عرض الحديث (11)

 

الموضع الثاني:  مناقشات

 

 

 

مناقشة (1) قال الشافعي يحدث عن رجل: قال: فهذا عنْدِي كما وصفْتَ أفَتَجِدُ حُجَّةً على مَنْ رَوَى أنَّ النبي قال : " مَا جَاءَكُمْ عَنِّي فَاعْرِضُوُه عَلَى كِتَابِ اللهِ فَمَا وَافَقَهُ فَأَنَا قُلْتُهُ وَمَا خَالَفَهُ فَلَمْ أَقُلْهُ "  فقلْتُ له : ما رَوَى هذا أحدٌ يَثْبُتُ حَدِيثُهُ في شيء صَغُرَ وَلَا كَبُرَ فيُقالَ لنا : قدْ ثَبَّتُّمْ حَدِيثَ مَنْ رَوَى هَذا في شَيْءٍ . وهذه أيضاً رِوايةٌ مُنْقَطِعة عَن رَجُلٍ مَجْهولٍ ونحن لا نَقْبَلُ مِثْلَ هذه الرِّوايَةِ في شيْءٍ . قال البيهقي في معرفة السنن: وكأنه أراد  ما أخبرنا به أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو في كتاب السير قالا : أخبرنا أبو العباس قال أخبرنا الربيع ، قال أخبرنا الشافعي قال : قال أبو يوسف : حدثنا خالد بن أبي كريمة ، عن أبي جعفر ، عن رسول الله صلى الله عليه واله أنه دعا اليهود فسألهم فحدثوه حتى كذبوا على عيسى صلوات الله عليه ، فصعد النبي صلى الله عليه واله المنبر فخطب الناس فقال : « إن الحديث سيفشو عني فما أتاكم عني يوافق القرآن فهو عني وما أتاكم عني يخالف القرآن فليس عني » . اقول قد بينا مرارا ان ضعف السند بحسب الاصطلاح لا يلزم منه العلم بعدم الصدور، بل اقصى ما يفيد ان الخبر يبقى في مجال الظن و لا فرق في كون الحديث الاحاد صحيحا او ضعيفا من حيث الظنية و انما الصحيح الظن فيه اقوى لكنه يبقى ظنا، فكلاهما اي الصحيح والضعيف يحتاج الى ما يخرجه من الظن الى العلم. و المصدقية  والموافقة تضفي العلمية المطلوبة لاجل الاعتماد، و لا يعني العلم هنا هو القطع بل مطلق الاطمئنان. هذا وان صاحب تذكرة المحتاج قال في خَالِد بن أبي كَرِيمَة : إِن كَانَ هُوَ الرَّاوِي عَن عِكْرِمَة وَمُعَاوِيَة بن قُرَّة فقد عرف، رَوَى عَنهُ شُعْبَة ووكيع وَجَمَاعَة، وَوَثَّقَهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن معِين: ضَعِيف الحَدِيث.انتهى اقول وان ابا جعفر هو الباقر صلوات الله عليه وهو عالم عارف صدوق عند الكل  حتى عند من لم يقل بامامته فلا يرسل من دون علم كما ان المعروف من طريقته انه يروي عن ابائه عن رسول الله صلى الله عليه و اله، كما ان بعض الاعلام حكم  بعد الخلاف في صحة الحديث وبعضهم بالشهرة و بعضهم طبقه وقعد من القواعد دالا على اعتماده و العمل به. هذا وان حديث العرض يعني العمل بالمصدق و ليس بخبر الاحاد فضلا عن تخصيص القران بالاحاد، و اما الثابت من السنة و الحديث الثابت فضلا عن المشافهة فالعمل بها متعين كما ان المخالفة ليس ما يراه العقلاء من توفيقات جائزة من تخصيص و تقييد و انما المخالفة ما لا يجوز العرف الجمع بينهما. ولا ريب ان السنة بل والقران احيانا يكشف عن ان المراد خاص  ليس عاما و مطلق وليس مقيدا في اية، لكن ما يكشف ذلك ويبينه يجب ان يكون علما، ويكفي كل ما يحقق الاطمئنان وليس خبر الاحاد منه ومن هنا يتبين ما في قول الشافعي : ليس يخالف الحديث القرآن ولكن حديث رسول الله صلى الله عليه واله يبين معنى ما أراد خاصا وعاما وناسخا ومنسوخا ، ثم يلزم الناس ما سن بفرض الله ، فمن قبل عن رسول الله صلى الله عليه واله فعن الله قبل. اقول ان هذا القول ينطوي على معنى خطير وهو ابطال ظاهر القران بظواهر اخبار الاحاد، و ترك العلم لاجل الظن، ولا يقال ان ظاهر القران ظن  وان ما في الاحاد الحاكم علم، فانه من زخرف القول، اذ ان العقلاء و اهل اللغة يبحثون توفيق الدلالات و تحصيل الدلالات المحصلة بعد ثبوت النصوص، اي وتحقق كونها علما، فلا يجيزون التوفيق الدلالي بين نص معلوم ونص مظنون، بل هذا خلاف الفطرة . ولو كان الشافعي يقصد بلفظ (الحديث) هنا السنة او الحديث الثابت او المصدق لكان الامر سهلا ولو كان بالامكان حمل كلامه عليه لكان الامر سهلا ايضا لكن المعلوم ان الشافعي هنا يقصد حديث الاحاد. قال في الموافقات : فإذا تقرر هذا فقد فرضوا فى - كتاب الأخبار مسألة مختلفا فيها ترجع إلى الوفاق في هذا المعنى فقالوا خبر الواحد إذا كملت شروط صحته هل يجب عرضه على الكتاب أم لا فقال الشافعي لا يجب لأنه لا تتكامل شروطه إلا وهو غير مخالف للكتاب وعند عيسى بن أبان يجب محتجا بحديث فى هذا المعنى وهو قوله  إذا روى لكم حديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافق فاقبلوه وإلا فردوه. فهذا الخلاف كما ترى راجع إلى الوفاق، وسيأتي تقرير ذلك فى دليل السنة إن شاء الله تعالى  وللمسألة أصل في السلف الصالح فقد ردت عائشة رضى الله تعالى عنها حديث  إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه بهذا الأصل نفسه لقوله تعالى ألا تزر وازرة وزر أخرى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وردت حديث رؤية النبي صلى الله عليه و سلم لربه ليلة الإسراء لقوله تعالى لا تدركه. انتهى اقول قد عرفت ما فيه بان الشافعي لا يعني ان خبر الاحاد من شروطه الا يخالف القران بل يعني ان الحديث يكشف عن مراد الاية وان المراد الخاص او المقيد و ليس العام او المطلق.

