عرض الحديث (16)

 






 مسألة (9)   احكام وتفصيل الموافقة






    قال تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ).


 و قال تعالى وما اختلفتم فيه من شئ فحكمه إلى الله ) .


 و قال تعالى ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ) .


و قال تعالى (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ).


  و قال تعالى (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ) .




 وعن   داود، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من لم يعرف الحق من القرآن لم يتنكب الفتن.


الموافقة المذكورة احكمتها نصوص مصدقة:


فعن        كليب بن معاوية، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما أتاكم عنا من حديث لا يصدقه كتاب الله فهو باطل.  


و عن   هشام بن الحكم أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا تقبلوا علينا حديثا إلا ما وافق القرآن والسنة أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدمة.


 و عن  يونس قال على أبي الحسن الرضا عليه السلام : لا تقبلوا علينا خلاف القرآن فإنا إن تحدثنا حدثنا بموافقة القرآن وموافقة السنة، إنا عن الله وعن رسوله نحدث، ولا نقول: قال فلان وفلان فيتناقض كلامنا، إن كلام آخرنا مثل كلام أولنا، وكلام أولنا مصداق لكلام آخرنا، وإذا أتاكم من يحدثكم بخلاف ذلك فردوه عليه وقولوا: أنت أعلم و ما جئت به، فإن مع كل قول منا حقيقة وعليه نور، فما لا حقيقة معه ولا نور عليه فذلك قول الشيطان.


و عن        أيوب بن الحر قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كل شئ مردود إلى كتاب الله والسنة، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف.  


و عن         صفوان بن يحيى عن ابي الحسن الرضا  : قال له  أبو قرة فتكذب بالرواية ؟ فقال أبو الحسن (عليه السلام): إذا كانت الرواية مخالفة للقرآن كذبتها )


و عن        أيوب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله: إذا حدثتم عني بالحديث فانحلوني أهنأه وأسهله وأرشده، فإن وافق كتاب الله فأنا قلته، وإن لم يوافق كتاب الله فلم أقله.


 و عن ابن أبي يعفور في هذا المجلس قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن اختلاف يرويه من يثق به ، فقال: إذا ورد عليكم حديث فوجدتموه له شاهد من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى الله عليه واله، وإلا فالذي جاءكم به أولى.


و في          النهج قال أمير المؤمنين عليه السلام : قد قال الله سبحانه لقوم أحب إرشادهم: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول. فالرد إلى الله الأخذ بمحكم كتابه والرد إلى الرسول الأخذ بسنته الجامعة غير المفرقة.


وعن  الحسن بن جهم عن الرضا عليه السلام أنه قال: قلت للرضا عليه السلام: تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة قال: ما جاءك عنا فقسه على كتاب الله عز وجل و أحاديثنا فإن كان يشبههما فهو منا وإن لم يشبههما فليس منا .


-    محمد بن مسلم قال: قال أبو عبد الله عليه السلام يا محمد ما جاءك في رواية من بر أو فاجر يوافق القرآن فخذ به، وما جاءك في رواية من بر أو فاجر يخالف القرآن فلا تأخذ به.


-   ابن علوان، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام قال: قرأت في كتاب لعلي عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه واله قال: إنه سيكذب علي كما كذب على من كان قبلي فما جاءكم عني من حديث وافق كتاب الله فهو حديثي، وأما ما خالف كتاب الله فليس من حديثي.  


-   هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله - في خطبة بمنى أو مكة -: يا أيها الناس ما جاءكم عني يوافق القرآن فأنا قلته، وما جاءكم عني لا يوافق القرآن فلم أقله.




-   الحسن بن الجهم، عن العبد الصالح عليه السلام قال: إذا كان جاءك الحديثان المختلفان فقسهما على كتاب الله وعلى أحاديثنا فإن أشبههما فهو حق وإن لم يشبههما فهو باطل.


-   السكوني، عن أبي عبد الله، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: إن على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نورا فما وافق كتاب الله فخذوا به وما خالف كتاب الله فدعوه.


-    الطبرسي عن أبي جعفر الثاني عليه السلام:: قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله :: فإذا أتاكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله وسنتي فما وافق كتاب الله وسنتي فخذوا به وما خالف كتاب الله وسنتي فلا تأخذوا به.


-   الطبرسي ومما أجاب به أبو الحسن علي بن محمد العسكري عليهما : : إذا شهد الكتاب بتصديق خبر وتحقيقه فأنكرته طائفة من الامة وعارضته بحديث من هذه الأحاديث المزورة صارت بإنكارها ودفعها الكتاب كفارا ضلالا - الى ان قال-  فلما وجدنا ذلك موافقا لكتاب الله ووجدنا كتاب الله موافقا لهذه الأخبار وعليها دليلا كان الاقتداء بهذه الأخبار فرضا لا يتعداه إلا أهل العناد والفساد. .


-   عن جابر، قال: دخلنا على أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام ::: وانظروا أمرنا وما جاءكم عنا، فإن وجدتموه للقرآن موافقا فخذوا به، وإن لم تجدوه موافقا فردوه، وإن اشتبه الأمر عليكم فقفوا عنده، وردوه إلينا حتى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا .


-    محمد بن الزبرقان الدامغاني، عن أبي الحسن موسى عليه السلام ::: امور الاديان أمران: أمر لا إختلاف فيه وهو إجماع الامة على الضرورة التي يضطرون إليها، والأخبار المجتمع عليها المعروض عليها كل شبهة والمستنبط منها كل حادثة، وأمر يحتمل الشك والإنكار وسبيل استيضاح أهله الحجة عليه فما ثبت لمنتحليه من كتاب مستجمع على تأويله أو سنة عن النبي صلى الله عليه واله لا اختلاف فيها، أو قياس تعرف العقول عدله ضاق على من استوضح تلك الحجة ردها ووجب عليه قبولها والإقرار والديانة بها وما لم يثبت لمنتحليه به حجة من كتاب مستجمع على تأويله أو سنة عن النبي صلى الله عليه واله لا اختلاف فيها، أو قياس تعرف العقول عدله وسع خاص الامة وعامها الشك فيه والإنكار له كذلك هذان الأمران من أمر التوحيد فما دونه إلى أرش الخدش فما دونه، فهذا المعروض الذي يعرض عليه أمر الدين، فما ثبت لك برهانه اصطفيته، وما غمض عنك ضوؤه نفيته. ولا قوة إلا بالله، وحسبنا الله ونعم الوكيل .


