عرض الحديث (18)
مناقشة
(6) قال في اصول البرذوي: ان الكتاب ثابت
بيقين فلا يترك بما فيه شبهة ويستوي في ذلك الخاص والعام والنص والظاهر حتى أن
العام من الكتاب لا يخص بخبر الواحد عندنا خلافا للشافعي رحمه الله و لا يزاد على
الكتاب بخبر الواحد عندنا ولا يترك الظاهر من الكتاب ولا ينسخ بخبر الواحد وإن كان
نصا لان المتن أصل والمعنى فرع له والمتن من الكتاب فوق المتن من السنة لثبوته
ثبوتا بلا شبهة فيه فوجب الترجيح به قبل المصير إلى المعنى وقد قال النبي صلوات
الله عليه تكثر لكم الأحاديث من بعدي فإذا
روى لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله تعالى فما وافق كتاب الله تعالى فاقبلوه
وما خالفوه فردوه فلذلك نقول أنه لا يقبل خبر الواحد في نسخ الكتاب. اقول بعد ان
عرفت ان الشافعي يشترط في الحديث الحجة عدم المخالفة تعرف معنى خبر الواحد عنده
وانه ما لا يخالف الكتاب فضلا عن ان يسنخه. هذا وقد حصل خلط بين هذه المسالة و
مسالة العرض كما و جعل رابط بينهما وهو غير صحيح ، حيث ان مسالة التخصيص هي من
مباحث مخالفة الخبر للكتاب و مسالة العرض هي من مباحث احجية الخبر والمخالفة من
مقدماتها. و لقد بينا ان التخصيص و التقييد ليس مخالفة عرفا فاذا ثبتت السنة بحديث
ثابت يفيد العلم فانه يخصص الكتاب و يقيده بلا اشكال وهذا ليس مخالفة، اما خبر
الواحد فلا يصلح لتخصيص الكتاب ولا تقييده ليس لانها مخالفة و انما لان ما هكذا
حاله ليس حجة و لا يثبت و انما المخالفة هي التعارض المستقر الذي لا يقبل العرف له
جمعا مقبولا. و اما النسخ فهو مخالفة عرفية حقيقية لذلك لا يكون الا بالسنة
القطعية، و السنة تنسخ الكتاب بلا اشكال لانهما من مصدر واحد ، و اما الحديث
الاحاد الظني فقد عرفت انه قاصر عن التخصيص
وهو اقصر عن النسخ بل ممتنع عرفا و عقلا و شرعا. فالخلاصة ان النسخ واقع
وحق و الشرع يسنخ الشرع سواء كان المنسوخ
كتابا او سنة و سواء كان الناسخ كتابا او سنة الا ان ما يسنخ هو السنة القطعية لا
غير. اما الحديث الظني فلا يصلح لا لنسخ و لا تخصيص و لا غيرهاما من التعديلات
البيانية لان الحديث الظني الذي يعدل ( يخصص) هو غير موافق للكتاب فلا يكون حجة و
الحديث الظني الذي يبدل ( ينسخ) هو مخالف للكتاب فهو ليس بحجة. قال في كشف الاسرر قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَا
رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ صلوات الله عليه فَاعْرِضُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ
تَعَالَى فَقَدْ قِيلَ هَذَا الْحَدِيثُ لَا يَكَادُ يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ هَذَا
الْحَدِيثَ بِعَيْنِهِ مُخَالِفٌ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَإِنَّ فِي
الْكِتَابِ فَرْضِيَّةَ اتِّبَاعِهِ مُطْلَقًا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَرْضِيَّةُ
اتِّبَاعِهِ مُقَيَّدًا بِأَنْ لَا يَكُونَ مُخَالِفًا لِمَا يُتْلَى فِي
الْكِتَابِ ظَاهِرًا وَلَئِنْ ثَبَتَ فَالْمُرَادُ اخْتِبَارُ الْآحَادِ لَا
الْمَسْمُوعِ عَنْهُ بِعَيْنِهِ أَوْ الثَّابِتِ عَنْهُ بِالنَّقْلِ
الْمُتَوَاتِرِ وَفِي اللَّفْظِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ وَهُوَ . قَوْلُهُ صلوات الله
عليه إذَا رُوِيَ لَكُمْ عَنِّي حَدِيثٌ وَلَمْ يَقُلْ : إذَا سَمِعْتُمْ مِنِّي