و لقد  استدل الشافعي بحديث هو في السنة وفي العلم حيث قال : قال فهل عن النبي رواية بما قلتم ؟ فقلت له نعم أخبرنا سفيان قال أخبرني سالم أبو النضر أنه سمع عبيد الله بن أبي رافع يحدث عن أبيه أن النبي قال لاألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الامر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدري ما وجدنا في كتاب الله تبعاناه . قال الشافعي فقد ضيق رسول الله على الناس أن يردوا امره بفرض الله عليهم اتباع أمره. انتهى اقول الحديث في رد السنة، والحديث فيمن يقول لا نعمل الا بالقران، وهذا بعيد كل البعد عن المنع من اعتماد خبر الاحاد من دون عرض وتصديق. و ان القران و السنة في هذا الحديث و غيره تقول ان العلم بعمل به وانه لا يتناقض و انما يكشف بعضه عن مراد بعض، و ان الظن لا يعمل به مهما كان طريقه و ظهور دلالته. هذا ما يقوله القران و السنة و ليس يقول اعملوا بخبر الاحاد الظني لان طريقه صحيح ، ولا تحكيم الظن على العلم بحجة ان دلالته اظهر و اقوى.

هذا وان هذا الحديث مسند و بطرق قال في تذكرة المحتاج  :  الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ : حَدِيث : «إِذا رُوِيَ عني حَدِيث فاعرضوه عَلَى كتاب الله ، فَإِن وَافق فاقبلوه، وَإِن خَالف فَردُّوهُ» .

هَذَا الحَدِيث لَهُ طرق :

 أَحدهَا: من رِوَايَة عَلّي كرم الله وَجهه، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة جبارَة بن الْمُغلس - وَهُوَ ضَعِيف - عَن أبي بكر بن عَيَّاش ، عَن عَاصِم بن أبي النجُود ، عَن زر ، عَن عَلّي رَفعه : «إِنَّهَا سَيكون بعدِي رُوَاة يروون عني الحَدِيث، فأعرضوا حَدِيثهمْ عَلَى الْقُرْآن، فَمَا وَافق الْقُرْآن فَخُذُوا بِهِ، وَمَا لم يُوَافق الْقُرْآن فَلَا تَأْخُذُوا بِهِ» . ثمَّ قَالَ: هَذَا وهم، وَالصَّوَاب عَن عَاصِم عَن زيد بن عَلّي مُرْسلا عَن رَسُول الله صلى الله عليه واله َ .

الثَّانِي : من حَدِيث ابْن عمر، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث الْوَضِين بن عَطاء، عَن سَالم، عَن أَبِيه مَرْفُوعا: «مَا أَتَاكُم من حَدِيثي فاقرأوا كتاب الله واعتبروه، فَمَا وَافق كتاب الله فَأَنا قلته ، وَمَا لم يُوَافق كتاب الله فَلم أَقَله» . الْوَضِين قَالَ أَحْمد: مَا بِهِ من بَأْس. وَلينه غَيره .

الطَّرِيق الثَّالِث : من حَدِيث ثَوْبَان رحمه الله ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا من حَدِيث يزِيد بن ربيعَة، عَن أبي الْأَشْعَث ، عَن ثَوْبَان مَرْفُوعا: «إِن رَحى الإِسلام دَائِرَة» قَالُوا: كَيفَ نصْنَع يَا رَسُول الله؟ قَالَ: «اعرضوا حَدِيثي عَلَى الْكتاب، فَمَا وَافقه فَهُوَ مني، وَأَنا قلته » . يزِيد هَذَا قَالَ البُخَارِيّ: أَحَادِيثه مَنَاكِير. وَقَالَ النَّسَائِيّ : مَتْرُوك .