-   ج: عن أبي جعفر الثاني عليه السلام في مناظرته مع يحيى بن أكثم - وسيجيئ بتمامه في موضعه - أنه قال: قال رسول الله صلىالله عليه واله في حجة الوداع: قد كثرت علي الكذابة وستكثر فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار فإذا أتاكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله وسنتي فما واف قكتاب الله وسنتي فخذوا به وما خالف كتاب الله وسنتي فلا تأخذوا به.


-   جابر  عن أبي جعفر محمد بن علي )عليهما السلام  :   ما جاءكم عنا، فإن وجدتموه للقرآن موافقا فخذوا به، و إن لم تجدوه موافقا فردوه، و إن اشتبه الأمر عليكم فيه فقفوا عنده و ردوه إلينا حتى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا .


-   عن ابن أبي يعفور، قال علي: وحدثني الحسين بن أبي العلاء أنه حضر ابن أبي يعفور في هذا المجلس قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن اختلاف يرويه من يثق به  ،


فقال: إذا ورد عليكم حديث فوجدتموه له شاهد من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى


الله عليه واله، وإلا فالذي جاءكم به أولى.


-   سدير قال: قال أبو جعفر وأبو عبد الله عليهما السلام: لا تصدق علينا إلا بما يوافق كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه واله.






مسألة (10) :  الفهم النوعي  والفقه النوعي


 


لا ريب انّ الخطاب الشرعيّ موجّه الى كلّ مكلف فقيه او غير فقيه و غير مختص بمكلف دون اخر، الا ان سعة اطلاع الفقيه و خبرته بالنص يعطيه ميزة لا تنكر في ترجيح الادلة و بيانها و فهمها لكن هناك فرق كبير بين الترجيح و الفهم النوعي للدليل و بين الترجيح و الفهم الفردي له. اي انّ هناك ترجيحا و فهما عاما نوعيا لو قام به اي احد لأدى الى النتيجة نفسها فلا يختلف الاختيار و لا الفهم باختلاف الاشخاص الذين يقومون به،  بينما الترجيح و الفهم الفردي يعتمد على الشخص الذي يقوم بعملية الاختيار و الفهم فيختلف باختلاف الاشخاص الذين يقومون به.


من الواضح انّ مدخلية مقدمات كثيرة في عملية ترجيح الادلة و فهمها عند المجتهد يجعل من العسر القول انّ ما يثبت عنده من دليل و فهم هو دليل و فهم لغيره من مقلد و غيره، و خصوصا ان كثيرا من تلك الامور بعيدة و غريبة عن المقلدين. وهذا هو الترجيح و الفهم الفردي للدليل و الدلالة. و لهذا لا يمكن القول ان ما يثبت دليلا عند المجتهد هو دليل عند مقلده و لذلك قيل بكفاية حجية الفتوى وعدم ضرورة كون دليل الفقيه دليلا لمقلده.


 


  الفقيه النوعي هو الذي يستعمل الفهم النوعي والطريقة العادية العامة في ترجيح الادلة و فهمها بعرض الادلة على المعارف الثابتة من الدين المعروفة لكل مكلف، و يفهمها بطريق عادية عرفية جدا من دون تدقيق عقلي و فلسفي  فان اختياره و ترجيحه و فهمه للادلة و الدلالة يكون نوعيا , لذلك يمكن القول ان ما يثبت دليلا عند الفقيه النوعي هو دليل عند غيره من المكلفين. فدليل الفقيه النوعي دليل لغيره ولهذا يصح شرعا لكل مكلف التعبد بما يثبت دليلا عند الفقيه النوعي و ما يفهمه من الدليل.


و بسبب نوعية ترجيحات الفقهاء النوعيين وفردانية ترجيحات االفقهاء الفرديين نجد ان الاختلافات في الادلة والدلالة قليلة او معدومة بين اصحاب الفقه النوعي  وكذا اقوالهم وفتاواهم  بينما هي كبيرة و احيانا كبيرة جدا دليلا و دلالة بين اصحاب الفقه الفردي وكذا حال اقوالهم و فتاواهم.








مسألة (11) المعارف الثابتة التي يتم عليها العرض




 قال تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) و قال امير المؤمنين عليه السلام ( قال الله سبحانه لقوم أحب إرشادهم: يا أيها


الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول. فالرد إلى الله الأخذ بمحكم كتابه والرد إلى الرسول الأخذ بسنته  الجامعة غير المفرقة) و نحوها روايات دلت على ان الرد يكون للمعلوم الثابت المتفق عليه من المعارف التي اخذت عنهم عليهم السلام.


 لقد اوصى اهل البيت عليهم السلام برد احاديثهم الى القران و السنة ، و المقصود من القران و السنة ليس ظاهر متن اية معينة او رواية ثابتة بالتواتر او مستفيضة محفوظة كما اعتقد البعض، بل المقصود هو ما علم و ثبت و اتفق عليه من المعارف القرانية و المعصومية.  وهو يعني المعارف القرانية و الحديثية المجمع عليها.


فالمعرفة الثابتة هي معرفة قرانية او حديثية مجمع عليها و لا خلاف فيها.


 و المعارف الثابتة درجات من حيث السعة كاكبرها و اوسعها على الاطلاق هو التوحيد وهو اصل الاصل و منه يتفرع نفي التسبيه و ارسال الرسل و الايمان بالملائكة و المعاد و التكليف و الامامة وهذه هي الاصول الكبرى، و منها تتفرع اصول اخرى كبيرة لكن اقل سعة كالعصمة في الامام و العلم في الامام و وجوب الطاعة و وجوب الصلاة و الصوم و الحج و الزكاة وهذا هي كتب الفقه الكبيرة و منها يتفرع اصول متعلقة بها ثابتة ككون الصلاة اليومية فرائض و نوافل و ككون الصوم واجب و مستحب ، و من هذه الاصول تتفرع اصول كبيرة لكن اقل سعة كاركان الصلاة من طهور و قبلة و ركوع و سجود و من هذه الاصول تفرع اصول كبيرة لكن اقل سعة منها ككون القبلة شطر الحرم للبعيد و الكعبة للقريب و ككون الطهارة وضوء و غسل و تيمم و من هذه الاصول تتفرع اصول اقل سعة كاحكام القبلة الثابتة و احكام الوضوء الثابتة و احكام الغسل الثابتة و احكام التيمم الثابتة التي لا يختلف فيها و مجمع عليها و جاء بها قران و سنة.


