عرض الحديث (13)

 أطراف عملية العرض 

في الحقيقة عملية العرض هي عملية عقلائية بسيطة و تجري وفق التمييز و المدركات و الاستعدادات البشرية لدى كل انسان ،بل ان العرض من المرتكزات الفطرية في كل نفس الا انه كاداة لتمييز المعارف و منها تمييز الحديث - اي ما يصح ان يتعبد به مما لا يصح التعبد به -  يحتاج الى تذكير وشرح ليس الا. ولاجل ان هذا المنهج مهجور الان تقريبا وغير مؤكد عليه فانا هنا اشرح اطراف و جوانب هذه العملية لا اكثر . وهنا مواضع للكلام:

الموضع الاول : المعروض و المعروض عليه

المعروض في عملية العرض هو كل ما ينسب الى الشريعة من معرفة ليس مقطوعا بها ولا اطمئنان متحقق بحقها؛ وهذا اوسع من النقل و اهمه طبعا الحديث الشريف و تفسير الايات. فالعرض مختص بالظني من النقل ولا فرق بين صحيح السند وضعيفه. ومن المهم التأكيد ان العرض ليس لحديث معلوم ناهض بنفسه للعلمية وثابت ومحقق للاطمئنان فان مثل هذا لا يحتاج الى عرض لان العرض هو لتحقيق الاطمئنان وهو متحقق. ولان عدم التناقض والاختلاف هو من شؤون المعارف الشرعية خاصة فان العرض مختص بما يروى عن النبي صلى الله عليه واله و ما ينسب الى شرعه. ولاجل اطلاقات احاديث العرض و سهولة الشريعة ومعذرية الجهل فان للعامل العمل بما يثتب موافقته للقران والسنة حتى يتبين له وجود مخصص او مقيد. واما بخصوص المعارض المحتمل لما ثبت موافقته فهو اثنان لا ثالث لهما اما انه مخالف للقران والسنة وهذا لا يعمل به وان انفرد، واما انه موافق ايضا لهما فهنا المورد للتخيير. من هنا  فما يجهله المكلف لسبب من الاسباب هو اما مخالف للقران لا يقبل او انه موافق له وهذا اما معارض فيتخير بينه و بين ما عنده، او ان فيه تخصيصا او تقيدا وهذا يكون المكلف معذورا بجهله، ومن هنا فان ما عرفه المكلف بالعرض و ثبت عنده يعمل به على كل حال. هذا وان الحث الكبير و الايجاب المؤكد للشريعة على التعلم تجعل من هذه الفروض قليلة مع ضرورة الالتفات الى اهمية اعداد جوامع حديثية مختصرة كافية شافية مقتصرة على المتون من دون تطويل بالاسنايد او الشروح، لاجل تيسير الرجوع اليها، فان تيسير اطلاع الناس على الحديث مهم جدا ووهناك خطوات مباركة من هذا النوع تحقق الكفاية للمطلع والمتعلم و لقد وفقني الله تعالى الى جمع ثمانية الاف حديث بالمتون فقط من امهات الكتاب و مهات المسائل هو كاف شاف للمتعلم في كتابي ( السنة القائمة) ، واسال الله التوفيق ان اجمع جميع متون الاحاديث التي راواها المسلمون في كتاب واحد من دون اسنايد او شروح او تكرار.