الطَّرِيق الرَّابِع : من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَحمه اللَّهُ  ، رَوَاهُ الْهَرَوِيّ فِي ذمّ الْكَلَام من حَدِيث صَالح بن مُوسَى، عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: « إِنَّه سَيَأْتِيكُمْ عني أَحَادِيث مُخْتَلفَة، فَمَا جَاءَكُم مُوَافقا لكتاب الله وسنتي فَهُوَ مني، وَمَا جَاءَكُم مُخَالفا لكتاب الله وسنتي فَلَيْسَ مني » . وَصَالح هَذَا هُوَ الطلحي الواهي . قَالَ النَّسَائِيّ : مَتْرُوك .

 وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة من حَدِيث أبي جَعْفَر رَفعه: «مَا جَاءَكُم عني فاعرضوه عَلَى كتاب الله فَمَا وَافقه فَأَنا قلته، وَمَا خَالفه فَلم أَقَله » . قَالَ الشَّافِعِي فِي رسَالَته : هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ رجل مَجْهُول، وَهُوَ مُنْقَطع، وَلم يروه أحد يثبت حَدِيثه . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَجْهُولِ خَالِد بن أبي كَرِيمَة، فَلم يعرف من ذَلِك مَا يثبت بِهِ خَبره . قلت : إِن كَانَ هُوَ الرَّاوِي عَن عِكْرِمَة وَمُعَاوِيَة بن قُرَّة فقد عرف، رَوَى عَنهُ شُعْبَة ووكيع وَجَمَاعَة، وَوَثَّقَهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن معِين: ضَعِيف الحَدِيث. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ من أوجه أخر كلهَا ضَعِيفَة قد بينتها فِي الْمدْخل . قلت : أخرجه فِي الْمدْخل من حَدِيث الْأَصْبَغ بن مُحَمَّد بن أبي مَنْصُور بلاغاً بِنَحْوِهِ . ثمَّ قَالَ : رِوَايَة مُنْقَطِعَة عَن رجل مَجْهُول . ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، ثمَّ من وَجه آخر ضَعِيف. وَقَالَ: هَذَا إِسْنَاد لَا يحْتَج بِهِ . وَقَالَ فِي كتاب الْمدْخل إِلَى دَلَائِل النُّبُوَّة : الحَدِيث الَّذِي رُوِيَ فِي عرض الحَدِيث عَلَى الْقُرْآن بَاطِل لَا يَصح . قَالَ: وَهُوَ ينعكس عَلَى نَفسه بِالْبُطْلَانِ ، فَلَيْسَ فِي الْقُرْآن دلَالَة عَلَى عرض الحَدِيث عَلَى الْقُرْآن . [قلت : فَهَذَا الحَدِيث لَهُ طرق كَمَا ترَى . وَمن الْأَعَاجِيب قَول بعض شرَّاح هَذَا الْكتاب: إِنَّه غير مَعْرُوف ] من حَدِيث أبي هُرَيْرَة. وَقَالَ: تفرد بِهِ صَالح الطلحي، وَهُوَ ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ ، قَالَه الدَّارَقُطْنِيّ.

 

 

