عرض الحديث (24)
الموضع الرابع: اقسام الحديث حسب منهج العرض
لقد اكدت الشريعة ووفق سيرة العقلاء انه لا ينبغي العمل
بالظن، و ان العرض وظيفته اخراج الرواية من الظن الى العلم. لذلك فكل فائدة العرض
هو معرفة الحديث المفيد للعلم مما لا يفيده و الاول هو ما وافق القران و الثاني هو
ما خالفه. ولا ريب ان العلم و الاطمئنان محتاج الى الشواهد و العقلاء لا يطمئنون
لمطلق عدم المخالفة بل الاطمئنان يحصل بالشواهد و قد جاءت اخبار شارحة بان العمل
بما له شاهد و ما هو واضح و ما هو بين و ما يعلم وما عليه حقيقة و نور لا غيره ،
فتبين ان الحديث عند عرضه على القران و السنة فهو اما له شاهد منهما وعليه حقيقة
ونور فيطمأن اليه و يقبل و يعتمد او انه ليس كذلك فلا يطمأن له فلا يقبل و لا
يعتمد. ومع ان هذه المعرفة يصدقها الوجدان
و الفطرة الا ان جميع تلك المفاهيم و الاحكام جاءت بها النصوص الشرعية الموجبة
للعلم و الاطمئنان و المصدقة بالقران و السنة. و النوع الاول اي الذي له شاهد هو
المصدق وهو المتصل معرفيا وله اصل وهو المحكم وهو السنة ويفيد العلم و العمل و
يتعين العمل به، و اما غيره فهو الظن وهو غير مصدق وهو المنقطع معرفيا وليس له اصل
فلا يفيد العلم و العمل.
لقد بينا فيما سبق ان العرض اخراج للحديث من الظن الى العلم
و الحديث الاحادي ظن سواء كان صحيح السند او ضعيفه ، و ادلة العرض اثبتت الاطلاق
اي ان كل ما وافق القران بشواهد له يعمل به و كل ما خالف القران لا يعلم به .
ومنها هنا فالحديث صحيح السند قد يكون موافقا للقران و السنة او مخالفا ، و كذلك
الخبر الضعيف سندا قد يكون موافقا او مخالفا، و الخبر الموافق يتعين العمل به
مطلقا وان كان ضعيف السند و المخالف لا يعمل به مطلقا وان كان صحيح السند . وعرفت
ان الموافقة هي وجود شواهد ومصدق و اتصال معرفي وان يكون عليه حقيقة ونور ليخرج من
الظن الى العلم و يكون في النفس نحوه اطمئنان ليكون علما و المخالفة هي عدم الشاهد
فلا اصل له و هو منقطع و هو ظن وليس عليه حقيقة او نور. و قد شرحنا ذلك سابقا.
و المطلب
العقلائي هو صحة النقل اي العلم بصحة الحديث و ليس صحة السند و صحة السند اعم منه
كما هو ظاهر. كما ان الحديث الصحيح في الاصطلاح هو ليس الحديث المعلوم الصحة،
فالحديث الصحيح اصطلاحا لا يكون حديثا صحيحا حقيقة الا بشرط خروجه من الظن الى
العلم و الخروج من الانقطاع المعرفي الى الاتصال المعرفي و ذلك بالمصدقية و
الشواهد، و الحديث الصحيح حقا لا يكون حديثا معصوما الا بالعلم بعصمة النقل. هذا و
ان الحديث الصحيح حقا اعم من الحديث الصحيح اصطلاحا فمنه الحديث المعصوم اي الذي
ينقله المعصوم من دون سند، و كذلك الحديث الضعيف المعلوم اي المصدق. فالعلاقة بين
الحديث الصحيح حقا ( المصدق) و الحديث الصحيح اصطلاحا عموم من وجه، و لاجل ذلك
فانا اشرت الى الحديث الصحيح حقا بالحديث المصدق ، و لحديث الصحيح اصطلاحا يالحديث
الصحيح سندا. وكما ان هناك حديث
صحيح سندا فهناك حديث صحيح معرفيا وهو الموافق المصدق و كمان ان هناك حديث ضعيف
سندا فهنا حديث ضعيف معرفا وهو المخالف المصدق. و كما ان هناك اتصال سندي فان هناك
اتصال معرفي وهو وجود الشاهد و المصدق و الاصل و كما ان هناك انقطاع سندي هناك
انقطاع معرفي وهو عدم الشاهد وعدم المصدق وعدم الاصل له في المعارف المعلومة
الثابتة.
ان
القران قابل التصديق بالاختلاف وقابل الحق بالظن ومن هنا فالحديث بحسب العرض على
القران والسنة القطعية اما مصدّق حق وهو ما له شاهد من القران والسنة فيجب العمل
به، او مختلف ظن ليس له شاهد منهما فلا
يعمل به.