وَنَحْنُ نَقُولُ : إنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ لَا يَثْبُتُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِهِ ؛
لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ كَوْنُهُ مَسْمُوعًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه
واله قَطْعًا وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ بِهِ عِلْمُ الْيَقِينِ. اقول
وهو من جوهر ما تقدم و يرد على كثير من الاشكالات المتقدمة. و اما ما تقدم منا من
ان خبر الاحاد الظني لا يخصص الكتاب لاجل عدم حجيته و ليس للمخالفة ، فانه لو ثبتت
حجيته جاز التخصيص به وان كان ظنا، لان ظاهر الكتاب من هموم و اطلاق وان كان قطعي
الصدور الا انه ظني الدلالة . و من هنا يعلم قوة قول البرذوي و صاحب كشف الاسرار
بان الظني ليس حجة اصلا فلا تصل النوبة
الى التعارض، و يتبين ما في في قول صاحب حاشية العطار فحيث قال : َإِنْ قِيلَ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَإِنْ كَانَ
خَاصًّا ظَنِّيٌّ وَالْكِتَابُ قَطْعِيٌّ وَالظَّنُّ لَا يُعَارِضُ الْقَطْعَ
فَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَامَّ الَّذِي هُوَ الْكِتَابُ مَقْطُوعُ الْمَتْنِ
وَالسَّنَدِ لِثُبُوتِهِمَا بِالتَّوَاتُرِ ، لَكِنَّهُ ظَنِّيُّ الدَّلَالَةِ
لِاحْتِمَالِ التَّخْصِيصِ ، وَالْخَاصُّ مَقْطُوعُ الدَّلَالَةِ مَظْنُونُ
السَّنَدِ فَتَعَادَلَا لِكَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا قَطْعِيًّا مِنْ وَجْهٍ
ظَنِّيًّا مِنْ وَجْهٍ فَجَازَ التَّعَارُضُ بَيْنَهُمَا. فانه لا
تعارض لان خبر الاحاد ظني ثبوتا فهو ليس حجة اصلا فلا يصلح لمعارض الثابت وان كانت
دلالته ظنية لان قيام المعاش و الحياة على الظاهر فلا يعارض الظاهر الظني للدليل
معلوم الثابت بدليل ظني غير ثابت وان كانت دلالته نصا.
مناقشة (7) قال في الموافقات: لا بد في كل حديث
من الموافقة لكتاب الله كما صرح به الحديث المذكور فمعناه صحيح صح سنده أو لا وقد خرج في معنى هذا الحديث الطحاوي في
كتابه في بيان مشكل الحديث عن عبد الملك بن سعيد بن سويد الأنصاري عن أبي حميد
وأبي أسيد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال
إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم وتلين له أشعاركم وأبشاركم وترون أنه
منكم قريب فأنا أولاكم به وإذا سمعتم بحديث عني تنكره قلوبكم وتند منه أشعاركم
وأبشاركم وترون أنه منكر فأنا أبعدكم منه وروى أيضا عن عبد الملك المذكور عن عباس
بن سهل أن أبي بن كعب كان في مجلس فجعلوا يتحدثون عن رسول الله صلى الله عليه و
سلم بالمرخص والمشدد وأبي بن كعب ساكت فلما فرغوا قال أي هؤلاء ما حديث بلغكم عن
رسول الله صلى الله عليه و سلم يعرفه القلب ويلين له الجلد وترجون عنده فصدقوا
بقول رسول الله صلى الله عليه و سلم فإن رسول الله لا يقول إلا الخير . وبين وجه ذلك الطحاوي بأن الله تعالى قال في
كتابه إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم الآية وقال مثانى تقشعر منه
جلود الذين يخشون ربهم الآية وقال وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض
من الدمع الآية فأخبر عن أهل الإيمان بما هم عليه عند سماع كلامه وكان ما يحدثون
به عن النبي صلى الله عليه و سلم من جنس ذلك لأنه كله من عند الله ففي كونهم عند