مناقشة (2) قيل : قد عارض حديث العرضِ قومٌ فقالوا : وعرضنا هذا الحديث الموضوع على كتاب الله فخالفه لأنا وجدنا في كتاب الله : { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا }، ووجدنا فيه : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله }، ووجدنا فيه : { من يطع الرسول فقد أطاع الله }. اقول قال في فتح الباري : قيل لـ يحيى بن معين : ما تقول في الحديث الذي يروى عن النبي صلى الله عليه واله: ( ما حدثتكم من حديث فاعرضوه على القرآن، فما وافق القرآن فخذوه، وما عارضه فردوه )؟ فقال ابن معين فوراً: لقد عرضناه على القرآن فوجدناه كذباً، فقيل: كيف؟ قال: لأن الله عز وجل يقول: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } . وهذا الحديث كذبا قطعا وليس هو من احاديث العرض بل هو محرف بلفظ ( حدثتكم) و ليس في احاديث العرض هذا اللفظ. فمن نقل التكذيب بالعرض و اجراه على الفاظ الحديث الاخرى فهو متوهم. فالموضوع هو لفظ ( حدثتكم) ، اما من نقل هذا العبارة و حكم الوضع الى الفاظ الحديث الاخرى مثل ( جاءكم، اتاكم، رويتم) فانه توهم وعدم ضبط و منهم البيهقي في المدخل قال (وما ورد من طريق ثوبان بعرض الأحاديث على القرآن فقال يحيى بن معين إنه موضوع وضعته الزنادقة ) بينما حديث ثوبان اخرجه الطبراني بلفظ («اعرضوا حَدِيثي عَلَى الْكتاب، فَمَا وَافقه فَهُوَ مني، وَأَنا قلته » و فيه قرينة داخلية تدل على انه الرواية و ليس السمع منه بقوله ( فهو مني و انا قلته) فهذا مختص بما يروى كما في الفاظ جاءكم و اتاكم و رويتم ونحوها و ليس ( حدثتكم) الذي حكم ابن معين بوضعه. و الايات المذكورة هي في السنة الثابتة من مشافهة او حديث ثابت و اما احاديث العرض فهي في المرويات الظنية. فالعرض هو للنقل الظني عن النبي و ليس ما ثبت عنه فضلا عما سمع منه مشافهة ، كيف و من اوامر العرض تامر بالعرض على السنة وانه اذا وافقه فانه منه صلى الله عليه و اله. قال في أصول السرخسي : وما روي من قوله صلوات الله عليه: فاعرضوه على كتاب الله تعالى. فقد قيل هذا الحديث لا يكاد يصح، لان هذا الحديث بعينه مخالف لكتاب الله تعالى، فإن في الكتاب فرضية اتباعه مطلقا، وفي هذا الحديث فرضية اتباعه مقيدا بأن لا يكون مخالفا لما يتلى في الكتاب ظاهرا. ثم ولئن ثبت فالمراد أخبار الآحاد لا المسموع منه بعينه أو الثابت عنه بالنقل المتواتر، وفي اللفظ ما دل عليه وهو قوله صلوات الله عليه: إذا روي لكم عني حديث ولم يقل إذا سمعتم مني، وبه نقول إن بخبر الواحد لا يثبت نسخ الكتاب، لانه لا يثبت كونه مسموعا من رسول الله (ص) قطعا ولهذا لا يثبت به علم اليقين. انتهى اقول وليس في الايات المذكورة معارضة للعرض  للمنقول الظني ولا في السنة الثابتة . هذا وان العرض يصدقه وجوب العلم بالسنة لانه طريق اليه و يصدق وجوب توافق  واتساق المعارف الدينية و الرد الى الله و الرسول و الاعتصام بحبل الله تعالى وعدم الاختلاف.و اما الحكم بانه موضوع فلا شاهد له و مجرد اجتهاد لاجل ما بينوا من الطعن و كثير من الاعلام شهدوا بصحته او بشهرته و بعضهم طبقه و قعد منه القاعدة التي عمل به. و قد نقل عن الغزالي قوله في عرض ام المؤمنين عائشة الحديث على الكتاب: ("وعندى أن ذلك المسلك الذى سلكته أم المؤمنين أساس لمحاكمة الصحاح إلى نصوص الكتاب الكريم").

 

مناقشة  (3): قال في  الابانة الكبرى بعد ان ذكر الحديث: قال ابن الساجي : قال أبي رحمه الله : هذا حديث موضوع عن النبي صلى الله عليه واله . قال : وبلغني عن علي بن المديني ، أنه قال : ليس لهذا الحديث أصل ، والزنادقة وضعت هذا الحديث قال الشيخ : « وصدق ابن الساجي ، وابن المديني رحمهما الله ، لأن هذا الحديث كتاب الله يخالفه ، ويكذب قائله وواضعه. انتهى  اقول قوله (ليس لهذا الحديث أصل ) اي ليس له طريق يصح لان الحديث مروى مسندا عن بعض الصحابة . وهم انما حكموا بالمخالفة و الوضع لانهم رأوا انه تقييد لاطلاق القران وانه تعطيل للسنة وعرض للسنة على القران لكن الحديث ليس في ذلك، بل الحديث في عرض الحديث الظني على القران، اما الحديث الثابت فلا يحتاج الى عرض فهو سنة . هذا وان الخبير يعلم ان حكمهم هنا بالوضع وفي احاديث اخرى، ليس لعدم الاسناد و يس الاساس عدم طريق صحيح بل لان المتن مخالف للقران وهذا عرض ايضا، فحتى من نفوا الحديث انما نفوه بالعرض. فالتوهم الذي ادخل الشبهة عليهم انهم اعتقدوا ان الحديث يأمر بعرض السنة على القران وهذا ليس صحيحا مطلقا بل الحديث يأمر بعرض الحديث الظني – اي الاحاد- على القران وان صح السند، ولا يمكن مطلقا القول ان صحة السند تعني ثبوت السنة و الصدور اذ لا ملازمة بينهما لا عقلا ولا شرعا و لا عرفا فالصادق قد يكذب و قد يتوهم و قد يسهو و الكاذب قد يصدق و غير الضابط قد لا يضبط وغير الضابط قد لا يضبط. ولا يقال ان اصالة عدم الكذب و عدم السهو تنفي تلك الاحتمالات لان هذه الاصول تجري مع عدم المخالفة اما مع المخالفة لا تجري، و ستعرف ايضا ان ما توهموا من دلالة السنة على العمل بخبر الاحاد له تاثير هنا، اذ ان العمل به يعني انه يحكم على القران ، وهذا غريب اذ يحكم الظن على العلم، و الصحيح ان ما يحكم على العلم هو العلم اي ما يحكم على القران هو السنة لانها علم و ليس حديث الاحادث، و موافقة الاحاد للقران ت تدخله في السنة.