 - كل ما ما تقدم من معارف ثابتة ماخوذة من القران و السنة و نحوها من معارف هي المعارف الثابتة التي يرد اليها غيرها وهو قول امير المؤمنين عليه السلام ( الرد الى الله الرد الى اية محكم لا خلاف فيها او سنة ماضية)


 وبينت مفصلا في فصل المعروض عليه ما هي المعارف التي يتم العرض عليها.  وربما اكبر اشكال في اذهان الكثيرين هو المعرفة التي يجب العرض عليها، وكيفية تيسرها وضبطها. وقبل كل بيان من الخطأ جدا اعتقاد ان العرض يكون على الفاظ النصوص، وان الاصل المصدق لمعرفة يجب ان يكون لفظا، وان هذا يتطلب علم احصائي لكل اصل في كل مسالة. وهو غير متيسر الا الى القلة من الناس. وهذا التصور خاطئ بالكلية، فان العرض لا يتطلب ذلك، بل يتطلب رد المضمون الجديد محل البحث الى ما يتداخل معه من معرفة معلومة بحسب ما هو متيسر من علم ثابت في الصدور.  ومع انه كلما كان التداخل اكبر كان الرد اجود الا انه يكفي اي قدر من التداخل وباي صورة كانت وفق طريقة العقلاء في تداخل النصوص.  بعد ادراك التداخل وتمييز المعرفة المتداخلة من المعرفة الجديدة ينظر الى مدى الموافقة بينهما من حيث المعنى والاتجاه المعرفي. حيث ان لكل مضمون اتجاه معرفي من جهة قيم ثابتة معينة  بالسلب والايجاب وتلك القيم او المعاني لها اشتقاقات علوية عامة كلية او سفلية فردية جزئية. والرد وتبين العلاقة بين المضامين يكون بالطريقة العقلائية النوعية البسيطة ومن دون مقدمات معقدة.




 




مسألة (12) عصمة المعرفة




قال تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) 


.  منهج العرض ببساطة هو عرض معرفة او اصل اصغر على اصل اكبر ثابت لا خلاف فيه . كعرض نفي التشبيه على التوحيد و عرض العصمة على الامامة وهكذا .


فيتفرع من الاصل الكبير الى الاصل الذي يليه الاكبر بالاكبر من دون انقطاع.


ولا ريب ان التدرج من الاصول الاكبر الى ما يليها الاكبر فالاكبر كفيل بتحقيق ثلاثة امور اولا عصمة المعرفة و ثانيا علميتها و عدم ظنيتها و ثالثا وحدتها و عدم تناقضها.  




وعن على بن الحسين عليهم السلام : قيل له يابن رسول الله فما معنى المعصوم ؟ فقال هو معتصم بحبل الله ، وحبل الله هو القرآن لايفترقان إلى يوم القيامة ، والامام يهدى إلى القرآن ، والقرآن يهدى إلى الامام . 


من خلال ما تقدم فان كل ما هو متصل ومنتهي الى القرآن باتصال معنوي واضح هو معصوم به وان كان باكثر من واسطة. وهذه هي عصمة المعرفة. بان تكون متصلة بمعارف القران اتصالا وثيقا لا ريب فيه. والاتصال المعرفي هو تحقيق تداخل مضموني مع توافق اتجاهي بان يكون للمعرفتين اتجاه واحد ان يكون في الاصل شاهد ومصدق للفرع، ومن هنا يعلم انه يمكن ان يتعدد الفرع لان الاتصال ليس تطابقي وانما شواهدي مصدقي وهو ما يعطي فسحة من المعرفة بين الاقل والاكثر في المضامين الجائزة. وهذا هو الاتحاد الاتجاهي مع التعدد الشخصي، لكن بسبب ان الغاية العقلية والوجدانية في الانسان هو واقعية المعرفة، فانه وحدة المعرفة هي الغاية، لكن هذا لا يعني  الحكم ببطلان كل معرفة تخالف ما يثبت الا بعلم بكذب تلك المعرفة وبطلانها. ومن هنا جاء حكم التشابه للممكن غير المصدق. فلو لونا المعارف الى اخضر واصفر واحمر، فان الاخضر هو الواجب المصدق والاحمر هو الممنوع المخالف للمصدق والاصفر هو غير المخالف لكنه غير المصدق، فان ثبت عند احد تصديقه جاز عنده ولا يعني هذا تعدد الواقع بل هو من باب التيسير ونفي العسر. 










مسألة (13) شخصية المضمون ونوعيته


 


 لقد اوصى اهل البيت عليهم السلام بعرض احاديثهم على المعارف الثابتة من القران و السنة، و المقصود بالمعارف الثابتة هي المعارف التي اخذت من القران و السنة الثابتة بالاتفاق و التي لا يخالف فيها احد و لا يشك و لا يرتاب فيها احد. و من المعلوم ان هذا المنهج هو الموافق للفطرة في تحقيق السداد و الاعتصام لعدة اسباب:


 الاول: ان هذا المنهج هو المصداق الجلي - ان لم يكن الوحيد- لقوله تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) اذ ان الاعتصام هو الرد كما فسرته الروايات.


 الثاني: ان منهج العرض هو الطريق الامثل - ان لم يكن الوحيد- لتحقيق معارف علمية متوافقة خالية من التناقض و الاضطراب و متصلة بالمعارف الضرورية و الثوابت المتفق عليها. 


 الثالث: انه المنهج الواضح - ان لم يكن الوحيد- الذي اوصى اهل البيت عليهم السلام باتباعه لتبين احوال الاحاديث.


الرابع: ان هذا المنهج من خلال يسره و سهولة ممكن لكل مكلف مهما كان مستواه  و معرفته و معلوماته و تحصيله، اذ المطلوب هو فهم ظاهر الحديث و رده الى ما هو معلوم و ثابت من معارف، و هذا متيسر لكل احد و ليس فيه اي يسر وحرج وهو الموافق ليسر الشريعة و سماحتها و نفي الحرج فيها.