و اما المعروض عليه فهو المعارف الثابتة المعلومة المتفق عليها من القران والسنة التي لايختلف عليها اثنان،و ما يكون عنها و يتصل بها من معارف. لذلك فالعرض ليس على منطوق اية او تفسير او حديث ثابت ولا على دلالته الخاصة، بل هو على الاستفادة والمعرفة المعلومة الثابتة المتفق عليها من ايات او روايات ثابتة. وبينت ان هذا كله يجري وفق طريقة العقلاء في جميع الاستفادات و لافادات و التحليلات و التوصلات من دون اي تخصيص. لذلك فهي طريقة نوعية بشرية عقلائية واحكامها متشابهة لدى كل ملتفت للمتطلبات الاساسية للعرض، بمعنى انه اذا اجرى عارض معين عرضا وفق هذه الطريقة فان احكامها ستكون متطابقة مع غيره من ابناء جنسه، وهذا اضافة الى انه يؤدي الى بيان عناصر الوحدة فانه بتوافق المعارف وتناسقها فانه يؤدي الى عدم الاختلاف لا في المعارف ذاتها ولا عند اصحابها بل ولا عند المشتركين معه في المعرفة. كما انها شكل من الاعتصام الواضح بالعلم والحق. ان لعرض الحديث على القران والسنة و الاخذ بما وافقهما و ترك ما خالفهما وفهم وجوب الاتصال بين المعارف يحقق فوائد كثيرة اهمها: انه يمثل امتثالا لاوامر الرد الى الله والرسول و لاوامر الاعتصام بحبل الله تعالى، وانه من السبل القوية نحو الجماعة وعدم الفرقة و انه يمثل سبيلا طبيعيا فطريا للوصول الى الحقائق الشرعية و عرفة الحق بعلم ويقين و انه يتجاوز الحواجز الفئوية لعدم اهتمامه بالمذهبيات المدرسية ولا بالسند واحوال الرواة.

ان العرض على المعارف المعروفة امر متيسر لكل احد عارف بالمعارف الاساسية للدين. فان الاسس التي قام عليها الاسلام ضرورية لكل مسلم كالتوحيد ونحوه وان معرفة هذا القدر ممكن للعرض مع ان غالبية المسلمين ان لم يكن جلهم على معرفة بقدر اكبر من تلك المعارف.

الموضع الثاني: العارض

 العرض يكون وفق الطريقة العقلائية البسيطة بمدارك العقل  الواضحة الصريحة والعملية الحياتي التي ندير به شؤون حياتنا من دون اصطلاح ولا تخصيص. ولخصوص عرض النصوص اي الكيانات اللغوية فان العرض يكون بالبحث عن شواهد لها في ما يرد اليه النص. و كما انه لا يصح بالفطرة و بسيرة العقلاء التسليم والاقرار الا بما وفق النظام وتناسق معه فانه لا يصح التسليم لحديث ظني الا بعد الاطمئنان له واحراز موافقته للمعارف الثابتة ولو ارتكازا فلا يشترط الالتفات وابراز عملية العرض بل يكفي فيها الارتكاز وخصوصا في الواضح موافقته.

ومن هنا يتبين ان العارض هو كل مكلف عرف من الدين اصوله وثوابته و ادرك النص المعروف بمعناه اللغوي عند اهل اللغة، فلا يختص بالعلماء والفقهاء فضلا عن المجتهدين بل هو وظيفة  كل مكلف وجائز لكل من التفت وادرك جوانب العرض. ولاجل ان عملية العرض هي عقلائية ارتكازية والمعروض عليه هي ثوابت الشريعة المعروفة والمتفق عليها المعروفة و المعروض هو الاحاديث المنقولة فان الاستطاعة متحققة في كل مكلف ولا عسر و لاحرج فيها، ولاوامر التدبر والتفكر والعلم فان العرض واستفادة المعرفة مباشرة من النصوص واجب عيني على كل مكلف. وحتما ان سعة الاطلاع تقوي القدرة على العرض وتسرعه و تزيد من الثقة بالنفس واليقين بالموافقة والمخالفة، الا ان العرض ممكن ومتيسر بالحد الادنى من المعارف. وان اوامر التعلم تحث على الاطلاع على الاحاديث الظنية وعرضها لتمييز العلمي الموجب للاطمئنان من غيره.

