض كما بينا. هذا وان عبد العزيز حكم بصحة الحديث هنا. كما انه تفسيره لتعرفون و تنكرون بالعرض متين.