 و من الثابت المعروف الذي لا يرتاب به احد ان اهل البيت عليهم السلام اوصونا بعرض ما يصلنا من حديث على القران و السنة. و بسبب قصور في فهم طريقة العرض حصلت شبه عند البعض ادت بهم الى عدم العمل بهذا المنهج الحق.


 ان عرض الحديث على القران و السنة لا يعني عرض ظاهر الحديث على ظاهرة اية معينة او ظاهر سنة معينة ثابتة ، كما انه لا يعني الدلالة المطابقية بحيث يؤدي ذلك الى تعطيل الاحاديث و ينتهي الامر كله الى القران و السنة القطعية. و انما العرض هو عرض الحديث على ما هو معلوم و ثابت من المعارف الثابتة من القران و السنة، و بطريقة التصديق و الشواهد و المشابهة ، اي ان تكون المعارف الثابتة المتفق عليها التي لا يشك و لا يرتاب بها احد شاهدا و مصدقا للحديث.  والذي يعني كون اتجاهه المعرفي موافقة لاتجاه الاصل المعرفي وليس بالمطابقة. فهناك امران في المعنى الاطراف والعلاقة والثاني الاتجاه المعرفي ، والاول يؤدي الى المعنى المعرفي الشخصي للمضمون من خلال اطرافه اي الى الشخصية المضمونية، اما الثاني فيؤدي الى المعنى  


المعرفي النوعي من خلال اتجاهه المعرفي الى النوعية المضمونية. فمثلا مضمونان كلاهما بانفس الاطراف (س وص) لكن الاول مثبت الثاني منفي، ففي مجال الشخصية المضمونية هما في مستوى واحد، لكن في مجال النوعية المضمونية هما في مستويين مختلفين. لو افترضنا ان المستويين عمودي وافقي فانهما سيكونان في مستو ى عمودي واحد الا ان احدهما فوق الاخر، ولو قلنا ان الخط الاوسط هو متعادل اشاريا، فان المضامين السلبية ستكون اسفله والموجبة المثبتة فوقه. 


   






مسألة (14) اسلام بلا طائفة


لا تمييز بين المعطيات الشرعية وموادها بحسب اي معيار او قيمة تدعى هنا. فجميع المعارف والمعطيات والمواد الاسلامية النصية وغيرها هي صالحة ومحققة للخصائص التي يجز اعتمادها والتعامل بها وكل قول خلاف ذلك باطل بلا ريب. وبعض الكلام مر في بطلان مذهبة النقل الذي هو اهم مجال للمعطيات والمواد الاسلامية. فالمسلم لا يصنف بحسب الطوائف والمذاهب، وليس من حق احد ان يصنف المسلمين بحسب الطوائف والمذاهب وانما الكل مسلمون مؤمنون. المسلم منفتح على جميع تفاسير المسلمين، ومنفتح على جميع روايات المسلمين ومنفتح على جميع اقوال علماء المسلمين. المسلم يرى ان جميع المسلمين هم اخوته وجميع علماء المسلمين علماؤهم وجميع رواة المسلمين هم رواته وجميع مفسري المسلمين هم مفسروه وجميع كتب المسلمين هي كتبه، الكل يؤخذ منه ان قال الحق. 


ان المسلم دوما يقصد المعرفة ذاتها والتحرر من طريقها، فهو لا ينظر الى الطريق وانما ينظر الى المعرفة، فيأخذ المعرفة الحق من أي طريق ولا يأخذ المعرفة الباطلة من أي طريق، فهو يعرف الحق بالحق ولا يعرفه بالناس او القائلين به او الحاملين له. كما ان العنوان والانتماء هو للايمان والاسلام، وليس لمذهب او طائفة، وكل حق يوجد في مذهب او طائفة يؤخذ به وكل باطل في مذهب او طائفة لا يؤخذ به. وهذا هو الاسلام بلا طائفة.


اذن اسلام بلا طائفة فيه جهتان؛ الاولى: من حيث التسمية فالمسلم بلا طائفة لا يقبل التصنيفات والتسميات بل الكل مسلمون مؤمنون. والثانية: طريقة تحصيل المعرفة فهو يقصد المعرفة الحقة ولا ينظر الى طائفتها او مذهبها.


ولا ريب ان العقائد والاعمال هي معارف ولا ريب في وجود اختلافات في تلك الجهات الا ان هذه الاختلاف لا تكون سببا للتصنيف والتمييز. وهذا ينبع وينتج من حقيقة قبول المسلمين كما هم بالمعنى العامل الواسع أي ان هناك مسلما مصيبا ومسلما مخطئا، كما ان هناك مسلما مطيعا ومسلما عاصيا. بمعنى كما ان هناك مخالفة عملية فهناك مخالفة علمية (اعتقادية).  


ولا يوجد دليل شرعي على تقسيم المسلمين الى مذاهب و طوائف ووضع تسميات داخلية فيه. بل الدليل على خلافه قال تعالى: (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ) و قال تعالى (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً)


و في الحديث الشريف : ( فَادْعُوا الْمُسْلِمِينَ بِمَا سَمَّاهُمْ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) و قال (فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله.) 


بعد تحقق شرط الايمان فانه لا دليل على اشتراط وحدة اعتقادات موحدة في الاسلام. ولقد قال تعالى


(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا )


إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)


(وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ )


وفي الحديث عن الحسن أن النبي صلى الله عليه و سلم قال من استقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فهو المسلم له ما للمسلم وعليه ما على المسلم وحسابه على الله  .


و سأل ميمون بن سياه أنساً ما يحرم دم العبد وماله فقال من شهد أن لا إله إلا الله واستقبل قبلتنا وصلى صلاتنا وأكل ذبيحتنا فهو المسلم له ما للمسلم وعليه ما على المسلم.


 




مسألة (15)  : الصدور التنزيلي  




ان الشريعة مبنية على التيسير، ومنها الصدور التنزيلي اي تنزيل الحديث الموافق للمعارف الثابتة منزلة الصادر المعلوم. وعليه نصو عدة مصدقة:


فعن الهشامين جميعا وغيرهما قال: خطب النبي صلى الله عليه واله بمنى فقال: أيها الناس ما جاءكم عني فوافق كتاب الله فأنا قلته، وما جاءكم يخالف القرآن فلم أقله.


علي بن أيوب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله: إذا حدثتم عني بالحديث فانحلوني أهنأه وأسهله وأرشده، فإن وافق كتاب الله فأنا قلته، وإن لم يوافق كتاب الله فلم أقله. 


عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله - في خطبة بمنى أو مكة -: يا أيها الناس ما جاءكم عني يوافق القرآن فأنا قلته، وما جاءكم عني لا يوافق القرآن فلم أقله.


  ابن علوان، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام قال: قرأت في كتاب لعلي عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه واله قال: إنه سيكذب علي كما كذب على من كان قبلي فما جاءكم عني من حديث وافق كتاب الله فهو حديثي، وأما ما خالف كتاب الله فليس من حديثي.




وقد يقال ان هذا تجويز للكذب على رسول الله صلى الله عليه واله، وفيه ان الحديث ليس ناظرا فعلا الى الحكم بصدور قولي لكل ما هو مصدق وله شاهد بل هو ناظر الى العمل به، فالمعنى ان المصدق الموافق يصح العمل به وهو بمنزلة الصادر عنه. فالنظر الى الحجية وليس الى الصدور القولي. فالصدور هنا هو صدور احتجاجي وليس صدور قولي بالضرورة.  بل ان نسبة ما ينسب الى النبي من نقل ما له شاهد ومصدق الى النبي صلى الله عليه واله مع عدم العلم بعدم الصدور هو الحالة الاكثر في الاحاديث الظنية، اذ لو علم انه صادر عنه ما احتيج الى العرض ولو علم انه لم يصدر عنه لم يفد العرض والموافقة، فمضموع هذه القاعدة هي الاحاديث الظنية التي لا يعلم كذبها ولها شاهد ومصدق من الكتاب. فالمعنى انه لا يكون كاذبا من ينسب تلك الاحاديث للنبي وهو صور من صور تنزيل المصدق منزلة العلم ففي بعضها عبارة (وان لم اقله) وهو ظاهر في نفي المؤاخذة وليس في تبيين المنهج الاولي لاثبات الصدور. فتنزل تلك الاحاديث المصدقة تيسيريا وبالعنوان الثانوي منزلة العلم بصدورها وهو من مظاهر اعطاء العلمية لمصدق .  فهذه القاعدة حق وصدق ومن جوهر العرض وفيها تيسير.


مسألة (16) :  تطبيق اهل البيت لمنهج العرض




عن صفوان قال قال أبو قرة: للامام الرضا عليه السلام إنا روينا أن الله قسم الرؤية والكلام بين نبيين، فقسم لموسى الكلام، ولمحمد (صلى الله عليه وآله) الرؤية، فقال أبو الحسن (عليه السلام): فمن المبلغ عن الله إلى الثقلين من الجن والانس: إنه لا تدركه الابصار، ولا يحيطون به علما، وليس كمثله شئ ؟ أليس محمد ؟ قال: بلى، قال أبو الحسن (عليه السلام): فكيف يجئ رجل إلى الخلق جميعا فيخبرهم أنه جاء من عند الله، وأنه يدعوهم إلى الله بأمر الله ويقول: إنه لا تدركه الابصار، ولا يحيطون به علما، وليس كمثله شئ، ثم يقول: أنا رأيته بعيني، وأحطت به علما، وهو على صورة البشر ؟ أما تستحيون ؟ ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا أن يكون أتى عن الله بأمر ثم يأتي بخلافه من وجه آخر ! فقال أبو قرة: فإنه يقول: (ولقد رآه نزلة اخرى) فقال أبو الحسن (عليه السلام): إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى حيث يقول: (ما كذب الفؤاد ما رأى) يقول: ما كذب فؤاد محمد (صلى الله عليه وآله) ما رأت عيناه، ثم أخبر بما رأت عيناه فقال: (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) فآيات الله غير الله. وقال: (ولا يحيطون به علما) فإذا رأته الابصار فقد أحاطت به العلم ووقعت المعرفة، فقال أبو قرة فتكذب بالرواية ؟ فقال أبو الحسن (عليه السلام): إذا كانت الرواية مخالفة للقرآن كذبتها. 




الاحتجاج :  قال  يحيى بن أكثم لابي جعفر الجواد عليه السلام : ما تقول يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله في الخبر الذي روي أنه نزل جبرئيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وقال يا محمد: إن الله عزوجل يقرئك السلام ويقول لك: سل أبا بكر هل هو عني راض فاني عنه راض. فقال أبو جعفر: لست بمنكر فضل أبي بكر، ولكن يجب على صاحب هذا الخبر أن يأخذ مثال الخبر الذي قاله رسول الله صلى الله عليه وآله في حجة الوداع " قد كثرت علي الكذابة، وستكثر، فمن كذب علي متعمدا فليتبوء مقعده من النار، فإذا أتاكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله وسنتي، فما وافق كتاب الله وسنتي فخذوا به، وما خالف كتاب الله وسنتي فلاتأ خذوا به " وليس يوافق هذا الخبر كتاب الله قال الله تعالى " ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد " فالله عزوجل خفي عليه رضا أبي بكر من سخطه حتى سأل من مكنون سره ؟ هذا مستحيل في العقول. ثم قال يحيى بن أكثم: وقد روي أن مثل أبي بكر وعمر في الارض كمثل جبرئيل وميكائيل في السماء، فقال: وهذا أيضا يجب أن ينظر فيه لان جبرئيل وميكائيل ملكان مقربان لم يعصيا الله قط ولم يفارقا طاعته لحظة واحدة، وهما قد أشركا بالله عزوجل وإن أسلما بعد الشرك، وكان أكثر أيامهما في الشرك بالله فمحال أن يشبههما بهما. قال يحيى: وقد روي أيضا أنهما سيدا كهول أهل الجنة، فما تقول فيه ؟ فقال عليه السلام: وهذا الخبر محال أيضا لان أهل الجنة كلهم يكونون شبابا، ولا يكون فيهم كهل، وهذا الخبر وضعه بنو امية لمضادة الخبر الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله في الحسن والحسين بأنهما سيدا شباب أهل الجنة.


أقول و روايات عرضهم عليهم السلام الاخبار على الكتاب كثيرة.


مسالة (17) : وجدانية الشريعة.


الحديث الاول


( استفت نفسك وإن أفتاك المفتون)  حلية الاولياء عن واثلة.