 

الموضع الثالث : الشواهد و المصدقات

من الواضح ومن خلال ما تقدم من نصوص ان الشاهد والمصدق الذي يصدق النقل  الظني بالمعارفة الثابتة هو الشاهد العقلائي العرفي المعتمد على المرتكزات الادراكية العرفية. فهو كل شاهد يراه العرف والعقلاء و تميزه الفطرة بالبداهة من دون تكلف او تعمق او تعقيد. ولان العملية مهجورة في عصرنا و العرض هو لاقوال منقولة على منظومة معارف مستفادة من النقل بالنسبة لنا كان من المفيد شرح الشاهد الذي يجعل الحديث الظني مصدقا ويدخله خانة العلم. طبعا ان اوامر العرض وبيان الشواهد انما هو مصداق لمنهج عقلائي اطمئناني هو الاطمئنان بالقرائن، ولاجل ان الكثير من القرائن التي توضع للاطمئنان بالنقل تتعرض للخلل او للتعقيد او للتخصصية المانعة من تحصيل الاطمئنان من قبل المكلف العادي فان الشاهد المعرفي هو المتيسر لدوما كل مكلف و مميز.

ان الشاهد المصحح للحديث هو كل معرفة ثابتة تصدق العلاقة والقضية في المعروض، فليس بالضرورة ان يكون الشاهد بشكل العام او المطلق للمعروض، بل يكفي اي قدر من المشاكلة والمشابهة، بحيث انه اذا اريد تمييز الاشياء رد اليها باي واسطة تجوز الرد. فالشاهد هو شكل علاقة واسع وشكل اشتراك واسع، و كل ما يصح ان يكون مشتركا و علاقة بين معرفتين فهو شاهد.

ان وظيفة الشاهد هو اخراج المعرفة من الظن الى العلم اي من مطلق الجواز الى الجواز الاطمئناني . فالمعرفة الجائزة في الحديث لا تصحح ولا تقبل الا ان يكون لها شاهد يحقق الاطمئنان لجوازها، بمعنى انه ليس كل جائز هو مفبول بل لا بد ان يكون هناك شاهد يبعث على الاطمئنان لها. والشاهد هو كل ما يبعث على الاطمئنان من القرائن المعرفية. و لا بد في الشاهد ان يكون واضحا وبسيطا و متيسرا لكل ملتفت وهذا هو شرط نوعية الشاهد، فلا عبرة بالشاهد المعقد وغير المتيسر للعرف مهما كانت مبانيه و تبريراته و حججه، بل لا بد في الشاهد ان يكون واضحا ومقبولا لكل احد، فلو ان كل ملتفت التفت اليه لاقر به. ومن هنا يمكن بيان الشاهد العقلائي في العرض بانه يتصف بثلاث صفات الاول ان يكون معرفيا ثابتا مستفادا من المعارف الثابتة من القران والسنة والثاني ان يكون اطمئنانيا اي انه يبعث على الاطمئنان بالمشهود له باي شكل من التصديق و التطمين وثالثا ان يكون نوعيا اي انه واضخ ومتيسر  مقبول لكل من بلتفت اليه. و اخيرا اؤكد ان العرض كله عملية عقلائية بل وفطرية ارتكازية من رد  شيء الى شيء و تبين درجة التناسب و الوئام و التشابه بينهما.

مما تقدم يعلم ان الموافقة والمخالفة هي على مستوى الواضح من المعرفة  اي بين افادات ودلالات نوعية متفق عليها من دون تأويل او اجتهاد او ميل او تكلف. وان الموافقة تكون بكل شكل من اشكال العلاقة والتداخل الدلالي و المعرفي الذي يشهد للاخر و يصدقه عرفا و يحقق اطمئنان.