 

مناقشة (4) الأحكام لابن حزم : فصل قال علي: وقد ذكر قوم لا يتقون الله عز وجل أحاديث في بعضها إبطال شرائع الاسلام، وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) وإباحة الكذب عليه، وهو ما حدثنا المهلب بن أبي صفرة، حدثنا ابن مناس، ثنا محمد بن مسرور القيرواني، ثنا يونس بن عبد الاعلى، عن ابن وهب، أخبرني شمر بن نمير، عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب أن رسول الله (ص) قال: سيأتي ناس يحدثون عني حديثا، فمن حدثكم حديثا يضارع القرآن فأنا قلته، ومن حدثكم بحديث لا يضارع القرآن فلم أقله، فإنما هو حسوة من النار.

قال أبو محمد: الحسين بن عبد الله ساقط منهم بالزندقة، وبه إلى ابن وهب،

 ثم قال وأخبرني المهلب بالسند الاول إلى ابن وهب، حدثني سليمان بن بلال، عن عمرو ابن أبي عمرو، عمن لا يتهم، عن الحسن أن رسول الله (ص) قال: وإني لا أدري لعلكم أن تقولوا عني بعدي ما لم أقل، ما حدثتم عني مما يوافق القرآن فصدقوا به، وما حدثتم عني مما لا يوافق القرآن فلا تصدقوا به وما لرسول الله (ص) حتى يقول ما لا يوافق القرآن، وبالقرآن هداه الله. قال أبو محمد: وهذا مرسل وفيه: عمرو بن أبي عمرو - وهو ضعيف، وفيه أيضا مجهول.

 ثم قال  قال علي: فإحدى الطائفتين أبطلت الشرائع الى ان قال ونقول للاولى: أول ما نعرض على القرآن الحديث الذي ذكرتموه، فلما عرضناه وجدنا القرآن يخالفه الى ان قال ولو أن امرأ قال: لا نأخذ إلا ما وجدنا في القرآن لكان كافرا بإجماع الامة الى ان قال وإنما ذهب إلى هذا بعض غالية الرافضة . اقول اكثر ما استغربه قوله انه ذكر الحديث قوم لا يتقون الله مع ان الحديث عمل به و بقه وصححه كثير من الاعلام الذين مر ذكرهم فلا ادري هل هو مطلع عليهم ام انه تشنيع مقصود بالمسلمين هو فرع علم الجرح الذي يربي على الجرح بالرواة المسلمين. واما قوله ان العرض يبطل الشرائع فمردود لان العرض موضوعه الحديث الظني و ليس الاحاديث الثابتة فضلا عن السنة القطعية كما ان الخبير يعلم ان الكثير من الاحاديث الظنية المعمول بها لها شواهد و مصدقات.وهذا ايضا جواب قوله ان حديث العرض يخالف القران فقد اجبنا سابقا ان الايات امرة بالاخذ بالسنة وهي بالحديث المعلوم قطعا او تصديقا و ليس بالحديث المظنون بل القران ناه عن الظن ومنها الخبر الظني و لا اعلم كيف يسوغون لانفسهم العمل بخبر ظني و قد بينا مرار انه لا ملازمة لا عرفا و لا شرعا بين صحة الحديث سندا و العلم بحجيته فضلا عن صدوره بل مهما كانت صحة الحديث يبقى ظنا الا ان يحقق العلم بالتصديق و نحوه من قرائن العلم والتي صحة السند ليس منها لا عرفا ولا شرعا. و اما قوله عمن يقول انا لا ناخذ الا ما وجدنا في القران فان العرض لا يستلزم ذلك و ذكر ذلك غريب منه، و اما قوله انما ذهب ذلك بعض غالية الرافضة و فيه عرفت كلمات الاعلام من الجمهور ومن جزم بالحديث ومن صححه و من قواه و من طبقه ومن اسس منه القواعد منهم، كما ان الحديث مشتهر وباسنايد بعضها صحيح عند الشيعة و قال الطوسي انه لا خلاف فيه فهو ثابت عند الشيعة و ليس غلاة الرافضة وربما كان يعنيهم.

 

 

مناقشة (5) قال في المحصول : المسألة الخامسة خبر الواحد إذا تكاملت شروط صحته هل يجب عرضه على الكتاب ؟ قال الشافعي رحمه الله  لا يجب لأنه لا تتكامل شروطه إلا وهو غير مخالف للكتاب وعند عيسى بن أبان يجب عرضه عليه لقوله صلى الله عليه واله إذا روي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله تعالى فإن وافقه فاقبلوه وإلا فردوه. اقول و عيسى بن ابان ممن يصرح بوجوب عرض الحديث على الكتاب قبل عرضه و قد تقدم مثله عن المحقق الحلي. كما ان قول الشافعي بعدم مخالفة الحديث الحجة للكتاب يعني عرضه ولو ارتكازا، فيكون النزاع معه لفظي.

