عرض الحديث (47)
الفقه من الاصطلاح الى
الوجدان
لا بد اولا من القول ان
علم الفقه هو علم اختصاصي له مصطلحاته الخاصة و له بناؤه اللغوي الخاص.
ولا بد من الاعتراف ان
علم الفقه بمصطلحاته ليس الدين لان الدين هو معارف القران و السنة وهي ليست
اختصاصية و ليس فيها شيء اصطلاحي. و في الحقيقة الحاجة الى المصطلح في فقه الدين
امر غير واضح وادى الى امور اضافة الى المدرسية و التمذهب و الطوائفية فانه ادى
الى نوع من العزل بين معارف الدين و معارف الفقه، و انتقل الفقه من عمل بالدليل
الى عمل بالمصطلح لذلك ما عاد الفقهاء يجوزون لغير الفقيه او المجتهد الكلام في
ادلة الفقه وهذا منطقي من حيث النتيجة لكنه غير منطقي من حيث حقيقة الفقه. فحينما
وضع الفقهاء الاصطلاح في الفقه صار خاصا ونخبويا و اختصاصيا فيكون من المنطقي ان
يعزل من ليس ممتلكا للمصطلح عن ساحة النقاش، بينما الفقه حقيقة هو فهم الدليل او
النص وهذا امر وجداني عرفي عقلائية عام ليس اختصاصيا و لا اصطلاحيا و ليس خاص
بمجموعة او نخبة.
ليس وظيفة علم الفقه
صناعة عالم من المصطلح و انما وظيفة الفقهاء تقريب الادلة و المعارف الى الناس، اي
بعبارة اخرى وظيفة الفقهاء هو تخليص الشريعة من المصطلحات و الغاء اي مصطلح بل و
تذليل كل عقبة امام اي درجة من قوة الفهم و جعل معارف الدين الدليلة و المدلولية
معارف عرفية عادية عامة بسيطة . فوظيفة الفقهاء المفترضة توسيع دائرة الفهم للنص
بحيث بمساعدتهم و بتدخلهم يكون اكبر قدر من الناس قادرين على فهم النص لكن حصل هو
ان الفقهاء ضيقوا دائرة الفهم وقللوا عد الذين يمكنهم فهم النص فصار مختصا بجماعة
قليلة جدا و على الاخرين ان يرجعوا اليهم في معارف الدين وهذا غريب جدا.
لا بد من ارجاع معارف
الدين كلها دليليها و مدلوليها الى ساحة الوجدان و عرف العقلاء في التناول و
الافادة و الاستفادة و تخليص عالم فقه الشريعة من اي مصطلح مهما كان بل الاعتماد
كله على الوجدان التخاطبي و الاسس اللغوية التي يجيدها كل متكلم و مخاطب صغيرا كان
ام كبيرا متعلما ام غير متعلم عالما كان ام جاهلا.
ان ما حصل هو اقحام
المصطلح في فهم النص الشرعي وهذا لا اساس له، فصار على الانسان العادي الذي منع
بالمصطلح من الوصول الى الدليل ان يصل الى معارف الدين عن طريق واسطة اخرى تترشح
عن حاجز المصطلح هي قول الفقيه ومن دونها لا يمكنه ان يصل الى معارف الدين
باطمئنان وهذا كله غير صحيح و لا اساس ويجب ان ينتهي و يختفي بان يكون الدليل
متوفرا و مستطاعا لكل انسان ويكون دور الفقيه تقريب الدليل الى الاخرين و تمكينهم
منه فيعرفون الدين بالدليل الذي قربه الفقيه في المواطن التي تحتاج الى تقريب مع
ان غالبها لا تحتاج ان كانت المباني غير اصطلاحية.
الخطاب الشرعي وجه الى
كافة الناس مؤمنهم وكافرهم فهو ليس حكرا على المؤمن فضلا عن العالم. والعلم
بالمعارف الشرعية يكون بالطريقة العرفية العادية التي ليس فيها أي تخصيص او تقييد
خلاف الوجدان والفطرة وهذه هي الطريقة المستقيمة لتحصيل المعرفة. لذلك فكل من
يطمئن في نفسه انه متمكن من الوصول الى المعارف الشرعية بطريقة مستقيمة وجدانا
وعرفا فان ما يتوصل اليه هو معارف حقة ولا يحتاج الى شهادة شاهد او سماح سامح. ومن
يتمكن من اثبات معرفة شرعية اصلية (نصية) او فرعية (دلالية) بطريقة عقلائية عرفية
وجدانية مستقيمة فهو مثبت لها وما قام به اثبات وهو ليس مدع وليس عمله ادعاء، انما
المدعي من يتعمد الكذب او ان يثبت بطريقة غير مستقيمة. ويعرف الانسان انه على
طريقة مستقيمة من التحصيل بانه يتبع الطريقة العقلائية العرفية في تحصيل المعرفة
العلمية وليس الظنية من مجموعة معلومات ومعطيات، فاذا وجد في نفسه انه استوفى
الشرط العرفي العقلاني والوجداني في تحصيل المعلومات والمعطيات الكافية فانه يكون
مثبتا ومحقا وصادقا الا انه ينبغي ان تكون معارفه علما وليس ظنا وبالطريقة
المستقيمة وليس العوجاء.
اذن فالإثبات وظيفة كل
انسان مؤمنا او غير مؤمن؛ عالما كان او غير عالم. وهو مثبت ومحق ان حقق المتطلبات
العرفية والوجدانية والعقلائية لتحصيل المعارف العلمية من الادلة. ولا ريب ان
الاثبات متفاوت بين الناس كما ان الاثبات في مختلف المسائل ايضا متفاوت بالنسبة
للشخص نفسه. كما ان الادعاء احيانا مع علم أي متعمدا وأحيانا بجهل أي غير متعمد
وهو أكثر وهذا باطل وان كانت النية حسنة. الا ان صفة (المثبت) و (المدعي) لا تكون
مطلقة ولقبا للشخص، انما هناك مثبت لمسالة معينة ومدع لمسالة معينة، والشخص نفسه
ربما يكون مثبتا في معرفة ومدعيا في معرفة اخرى. وكثرة اثبات الشخص للمسائل لا
يعطيه لقب المثبت وكثرة ادعاء الشخص للمسائل لا يعطيه لقب المدعي.
الوحيد الذي هو مثبت
مطلق في كل مسالة وفي كل حالة وقول هو الولي من نبي او وصي صلوات الله عليهما واما
غيرهما فمهما بلغ من قوة اثباته وصحتها وثبوتها الا انه لا يوصف بالمثبت المطلق.
انما هو مثبت نسبي.