عرض الحديث (7)

 

 

الموضع الرابع: اقسام الحديث والمعرفة

الحديث الظني والعلمي

لقد اكدت الشريعة ووفق سيرة العقلاء انه لا ينبغي العمل بالظن. وان العرض وظيفته اخراج الرواية من الظن الى العلم. لذلك فكل فائدة العرض هو معرفة الحديث المفيد للعلم مما لا يفيده والاول هو ما وافق القران بشاهد منه و الثاني هو ما خالفه بعدم الشاهد. ولا ريب ان العلم والاطمئنان محتاج الى الشواهد والمصدقات، وما واقعية الواقع الا بسبب التناسق والاتساق بوجود الشواهد والمصدقات للاحداث، والا حكمنا على الحدث الذي ليس له شاهد بالغرابة والشذوذ.

ان العقلاء لا يطمئنون لمطلق عدم المخالفة بل الاطمئنان يحصل بالشواهد  قد جاءت اخبار شارحة بان العمل بما له شاهد وما هو واضح و ما هو بين وما عليه حقيقة ونور لا غيره. فتبين ان الحديث عند عرضه على القران والسنة فهو اما له شاهد منهما وعليه حقيقة ونور فيطمأن اليه ويقبل و يعتمد او انه ليس كذلك فلا يطمأن له ولا يقبل و لا يعتمد.  ومع ان هذه المعرفة يصدقها الوجدان والفطرة الا ان جميع تلك المفاهيم و الاحكام جاءت بها النصوص الشرعية الموجبة للعلم والاطمئنان و المصدقة بالقران و السنة. و النوع الاول من الحديث اي الذي له شاهد هو المصدق وهو المتصل معرفيا وله اصل وهو المحكم وهو السنة ويفيد العلم والعمل و يتعين العمل به، و اما غيره فهو الظن وهو غير مصدق وهو المنقطع معرفيا وليس له اصل فلا يفيد العلم و العمل.  

لقد بينا فيما سبق ان العرض اخراج للحديث من الظن الى العلم و الحديث الاحادي ظن سواء كان صحيح السند او ضعيفه، و ادلة العرض اثبتت الاطلاق اي ان كل ما وافق القران بشواهد له يعمل به و كل ما خالف القران لا يعلم به.  ومن هنا فالحديث الصحيح سندا قد يكون موافقا للقران والسنة او مخالفا ، و كذلك الخبر الضعيف سندا قد يكون موافقا او مخالفا.  والخبر الموافق يتعين العمل به مطلقا وان كان ضعيف السند و المخالف لا يعمل به مطلقا وان كان صحيح السند. وعرفت ان الموافقة هي وجود شواهد ومصدقات و اتصال معرفي وان يكون عليه حقيقة ونور ليخرج من الظن الى العلم ويكون في النفس نحو اطمئنان ليكون علما عرفا وله واقعية. والمخالفة هي عدم الشاهد فلا اصل له وهو منقطع و هو ظن وليس عليه حقيقة او نور. و قد شرحنا ذلك سابقا.

تعريف الحديث الصحيح

والمطلب العقلائي هو صحة النقل اي العلم بصحة الحديث وليس صحة السند، فصحة السند اعم منه كما هو ظاهر. كما ان الحديث الصحيح في الاصطلاح هو ليس الحديث المعلوم الصحة، فالحديث الصحيح اصطلاحا لا يكون حديثا صحيحا حقيقة الا بشرط خروجه من الظن الى العلم والخروج من الانقطاع المعرفي الى الاتصال المعرفي و ذلك بالمصدقية و الشواهد، والحديث الصحيح حقا لا يكون حديثا معصوما الا بالعلم بعصمة النقل. هذا وان الحديث الصحيح حقا اعم من الحديث الصحيح اصطلاحا فمنه الحديث المعصوم اي الذي ينقله المعصوم من دون سند، و كذلك الحديث الضعيف المعلوم اي المصدق. فالعلاقة بين الحديث الصحيح حقا ( المصدق) و الحديث الصحيح اصطلاحا (السندي) عموم من وجه، و لاجل ذلك فانا اشرت الى الحديث الصحيح حقا بالحديث المصدق، و لحديث الصحيح اصطلاحا يالحديث الصحيح سندا.  وكما ان هناك حديثا صحيحا سندا فهناك حديث صحيح معرفيا وهو الموافق المصدق وكما ان هناك حديثا ضعيفا سندا فهناك حديث ضعيف معرفا وهو المخالف للمصدق. وكما ان هناك اتصالا سنديا فان هناك اتصالا معرفيا وهو وجود الشاهد والمصدق والاصل.  وكما ان هناك انقطاعا سنديا هناك انقطاع معرفي وهو عدم الشاهد وعدم المصدق وعدم الاصل له في المعارف المعلومة الثابتة.

فالحديث الصحيح حقا هو الحديث الذي له شاهد ومصدق من المعارف القرآنية والسنية المعلومة وان كان ضعيف السند. والحديث الضعيف حقا هو الحديث الذي ليس له شاهد او مصدق من المعارف القرآنية والسنية الثابتة وان كان صحيح السند.

المعارف القطعية والظنية

المعارف –كما هو واضح وجدانا وعرفا- منها ما هو علم ومن العلمي منها ما هو راسخ قطعي هو محور المعرفة واليها يرد غيرها، ومنها ليس له رسوخ ان كان له اتصال معرفي بالراسخ القطعي وهو علم ايضا، وغير ذلك ما ليس له اتصال معرفي بالقطعي والراسخ فهو ظن، ومن هذا النوع الظني ما يخالف القطعي ويعارضه وهذا ما يعلم انه باطل. ومن هنا فالمعارف اربعة اقسام:

الاول: علم قطعي ثابت بنفسه. فهو محور المعرفة واليها يرد غيره.

الثاني: علم مصدق يثبت بشواهد ومصدقات من القطعي فهو حجة.

الثالث: ظن ليس له شاهد ولا يخالف القطعي فهو ليس يحجة.

الرابع: ظن مخالف للقطعي فهو باطل كذب.

العلم كله بقسميه حجة في الشريعة والظن كله بقسميه ليس حجة في الشريعة.