 

مناقشة (6)  قال في اصول البرذوي: ان الكتاب ثابت بيقين فلا يترك بما فيه شبهة ويستوي في ذلك الخاص والعام والنص والظاهر حتى أن العام من الكتاب لا يخص بخبر الواحد عندنا خلافا للشافعي رحمه الله و لا يزاد على الكتاب بخبر الواحد عندنا ولا يترك الظاهر من الكتاب ولا ينسخ بخبر الواحد وإن كان نصا لان المتن أصل والمعنى فرع له والمتن من الكتاب فوق المتن من السنة لثبوته ثبوتا بلا شبهة فيه فوجب الترجيح به قبل المصير إلى المعنى وقد قال النبي صلوات الله عليه تكثر لكم  الأحاديث من بعدي فإذا روى لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله تعالى فما وافق كتاب الله تعالى فاقبلوه وما خالفوه فردوه فلذلك نقول أنه لا يقبل خبر الواحد في نسخ الكتاب. اقول بعد ان عرفت ان الشافعي يشترط في الحديث الحجة عدم المخالفة تعرف معنى خبر الواحد عنده وانه ما لا يخالف الكتاب فضلا عن ان يسنخه. هذا وقد حصل خلط بين هذه المسالة و مسالة العرض كما و جعل رابط بينهما وهو غير صحيح ، حيث ان مسالة التخصيص هي من مباحث مخالفة الخبر للكتاب و مسالة العرض هي من مباحث احجية الخبر والمخالفة من مقدماتها. و لقد بينا ان التخصيص و التقييد ليس مخالفة عرفا فاذا ثبتت السنة بحديث ثابت يفيد العلم فانه يخصص الكتاب و يقيده بلا اشكال وهذا ليس مخالفة، اما خبر الواحد فلا يصلح لتخصيص الكتاب ولا تقييده ليس لانها مخالفة و انما لان ما هكذا حاله ليس حجة و لا يثبت و انما المخالفة هي التعارض المستقر الذي لا يقبل العرف له جمعا مقبولا. و اما النسخ فهو مخالفة عرفية حقيقية لذلك لا يكون الا بالسنة القطعية، و السنة تنسخ الكتاب بلا اشكال لانهما من مصدر واحد ، و اما الحديث الاحاد الظني فقد عرفت انه قاصر عن التخصيص  وهو اقصر عن النسخ بل ممتنع عرفا و عقلا و شرعا. فالخلاصة ان النسخ واقع وحق و الشرع يسنخ الشرع سواء كان  المنسوخ كتابا او سنة و سواء كان الناسخ كتابا او سنة الا ان ما يسنخ هو السنة القطعية لا غير. اما الحديث الظني فلا يصلح لا لنسخ و لا تخصيص و لا غيرهاما من التعديلات البيانية لان الحديث الظني الذي يعدل ( يخصص) هو غير موافق للكتاب فلا يكون حجة و الحديث الظني الذي يبدل ( ينسخ) هو مخالف للكتاب فهو ليس بحجة. قال في كشف الاسرر قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ صلوات الله عليه فَاعْرِضُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ قِيلَ هَذَا الْحَدِيثُ لَا يَكَادُ يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ بِعَيْنِهِ مُخَالِفٌ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَإِنَّ فِي الْكِتَابِ فَرْضِيَّةَ اتِّبَاعِهِ مُطْلَقًا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَرْضِيَّةُ اتِّبَاعِهِ مُقَيَّدًا بِأَنْ لَا يَكُونَ مُخَالِفًا لِمَا يُتْلَى فِي الْكِتَابِ ظَاهِرًا وَلَئِنْ ثَبَتَ فَالْمُرَادُ اخْتِبَارُ الْآحَادِ لَا الْمَسْمُوعِ عَنْهُ بِعَيْنِهِ أَوْ الثَّابِتِ عَنْهُ بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ وَفِي اللَّفْظِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ وَهُوَ . قَوْلُهُ صلوات الله عليه إذَا رُوِيَ لَكُمْ عَنِّي حَدِيثٌ وَلَمْ يَقُلْ : إذَا سَمِعْتُمْ مِنِّي وَنَحْنُ نَقُولُ : إنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ لَا يَثْبُتُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ كَوْنُهُ مَسْمُوعًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه واله قَطْعًا وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ بِهِ عِلْمُ الْيَقِينِ. اقول وهو من جوهر ما تقدم و يرد على كثير من الاشكالات المتقدمة. و اما ما تقدم منا من ان خبر الاحاد الظني لا يخصص الكتاب لاجل عدم حجيته و ليس للمخالفة ، فانه لو ثبتت حجيته جاز التخصيص به وان كان ظنا، لان ظاهر الكتاب من عموم و اطلاق وان كان قطعي الصدور الا انه ظني الدلالة . و من هنا يعلم قوة قول البرذوي و صاحب كشف الاسرار بان الظني ليس حجة اصلا  فلا تصل النوبة الى التعارض، و يتبين ما في قول صاحب حاشية العطار فحيث قال : َإِنْ قِيلَ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَإِنْ كَانَ خَاصًّا ظَنِّيٌّ وَالْكِتَابُ قَطْعِيٌّ وَالظَّنُّ لَا يُعَارِضُ الْقَطْعَ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَامَّ الَّذِي هُوَ الْكِتَابُ مَقْطُوعُ الْمَتْنِ وَالسَّنَدِ لِثُبُوتِهِمَا بِالتَّوَاتُرِ ، لَكِنَّهُ ظَنِّيُّ الدَّلَالَةِ لِاحْتِمَالِ التَّخْصِيصِ ، وَالْخَاصُّ مَقْطُوعُ الدَّلَالَةِ مَظْنُونُ السَّنَدِ فَتَعَادَلَا لِكَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا قَطْعِيًّا مِنْ وَجْهٍ ظَنِّيًّا مِنْ وَجْهٍ فَجَازَ التَّعَارُضُ بَيْنَهُمَا. فانه لا تعارض لان خبر الاحاد ظني ثبوتا فهو ليس حجة اصلا فلا يصلح لمعارض الثابت وان كانت دلالته ظنية لان قيام المعاش و الحياة على الظاهر فلا يعارض الظاهر الظني للدليل معلوم الثابت بدليل ظني غير ثابت وان كانت دلالته نصا.  