الحديث على ما يكونون عليه عند سماع القرآن دليل على صدق ذلك الحديث وإن كانوا
بخلاف ذلك وجب التوقف لمخالفته ما سواه وما قاله يلزم منه أن يكون الحديث موافقا
لا مخالفا في المعنى إذ لو خالف لما
اقشعرت الجلود ولا لانت القلوب لأن الضد لا يلائم الضد ولا يوافقه وخرج الطحاوي
أيضا عن أبي هريرة عنه عليه الصلاة و السلام
إذا حدثتم عني حديثا تعرفونه ولا تنكرونه فصدقوا به قلته أو لم أقله فإني
أقول ما يعرف ولا ينكر وإذا حدثتم عني حديثا تنكرونه ولا تعرفونه فكذبوا به فإني
لا أقول ما ينكر ولا يعرف ووجه ذلك أن المروى إذا وافق كتاب الله وسنة نبيه لوجود
معناه في ذلك وجب قبوله لأنه إن لم يثبت أنه قاله بذلك اللفظ فقد قال معناه بغير
ذلك من الألفاظ إذ يصح تفسير كلامه عليه الصلاة و السلام للأعجمي بكلامه وإذا كان
الحديث مخالفا يكذبه القرآن والسنة وجب أن يدفع ويعلم أنه لم يقله وهذا مثل ما
تقدم أيضا والحاصل من الجميع صحة اعتبار الحديث بموافقة القرآن وعدم مخالفته وهو
المطلوب على فرض صحة هذه المنقولات وأما إن لم تصح فلا علينا إذ المعنى المقصود
صحيح . اقول ان حكمه بصحة معنى الحديث و مقصوده تام و موافق لنا و مؤيد ، و ان
الاحاديث المذكورة هي فعلا مؤيدات لمعنى الحديث و مضمونه و مقصوده الذي بنينا عليه
وهذا تام ايضا منه و من الطحاوي، و ايضا كون هذه الاحاديث اي احاديث الاطمئنان و
المعرفة للحديث و احاديث العرض تنطلق من نقطة واحدة فهذا تام و ذكرناه في كتابنا
المحكم في الدليل الشرعي الا ان الوجه ليس ما ذكره الطحاوية و انما الوجه ان
المراد من هذه الاحاديث فعلا هو العرض على القران و السنة ، و ليس بالضرورة العرض
على منطوق او اية او رواية ثابتة كما فعل
الاوائل ، بل يكفي العرض على ما هو مرتكز من معرفة حقة ، فالاستنكار لحديث من قبل
المؤمن هو لانه خالف ما يعرف من الحق من القران و السنة و هو يطمئن و يلين لما
يوافق ما يعرف من الحق منهما، و ليس للرأي او الوجداني الصرف المجاني دور فان هذا
من الرأي و من التأويل الذي لا مساعد عليه، بل الحق ان هذه الاحاديث يراد بها ان
الحديث الذي تعرفونه من القران و السنة و تطمئنون له لانه يوافق ما تعرفون منهما
فخذوا به و الا فلا تاخذوا به، وهذا صريح صاحب الكشف قال في قال في كشف الأسرار
: وَقَدْ تَأَيَّدَ هَذَا الْحَدِيثُ
بِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلوات
الله عليه قَالَ { مَا حُدِّثْتُمْ عَنِّي مِمَّا تَعْرِفُونَ فَصَدِّقُوا بِهِ
وَمَا حُدِّثْتُمْ عَنِّي مِمَّا تُنْكِرُونَ فَلَا تُصَدِّقُوا فَإِنِّي لَا
أَقُولُ الْمُنْكَرَ } وَإِنَّمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ بِالْعَرْضِ. اقول و قد جاءت
اثار عنه صلى الله عليه و اله بهذا التفسير ذكرناها في كتبنا المذكور منها ما
عن معاني الاخبار : قال رسول الله صلى الله عليه واله ما جاءكم عني من حديث موافق للحق فأنا قلته وما أتاكم عني
من حديث لا يوافق الحق فلم أقله، ولن أقول إلا الحق. و منها ما عن
بصائر الدرجات : قال رسول الله صلى الله عليه واله: ما ورد عليكم من حديث
آل محمد صلوات الله عليهم فلانت له قلوبكم وعرفتموه فاقبلوه وما اشمأزت قلوبكم
وأنكرتموه فردوه إلى الله وإلى الرسول وإلى العالم من آل محمد عليهم السلام. فهذا
يفسر بالحق الذي ذكر قبله و الحق يفسر بالقران و السنة الذي ذكر مستفيضا في
غيرهما.