ان الموافقة عامة لاي معرفة مهما كانت درجة علميتها سواء كانت علمية او ظنية في المعروض او المعروض عليه. و اما المخالفة فالامر مختلف فان معنى المخالفة للمعرفة المعلومة في العلميات ( المعلوم)  تختلف عنها في الظنيات ( المطنون). اذ ان للعلم ان يحكم على العلم و ليس للظن ذلك وهذا هو الفرق، فالمخالفة في العلمي تعني خصوص التعارض المستقر الذي لا يقبل التأويل  وليس منه انظمة الحكومة اي التخصيص و التقييد و النسخ، و ان و المخالفة التعارضية  ممنوعة في الشريعة بين العلميات. و اما المخالفة للعلمي من قبل الظني فهي كل مخالفة للظاهر باي شكل حتى التخصيص والتقييد . هذه النقطة ربما سببت ارباكا  عند البعض في معنى المخالفة، و ربما حتى في معنى الموافقة. ولاجل مزيد بيان نؤكد ان الموافقة تجري في جميع اشكال المعرفة من ظنيات او علميات سواء كان المعروض عليه علما – كالكتاب و السنة- او ظنا – كخبر الواحد-  وسواء كان المعروض علما او ظنا، و تتحق الموافق بكل ما يصح ان يكون شاهدا ومصدقا عرفيا عقلائيا. و اما المخالفة للعلمي اي اذا كان المعروض عليه علميا – كالكتاب و السنة- فانها تعني التعارض التام اذا كان المعروض علما، و كذا الحال اذا كان المعروض عليه ظنا والمعروض علما لاجل حكومة العلم على العلم والعلم على الظن. و اما اذا كان المعروض عليه علما –  كالكتاب و السنة- و المعروض ظنا- كخبر الاحاد- فان المخالفة تعني كل اشكال مخالفة الظاهر حتى التخصيص والتقييد وهذا القسم الاخير هو الذي نجريه على الاحاديث الظنية اي اخبار الاحاد.

والنسخ من الحكومة الجائزة بالشرع لثبوته بنسخ العلم للعلم فلا يتخلف من صنف لاخر. كما ان حكومة العلمي على العلمي لا يعني اختلافا بل يعني ان المحكوم عليه في الاصل – ان لم يكن نسخا- مراد منه ما تؤدي اليه الحكومة، مثلا اذا جاءت معرفة علمية – كتاب او سنة- مطلقة او عامة و جاءت معرفة علمية اخرى – كتاب او سنة- مقيدة او مخصصة فان ذلك يعني ان المراد الاصلي في المطلق والعام هو المقيد والخاص ولاجل هذه الحقيقة فان ابطال الرأي و القياس في الشريعة ليس ثابتا شرعيا بل مطلبا عقلائيا ايضا.

 وهنا ايضا يحسن الاشارة الى ان ظاهر الاية المحكمة والسنة الثابتة هو علم، فاذا جاء علم اخر – من كتاب او سنة – فخصص او قيد وبين ان المعنى الظاهري ليس مرادا فهذا لا يعني ان دلالتها الظاهرية ظن، و لا يحولها ذلك الى ظن، بل هي علم وتبقى علما الا ان العلم الحاكم من مخصص او مقيد او ناسخ يكشف عن ان هذا الظاهر المعلوم ليس مرادا. فظاهر الالفاظ ليس ظنا كما يشاع بل هو علم لانه مصدق بارادة و قواعد التخاطب والافهام و التفهيم، وانما التأويل والاحتمال هو الظن. الظاهر محقق لقدر من الاطمئنان يفوق كثيرا من الاطمئنانات التي تعامل كالعلم، فهو علم والعلم عند العقلاء ليس فقط القطع بل هو مطلق الاطمئنان الذي يبنى عليه وهذا من الواضحات ولا علاقة للدقيات العقلية في هذا الشأن العرفي العقلائي. ان اقحام الابحاث الدقية و الفلسفية في نظام التخاط والفهم و التفهيم اضر كثيرا في حقيقته وفي مصداقية نتائجه وحرفه عن فطريته وعقلائيته. ان الحكومة الدلالية جائزة كما ان الحكومة الدليلية جائزة، فكما ان دليل معلوم يحكم على دليل معلوم فان دلالة ظاهرية معلومة تحكم على دلالة ظاهرية معلومة، ولا تكون بذلك الدلالة المحكومة عليها ظن ولا تصبح ظنا ولا يكشف ذلك على انها ظن.