مناقشة (7) قال في الموافقات: لا بد في كل حديث من الموافقة لكتاب الله كما صرح به الحديث المذكور فمعناه صحيح صح سنده  أو لا وقد خرج في معنى هذا الحديث الطحاوي في كتابه في بيان مشكل الحديث عن عبد الملك بن سعيد بن سويد الأنصاري عن أبي حميد وأبي أسيد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال  إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم وتلين له أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم قريب فأنا أولاكم به وإذا سمعتم بحديث عني تنكره قلوبكم وتند منه أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكر فأنا أبعدكم منه وروى أيضا عن عبد الملك المذكور عن عباس بن سهل أن أبي بن كعب كان في مجلس فجعلوا يتحدثون عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمرخص والمشدد وأبي بن كعب ساكت فلما فرغوا قال أي هؤلاء ما حديث بلغكم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم يعرفه القلب ويلين له الجلد وترجون عنده فصدقوا بقول رسول الله صلى الله عليه و سلم فإن رسول الله لا يقول إلا الخير .  وبين وجه ذلك الطحاوي بأن الله تعالى قال في كتابه إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم الآية وقال مثانى تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم الآية وقال وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع الآية فأخبر عن أهل الإيمان بما هم عليه عند سماع كلامه وكان ما يحدثون به عن النبي صلى الله عليه و سلم من جنس ذلك لأنه كله من عند الله ففي كونهم عند الحديث على ما يكونون عليه عند سماع القرآن دليل على صدق ذلك الحديث وإن كانوا بخلاف ذلك وجب التوقف لمخالفته ما سواه وما قاله يلزم منه أن يكون الحديث موافقا لا مخالفا في المعنى إذ لو  خالف لما اقشعرت الجلود ولا لانت القلوب لأن الضد لا يلائم الضد ولا يوافقه وخرج الطحاوي أيضا عن أبي هريرة عنه عليه الصلاة و السلام  إذا حدثتم عني حديثا تعرفونه ولا تنكرونه فصدقوا به قلته أو لم أقله فإني أقول ما يعرف ولا ينكر وإذا حدثتم عني حديثا تنكرونه ولا تعرفونه فكذبوا به فإني لا أقول ما ينكر ولا يعرف ووجه ذلك أن المروى إذا وافق كتاب الله وسنة نبيه لوجود معناه في ذلك وجب قبوله لأنه إن لم يثبت أنه قاله بذلك اللفظ فقد قال معناه بغير ذلك من الألفاظ إذ يصح تفسير كلامه عليه الصلاة و السلام للأعجمي بكلامه وإذا كان الحديث مخالفا يكذبه القرآن والسنة وجب أن يدفع ويعلم أنه لم يقله وهذا مثل ما تقدم أيضا والحاصل من الجميع صحة اعتبار الحديث بموافقة القرآن وعدم مخالفته وهو المطلوب على فرض صحة هذه المنقولات وأما إن لم تصح فلا علينا إذ المعنى المقصود صحيح . اقول ان حكمه بصحة معنى الحديث و مقصوده تام و موافق لنا و مؤيد ، و ان الاحاديث المذكورة هي فعلا مؤيدات لمعنى الحديث و مضمونه و مقصوده الذي بنينا عليه وهذا تام ايضا منه و من الطحاوي، و ايضا كون هذه الاحاديث اي احاديث الاطمئنان و المعرفة للحديث و احاديث العرض تنطلق من نقطة واحدة فهذا تام و ذكرناه في كتابنا المحكم في الدليل الشرعي الا ان الوجه ليس ما ذكره الطحاوية و انما الوجه ان المراد من هذه الاحاديث فعلا هو العرض على القران و السنة ، و ليس بالضرورة العرض على منطوق او اية او رواية ثابتة  كما فعل الاوائل ، بل يكفي العرض على ما هو مرتكز من معرفة حقة ، فالاستنكار لحديث من قبل المؤمن هو لانه خالف ما يعرف من الحق من القران و السنة و هو يطمئن و يلين لما يوافق ما يعرف من الحق منهما، و ليس للرأي او الوجداني الصرف المجاني دور فان هذا من الرأي و من التأويل الذي لا مساعد عليه، بل الحق ان هذه الاحاديث يراد بها ان الحديث الذي تعرفونه من القران و السنة و تطمئنون له لانه يوافق ما تعرفون منهما فخذوا به و الا فلا تاخذوا به، وهذا صريح صاحب الكشف قال في قال في كشف الأسرار :  وَقَدْ تَأَيَّدَ هَذَا الْحَدِيثُ بِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلوات الله عليه قَالَ { مَا حُدِّثْتُمْ عَنِّي مِمَّا تَعْرِفُونَ فَصَدِّقُوا بِهِ وَمَا حُدِّثْتُمْ عَنِّي مِمَّا تُنْكِرُونَ فَلَا تُصَدِّقُوا فَإِنِّي لَا أَقُولُ الْمُنْكَرَ } وَإِنَّمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ بِالْعَرْضِ. اقول و قد جاءت اثار  عنه صلى الله عليه و اله  بهذا التفسير ذكرناها في كتبنا المذكور منها ما عن معاني الاخبار : قال رسول الله صلى الله عليه واله ما جاءكم عني من حديث موافق للحق فأنا قلته وما أتاكم عني من حديث لا يوافق الحق فلم أقله، ولن أقول إلا الحق. و منها ما عن بصائر الدرجات  : قال رسول الله صلى الله عليه واله: ما ورد عليكم من حديث آل محمد صلوات الله عليهم فلانت له قلوبكم وعرفتموه فاقبلوه وما اشمأزت قلوبكم وأنكرتموه فردوه إلى الله وإلى الرسول وإلى العالم من آل محمد عليهم السلام. فهذا يفسر بالحق الذي ذكر قبله و الحق يفسر بالقران و السنة الذي ذكر مستفيضا في غيرهما.