الحديث الثاني


عَنْ وَابِصَةَ الأَسَدِىِّ قَالَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وآله وسلم- وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ لاَ أَدَعَ شَيْئاً مِنَ الْبِرِّ وَالإِثْمِ إِلاَّ سَأَلْتُهُ عَنْهُ فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ « يَا وَابِصَةُ أُخْبِرُكَ أَوْ تَسْأَلُنِى ». قُلْتُ لاَ بَلْ أَخْبِرْنِى. فَقَالَ « جِئْتَ تَسْأَلُنِى عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ ». فَقَالَ نَعَمْ فَجَمَعَ أَنَامِلَهُ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِنَّ فِى صَدْرِى وَيَقُولُ « يَا وَابِصَةُ اسْتَفْتِ قَلْبَكَ وَاسْتَفْتِ نَفْسَكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِى النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِى الصَّدْرِ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ ». مسند احمد


الحديث الثالث


 (البر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك وكرهت ان يطلع الناس عليه) مسند احمد عن النواس.


الحديث الرابع


(قلت يا رسول الله اخبرني ما يحل لي وما يحرم علي قال فصعد النبي صللى الله عليه وسلم البصر في وصوب فقال النبي صلى الله عليه و سلم البر ما سكنت اليه النفس واطمأن اليه القلب والاثم مالم تسكن اليه النفس ولم يطمئن اليه القلب وان افتاك المفتون) الورع لاحمد عن ابي ثعلبة.




الحديث الخامس


(سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم : ما الإثم ؟ قال : « ما حاك في صدرك فدعه » . قال : فما الإيمان ؟ قال : « إذا ساءتك سيئتك ، وسرتك حسنتك فأنت مؤمن » مسند ابن المبارك عن ابي امامة.




الحديث السادس


( إِذَا سَمِعْتُمْ الْحَدِيثَ عَنِّي تَعْرِفُهُ قُلُوبُكُمْ وَتَلِينُ لَهُ أَشْعَارُكُمْ وَأَبْشَارُكُمْ وَتَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْكُمْ قَرِيبٌ فَأَنَا أَوْلَاكُمْ بِهِ وَإِذَا سَمِعْتُمْ الْحَدِيثَ عَنِّي تُنْكِرُهُ قُلُوبُكُمْ وَتَنْفِرُ أَشْعَارُكُمْ وَأَبْشَارُكُمْ وَتَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْكُمْ بَعِيدٌ فَأَنَا أَبْعَدُكُمْ مِنْهُ) احمد عن ابي اسيد.


 الحديث السابع


( جئت تسأل عن البر والاثم، قال: نعم، فضرب بيده على صدره ثم قال: يا وابصة البر ما اطمأنت به النفس، والبر ما اطمأن به الصدر، والاثم ما تردد في الصدر وجال في القلب، وإن أفتاك الناس وأفتوك.) قرب الاسناد عن معمر.


الحديث الثامن


( إن وضح لك أمر فاقبله ، وإلا فاسكت تسلم ، ورد علمه إلى الله ، فانك أوسع مما بين السماء والارض .)  كتاب سليم.




الحديث التاسع


( ما ورد عليكم  من حديث آل محمد صلوات الله عليهم فلانت له قلوبكم وعرفتموه فاقبلوه  وما اشمأزت قلوبكم وأنكرتموه فردوه إلى الله وإلى الرسول وإلى العالم من آل محمد عليهم السلام.) البصائر عن جابر الجعفي.




الحديث العاشر


( أن وابصة بن معبد الاسدي أتاه وقال في نفسه: لا أدع من البر والاثم شيئا إلا سألته، فلما أتاه قال له بعض أصحابه: إليك يا وابصة عن سؤال رسول الله، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): دعوا وابصة، ادن فدنوت ، فقال: تسأل عما جئت له أم أخبرك ؟ قال: أخبرني، قال: جئت تسأل عن البر والاثم، قال: نعم فضرب يده على صدره ثم قال: البر ما اطمأنت إليه النفس والبر ما اطمأن إليه الصدر، والاثم ما تردد في الصدر وجال في القلب، وإن أفتاك الناس وإن أفتوك.) الخرائج.




الحديث الحادي عشر


النَّوَّاس بْنَ سَمْعَانَ الأَنْصَارِىَّ قَالَ سَأَلْتُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وآله وسلم- عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ فَقَالَ « الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِى صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ النَّاسُ عَلَيْهِ ». مسند احمد


عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وآله وسلم- عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ فَقَالَ « الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ والإِثْمُ مَا حَاكَ فِى نَفْسِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَعْلَمَهُ النَّاسُ ». مسند احمد




الحديث الثاني عشر


عَنِ النَّوَاسِ بْنِ سَمْعَانَ الأَنْصَارِىِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وآله وسلم- قَالَ « ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً صِرَاطاً مُسْتَقِيماً وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعاً وَلاَ تَتَفَرَّجُوا وَدَاعِى يَدْعُو مِنْ جَوْفِ الصِّرَاطِ، وْالصَّرِاطُ الإِسْلاَمُ وَذَلِكَ الدَّاعِى عَلِى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالدَّاعِى مِنْ فَوْقِ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللَّهِ فِى قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ ». مسند احمد


الحديث الثالث عشر


الْخُشَنِىَّ قال قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِى بِمَا يَحِلُّ لِى وَيُحَرَّمُ عَلَىَّ. قَالَ فَصَعَّدَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وآله وسلم- وَصَوَّبَ فِىَّ النَّظَرَ فَقَالَ « الْبِرُّ مَا سَكَنَتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ وَالإِثْمُ مَا لَمْ تَسْكُنْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَلَمْ يَطْمَئِنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ وَإِنْ أَفْتَاكَ الْمُفْتُونَ ».  مسند  احمد




الحديث الرابع عشر




عَنْ أَبِى عَبْدِ اللَّهِ السُّلَمِىِّ قَالَ سَمِعْتُ وَابِصَةَ بْنَ مَعْبَدٍ صَاحِبَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وآله وسلم- قَالَ جِئْتُ إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وآله وسلم- أَسْأَلُهُ عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ فَقَالَ « جِئْتَ تَسْأَلُ عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ ». فَقُلْتُ وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا جِئْتُكَ أَسْأَلُكَ عَنْ غَيْرِهِ. فَقَالَ « الْبِرُّ مَا انْشَرَحَ لَهُ صَدْرُكَ وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِى صَدْرِكَ وَإِنْ أَفْتَاكَ عَنْهُ النَّاسُ ». مسند احمد