ولا بد من التذكير ان السنة لا تخالف القران ، بمعنى ان السنة المعلومة لا تعارض القران تعارضا تاما مستقرا بل المتتبع يعلم ان لها دوما شاهدا من القران، والاحاديث الثابتة بنفسها – اي العلمية- من دون الحاجة الى عرض هي دوما لها شاهد من القران ومن السنة القطعية، فالمصدقية و الشواهدية اولية واساسية بل وذاتية للمعارف الشرعية بكل اشكالها و مستواياتها، كيف والقران نفسه يصدق بعضه بعض بالنص. ولو اننا عملنا تسلسلا اتصاليا معرفا و تفرعيا لتبين ان المعارف الشرعية من قرانية و سنية متصلة بقوة بالشواهد من دون انفصال، وهذا ما نسميه الاتصال المعرفي، والشاهد و المصدق في العرض هو من الاتصال المعرفي.  و درجة الشهادة هذه تتباين الا انه دوما هناك شاهد ولو كان فيه بعد او واسطة او مركبا او كان بالارتكاز بل ان الكثير من الشواهد هي ارتكازية لثبوتها و قوتها و ظهورها و يجري احرازها بعملية رد سريعة قد لا تدرك كعمل عقلي اذ ليس بالضرورة اننا ندرك عملية الرد والعرض بل يكفي اننا حققنا ادراك الشاهد. و يمكننا القول ان المعارف الشرعية ووفق اعتبار الشواهد والاتصال المعرفي هي كالشجرة التي لها جذع واغصان و اوراق فكلها متواصل و مترابطة، و الرابط لها هو الشواهد وهي الحقيقة و النور الدال على ان تلك المعرفة حق. وكلما كان الاصل اكبر كان اقرب الى المركز و كلما كان الاصل اصغر كان ابعد و كان اقرب الى اطرافها الا انها كلها متصلة واصل الاصول كلها هو التوحيد. و كلما كان الشاهد اوضح و اقوى كان الاتصال اقوى، فلدينا اتصال معرفي في قبال الاتصال السندي، وهذا الاتصال المعرفي في الشرع له درجات في القوة و الوضوح و له منازل في القرب و البعد عن الاصول الكبرى و الاصول المركزي. ان هذا الفهم يفتح بابا كبيرا في علم في الشرع يمكن ان نسميه علم ( الاتصال المعرفي)، ترتب في المعارف بحسب اصليتها و فرعيتها فالاصل الاكبر – اي التوحيد – اولا ثم الاصول الاكبر فالاكبر حتى نصل الى الفروع و فروع الفروع في الاطراف في شجرة الاتصال المعرفي في الشرع.

الموضع الرابع: اقسام الحديث حسب منهج العرض

لقد اكدت الشريعة ووفق سيرة العقلاء انه لا ينبغي العمل بالظن، وان العرض وظيفته اخراج الرواية من الظن الى العلم. لذلك فكل فائدة العرض هو معرفة الحديث المفيد للعلم مما لا يفيده والاول هو ما وافق القران والثاني هو ما خالفه. ولا ريب ان العلم والاطمئنان محتاج الى الشواهد والعقلاء لا يطمئنون لمطلق عدم المخالفة بل الاطمئنان يحصل بالشواهد وقد جاءت اخبار شارحة بان العمل بما له شاهد وما هو واضح وما هو بين وما يعلم وما عليه حقيقة ونور لا غيره، فتبين ان الحديث عند عرضه على القران والسنة فهو اما له شاهد منهما وعليه حقيقة ونور فيطمأن اليه ويقبل و يعتمد او انه ليس كذلك فلا يطمأن له فلا يقبل ولا يعتمد.  ومع ان هذه المعرفة يصدقها الوجدان والفطرة الا ان جميع تلك المفاهيم والاحكام جاءت بها النصوص الشرعية الموجبة للعلم والاطمئنان و المصدقة بالقران و السنة. والنوع الاول اي الذي له شاهد هو المصدق وهو المتصل معرفيا وله اصل وهو المحكم وهو السنة ويفيد العلم والعمل ويتعين العمل به، واما غيره فهو الظن وهو غير مصدق وهو المنقطع معرفيا وليس له اصل فلا يفيد العلم و العمل.  