     

المناقشة (8):    قد يقال ان تبين حال الراوي مصدق بقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) اقول  الاستدلال بالاية على رد خبر الراوي الضعيف اصطلاحا او قبول خبر الثقة اصطلاحا فيه امور:

الاول : ان الفاسق في القران هو المنافق و الكافر و ليس مصدقا بل ولا ظاهرا ارادة غير العدل فلا يكون له مفهوم في العدل بل مفهومه في المؤمن. و القران وصف المؤمنين باعلى صفات الوثاقة و العلم و العقل فكيف نخرجهم الى غير ذلك؟ بل المؤمن هو المقصود بالثقة و الصادق في القران و السنة فكيف نزيل عنه تلك الصفة؟

الثاني:   ان هناك سنة محكمة بوجوب تصديق المؤمن قال تعالى (يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ) وفي الصحيح عنهم عليهم السلام  وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ  اي يصدقهم ، و على وجوب تصديق المؤمن و عدم جواز رد خبر و حسن الظن به  نقل مستفيض. وان وعدم جواز تتبع عورات المسلمين  و لا فضحهم و لا ذكر سياتهم ترد منهج الجرح بالرواة المسلمين الذي هو اساس منهج السندي و لا اعرف كيف يجيبون عن تلك المخالفات.

الثالث: ان التبين ليس الرد و اسقاط الحجية و انما البحث عن قرينة و ثبت ان الشرع قرر فرينة عقلائية تؤمن و تخرج الحديث من الظن الا وهو العرض على القران و السنة . وهو موافق لمنهج العقلاء و العرف في التبين، فكما ان هناك قرائن وضعية و عرفية و عقلائية معروفة للتبين في الاخبار المتعلقة بنظام له دستور و قانون و معارف ثابتة و من الواضح ان من ادوات التبين فيه هو مدى موافقة النقل لمبادئ و قوانين ذلك الدستور وهو حاصل في الشرع ، فانه نظام قانوني دستوري واضح المعارف و المبادئ فكل ما يصلنا من نقل بخصوصه علينا ان نرده الى تلك المعارف الثابتة.

الرابع: ان الامر بتبين الخبر وليس حال المخبر، فيكون مرتكزا على علم واحراز بالفسق وليس البحث وتبين كونه فاسقا لان الاصل الصدق والسلامة والايمان وعدم الفسق في كل مسلم.


 

مناقشة (9) : قد يحتج بما ورد من لفظ ( الثقة ) او ( ثقتي )  وفيه انه يراد به الثقة في ايمانه و دينه و ليس في نقل الخبر،وهذا ما يتعين الحمل عليه ايضا لان خلافه مخالف للثابت من القران و السنة بالعرض عليهما فلقد اعطى القران المؤمن كل صفات الوثاقة و العلم و انهم اهل العقل.

 

مناقشة (10)    قيل ان سلوك العقلاء في تمييز حال الراوي و فيه منع و المنع اوضح في ما له دستور يرد اليه حيث ان ما لها مدخلية في تقييم الخبر عند العقلاء في الانظمة القانونية الدستورية واضحة المعالم هو مدى مقبولية مضمونه وموافقته للمعارف الثباتة و الشرع نظام واضح المعالم فيه معارف ثابتة قطعية لا يصح مخالفتها و يرد اليها و يكون المخالف لها غير معمول به. فمنهج العرض هو الموافق لسيرة العقلاء في الانظمة الدستورية كالشرع. فانا نرى العقلاء يطمئنون الى ما يتوافق و يتناسق مع المعارف المحورية وله شاهد و ان ضعف الناقل و يستنكرون ما يخرج عنها ويشذ و ان قوي النقل. بل هل تعريف الشاذ عند العقلاء الا ما خالف المعروف بغض النضر عنه كونه ثقة او غير ثقة.