الحديث الخامس عشر


عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ قَالَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وآله وسلم- وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ لاَ أَدَعَ شَيْئاً مِنَ الْبِرِّ وَالإِثْمِ إِلاَّ سَأَلْتُهُ عَنْهُ فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى مَسَّتْ رُكْبَتِى رُكْبَتَهُ فَقَالَ « يَا وَابِصَةُ أُخْبِرُكَ مَا جِئْتَ تَسْأَلُنِى عَنْهُ أَوْ تَسْأَلُنِى ». فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَخْبِرْنِى. قَالَ « جِئْتَ تَسْأَلُنِى عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ ». قُلْتُ نَعَمْ فَجَمَعَ أَصَابِعَهُ الثَلاَثَ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهَا فِى صَدْرِى وَيَقُولُ « يَا وَابِصَةُ اسْتَفْتِ نَفْسَكَ الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ وَاطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِى الْقَلْبِ وَتَرَدَّدَ فِى الصَّدْرِ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ ». مسند احمد.




 وهذه الوجدانية الشرعية مرتكزة على فطرية الشريعة وانسانيتها ورسوخ الايمان بها، فكل اطمئنان حاصل هو كاشف عن اتساق وكل عدم التساق وعدم توافق فانه يولد استغرابا وجدانيا.   






مسألة (18): عامية الفقه


 ان الاطلاع على عناصر الادراك هو المادة الاولية للمعرفة وهي بمثابة الادلة في العلوم و في الشريعة تتمثل بالنص اي القران و السنة، ومن الواضح ان المسلم يمكنه  العمل باي اية يعرفها او حديث يعرفه  ويجوز له الاعتماد عليه لان هذا هو لازم تعلمه و الاطلاع عليه ومعرفته، اي انه يستدل بما عرف على ما يعمل او يعتقد ، بشرط التناسق والتوافق. فالعلم بالمعرفة طبيعي مباشرة لا يتأخر ولا يتخلف عن معرفة الدليل اي معرفة اية او رواية فاذا عرف اية او رواية عرف بها عقيدة او عملا،  لكن ما حصل في الجهة الاختصاصية التي حولت الدين و الشريعة الى اختصاص لا بد فيه من امتلاك مقدمات خاصة وخاصة جدا بعيدة عن اذهان العرف و خبراتهم و تحتاج الى تفرغ بل والى سنوات طوال للنجاح في ضبطها منها اصول الفقه و الجرح و التعديل فمن لا يعرف هذه العلوم الخاصة جدا و المدرسية و التتلمذية جدا فانه لا يمكنه ان يستدل بآية على عقيدة او عملا و لا بحديث على عقيدة او عمل. وهذا اخطر شيء حصل في تاريخ الشريعة وفهم النص الشرعي. ان الادلة الشرعية اصبحت الان شيء خيالي بالنسبة للانسان العامي بسبب التعقيد المقحم في عملية الاستدلال المشهورة.


 لكن هناك حقيقة دامغة ان الشريعة معرفة انسانية عامة والخطاب الشرعي موجه لكل انسان بل موجه للكافر قبل المسلم. وفي المعارف العامية لا تحتاج الى اكثر من الفهم والادراك والمعارف الضرورية الراسخة لكي تكتسب المعرفة تعمل بها، اي بمجرد ان تطلع على الدليل على اعتقاد او عمل فانه يتحقق عندك استفادة وامتلاك وتحقق للعقيدة وطريقة العمل.  والشرع معرفة عامية لا تحتاج الى مقدمات غير معرفة اللغة لمعرفة معارف الشريعة من النصوص وهذا لا يختص بالسماع المباشر بل بالسماع غير المباشر و لا يختص بفقهاء الناس بل بكل مسلم يسمع النص من اية او رواية بل ان هذا يشمل الكفرة ايضا فلا يحتاجون الى مقدمات غير الفهم العرفي والا كيف يحتج عليهم القران. ما حصل في المنهج الاختصاصي انه صار المسلم يحتاج الى مقدمات طويلة وكثيرة ومعقدة لكي يستفيد استفادة شرعية من النص ومن لا يعرف تلك المقدمات فانه لا يتمكن من العمل بالنص ولا استفادة علم منه، فصار علم العامي غير العارف بتلك المقدمات بالآيات و الروايات هو بحكم عدم علمه. وهذا من غرائب الامور. 






 


الخطاب الشرعي وجه الى كافة الناس مؤمنهم وكافرهم فهو ليس حكرا على المؤمن فضلا عن العالم. والعلم بالمعارف الشرعية يكون بالطريقة العرفية العادية التي ليس فيها أي تخصيص او تقييد خلاف الوجدان والفطرة وهذه هي الطريقة المستقيمة لتحصيل المعرفة. لذلك فكل من يطمئن في نفسه انه متمكن من الوصول الى المعارف الشرعية بطريقة مستقيمة وجدانا وعرفا فان ما يتوصل اليه هو معارف حقة ولا يحتاج الى شهادة شاهد او سماح سامح. ومن يتمكن من اثبات معرفة شرعية اصلية (نصية) او فرعية (دلالية) بطريقة عقلائية عرفية وجدانية مستقيمة فهو مثبت لها وما قام به اثبات وهو ليس مدع وليس عمله ادعاء، انما المدعي من يتعمد الكذب او ان يثبت بطريقة غير مستقيمة. ويعرف الانسان انه على طريقة مستقيمة من التحصيل بانه يتبع الطريقة العقلائية العرفية في تحصيل المعرفة العلمية وليس الظنية من مجموعة معلومات ومعطيات، فاذا وجد في نفسه انه استوفى الشرط العرفي العقلاني والوجداني في تحصيل المعلومات والمعطيات الكافية فانه يكون مثبتا ومحقا وصادقا الا انه ينبغي ان تكون معارفه علما وليس ظنا وبالطريقة المستقيمة وليس العوجاء.