لقد بينا فيما سبق ان العرض اخراج للحديث من الظن الى العلم، والحديث الاحادي ظن سواء كان صحيح السند او ضعيفه ، وادلة العرض اثبتت الاطلاق اي ان كل ما وافق القران بشواهد له يعمل به وكل ما خالف القران لا يعلم به. ومنها هنا فالحديث صحيح السند قد يكون موافقا للقران والسنة او مخالفا ، و كذلك الخبر الضعيف سندا قد يكون موافقا او مخالفا، و الخبر الموافق يتعين العمل به مطلقا وان كان ضعيف السند، والمخالف لا يعمل به مطلقا وان كان صحيح السند . وعرفت ان الموافقة هي وجود شواهد ومصدق واتصال معرفي وان يكون عليه حقيقة ونور ليخرج من الظن الى العلم و يكون في النفس نحوه اطمئنان ليكون علما والمخالفة هي عدم الشاهد فلا اصل له وهو منقطع وهو ظن وليس عليه حقيقة او نور. و قد شرحنا ذلك سابقا.

والمطلب العقلائي هو صحة النقل اي العلم بصحة الحديث وليس صحة السند.  وصحة السند لا تعني صحة النقل وصدور الحديث كما هو ظاهر. كما ان الحديث الصحيح في الاصطلاح (السندي) هو ليس الحديث المعلوم صحة نقله، فالحديث الصحيح اصطلاحا لا يكون حديثا صحيحا حقيقة الا بشرط خروجه من الظن الى العلم والخروج من الانقطاع المعرفي الى الاتصال المعرفي وذلك بالمصدقية والشواهد، والحديث الصحيح حقا لا يكون حديثا معصوما الا بالعلم بعصمة النقل. هذا وان الحديث الصحيح حقا اعم من الحديث الصحيح اصطلاحا فمنه الحديث المعصوم اي الذي ينقله المعصوم من دون سند، وكذلك الحديث الضعيف المعلوم اي المصدق. فالعلاقة بين الحديث الصحيح حقا ( المصدق) و الحديث الصحيح اصطلاحا عموم من وجه، و لاجل ذلك فانا اشرت الى الحديث الصحيح حقا بالحديث المصدق، و لحديث الصحيح اصطلاحا يالحديث الصحيح سندا.  وكما ان هناك حديثا صحيحا سندا فهناك حديث صحيح معرفيا وهو الموافق المصدق وكمان ان هناك حديثا ضعيفا سندا فهناك حديث ضعيف معرفا وهو المخالف المصدق. و كما ان هناك اتصالا سنديا فان هناك اتصالا معرفيا وهو وجود الشاهد والمصدق والاصل وكما ان هناك انقطاعا سنديا هناك انقطاع معرفي وهو عدم الشاهد وعدم المصدق وعدم الاصل له في المعارف المعلومة الثابتة.

ان القران قابل التصديق بالاختلاف وقابل الحق بالظن ومن هنا فالحديث بحسب العرض على القران والسنة القطعية اما مصدّق حق وهو ما له شاهد من القران والسنة فيجب العمل به،  او مختلف ظن ليس له شاهد منهما فلا يعمل به.