اذن فالإثبات وظيفة كل انسان مؤمنا او غير مؤمن؛ عالما كان او غير عالم. وهو مثبت ومحق ان حقق المتطلبات العرفية والوجدانية والعقلائية لتحصيل المعارف العلمية من الادلة. ولا ريب ان الاثبات متفاوت بين الناس كما ان الاثبات في مختلف المسائل ايضا متفاوت بالنسبة للشخص نفسه. كما ان الادعاء احيانا مع علم أي متعمدا وأحيانا بجهل أي غير متعمد وهو أكثر وهذا باطل وان كانت النية حسنة. الا ان صفة (المثبت) و (المدعي) لا تكون مطلقة ولقبا للشخص، انما هناك مثبت لمسالة معينة ومدع لمسالة معينة، والشخص نفسه ربما يكون مثبتا في معرفة ومدعيا في معرفة اخرى. وكثرة اثبات الشخص للمسائل لا يعطيه لقب المثبت وكثرة ادعاء الشخص للمسائل لا يعطيه لقب المدعي.


الوحيد الذي هو مثبت مطلق في كل مسالة وفي كل حالة وقول هو الولي من نبي او وصي صلوات الله عليهما واما غيرهما فمهما بلغ من قوة اثباته وصحتها وثبوتها الا انه لا يوصف بالمثبت المطلق. انما هو مثبت نسبي. 


ان الفقاهة والعلم تستعمل احيا في الشرع بمعنى خاص يختلف عن الاثبات حيث يلحظ فيهما العمل بالشريعة في باقي جوانبها فالمثبت سواء كان تقيا في اثباته ام لا فانه لا يوصف انه فقيه بهذا المعنى الخاص ولا عالما الا إذا كان تقيا في باقي قضايا الشريعة. وكذلك المدعى وان كان غير تقي في ادعائه فانه لا يوصف بعدم العلم وعدم الفقاهة وعدم التقوى الا إذا كان غير تقي في غيره من المسائل. فالمؤمن المسلم الاصل فيه انه تقي ورع عالم فقيه، واخراجه من هذه الصفات يحتاج الى اثبات قوي متعدد وفي جوانب عدة، مما يحقق الضلال والفسق الذين يعتبر فيهما الشك والانكار فيكون ضالا فاسقا بعصيانه وتمرده وتصريحه بشكه وانكاره. وعند الاشتباه والشك في امره لا يساء به الظن ويحمل على محمل حسن حتى يتيقن ويقطع بشكه. ومن مصائب الدين ان المؤمن الذي يدعي معرفة معينة لشبهة يوصف بالكفر والفسق والضلال وهو عند الله مسلم مؤمن تقي الا انه مخطئ وقوله باطل. وأشنع من ذلك وصف المسلمين بذلك اعتمادا على الظن بروايات تنقل في كتب الرجال عن اناس يطعن فيهم من لم يرهم.


اؤكد ان الاصل في المؤمن انه عالم فقيه تقي كما وصف القران المؤمنين بذلك ولا يخرجه من ذلك مخرج الا شك صريح او انكار صريح لما يثبت عنده عن رسول الله صلى الله عليه واله، وليس فيما يثبت عن غيره حجة عليه. بل ان وصف المسلم بالضلال والفسق ينبغي ان يكون نسبيا ولا يساوى بفسق الكافر وضلاله كما ان المؤمن يوصف بالعلم والفقاهة ولا يساوى في علمه وفقاهته الولي. والحجة للعلم وللقران والسنة، وليس لمن لا يمتلك العلم الحكم على غيره. وفهم الاكثر ليس حجة، ليس لان الاكثر يفهمون بشكل خاطئ وانما لان الفهم الان للنصوص تدخلت فيه امور كثيرة اخرجته من حياديته وبساطته ونوعيته وعرفيته ووجدانياته، ان اغلب الفهم الان هو فهم موجه مقولب محاصر ولا يفلت منه الا من يتجرد ويتبع الفطرة والوجدان في الفهم بل ان بعضهم جعل فهم جهة معينة هو الحجة كفهم السلف او فهم ائمة المذاهب او ائمة اهل اصول الفقه واخيرا  فهم المشايخ و الاساتذة مخالفا بذلك ما هو وجداني وفطري من ان الحجة هو الفهم الوجداني اللغوي الخطابي البسيط، وبعد النص عنا لا يسلبنا الحق بالفهم.


ان فقاهة المسلم غير الولي وعمليته حق وصدق الا انها ليست كفقاهة الولي وعلمه لا كما ولا نوعا بل لا تصح المقارنة، ومهما بلغ المؤمن غير الولي من الفقاهة وعلم اعتقادا وعملا وقوة اثبات وشدة ورع فانه لا يقترب ابدا من ساحة فقاهة الولي ولا يختلط بها لأنها لا توصف ولا يحاط بها لان مدده مدد من عالم الاحاطة ومدد غيره مدد من عالم التسخير.


ان جميع الدلائل التي يعتمدها عاقل او متدين او متشرع تعلم وتقر و تسلم ان الخطاب الشرعي خطاب عامي، أي انه موجه الى العوام و اعتمد طريقة العوام في الفهم، وكثيرا ما يشار الى ذلك بانها طريقة العرف والعقلاء، و المقصود وجدان العامة و عرفهم في التخاطب. فالعقلائية هي الوجدان العامي بلا ريب وخصوصا باللغة التي هي من ارسخ واوضح المعارف الانسانية، ولو اردنا ان نفهم العقل وملامحه فعلينا ان ننظر الى جهتين في الوجود منطقية الظواهر و منطقية اللغة وكلاهما وجدانيا فالعقل عامي والفهم عامي، وكل ما في حياتنا مبني على العامية. والاختصاص يكون باختصاص المعطيات والمشاهد والادلة، والخطاب الشرعي بنصوصه القرانية السنية ليس اختصاصيا وانما هو عامي في دلالته وفي معارفه. اذن ففهم النص وفقهه أي فقه الشريعة هو فهم عامي يجيد كل عامي ولا يحتاج الى اكثر من الوجدان العرفي العقلائي العامية، والقول بان فهم النص الشرعي يحتاج الى معارف و مفاهيم اختصاصي او اصطلاحية كلام لا شاهد عليه بل الشواهد على خلافه. ومن هنا فالنص الشرعي او الدليل الشرعي عموما جاء بصورة عامية وفهمه و فقهه ايضا بصورة عامية ودلالته والاحكام المستفادة منه ايضا هي عامية، فالعامية متجذرة متأصلة في الشريعة ادلة وفقا واحكاما. وكل فهم عامي للنص هو فهم صحيح شرعي وحجة كما ان أي فهم اختصاصي اصطلاحي للنص الشرعي ليس فهما صحيحا.