عرض الحديث (12)
مناقشات حديث العرض - القسم الثاني
مناقشة
(11) قد يقال ان الاستدلال بهذه
الاحاديث قبل بيان حال السند هو من الاستدلال بالشيء على نفسه، اذ لا بد اولا
من اثبات حجيتها من دليل خارج. و فيه ان احاديث العرض ليست تأسيسية بل تطبيق لاصل
قرآني اعني المصدقية فهو الاصل والدليل، كما ان هذه الاحاديث مستفيضة بل متوترة معنى كما
ان مضمون العرض على القران و السنة متفق عليه بل مسلم عند الكل، هذا وان فيها ما
هو معتبر بالمصطلح حسنه وصححه البعض او نفى الخلاف فيه، وانه واضح الدلالة في
المطلوب بل من طريق الشيعة ثابت صحته ومن عدة طرق بل قيل انها مجمع عليها كما
بينا.
مناقشة
(12) قد يقال ان ردّ ما خالف القران مخالف
لروايات عدم جواز التكذيب وفيه ان روايات
العرض هي في ردّ وعدم قبول ما خالف القران و السنة اي عدم العمل وليس التكذيب الا
مع حصول الاطمئنان والعلم بالكذب. فلدينا اطمئنان بصدق وعدم اطمئنان بصدقه واطمئنان بكذبه، ففي الحالة الاولى يعمل به وفي الثانية لا يعمل
به لكن لا يكذب لانه لا علم بكذبه لكن في الثالثة لا يعمل به و يكذب. نعم اذا كانت
الرواية معارضة لمحكم القرآن معارضة تامة لا يمكن التوفيق بينهما جاز تكذيب تلك
الرواية للثابت من عدم مخالفة السنة للقرآن وهو صريح النص والفتوى من قبل الجميع.
مناقشة
(13) قد يقال ان اوامر العمل بالسنة مطلقة
فيجب العمل بما ليس له شاهد ولا معارض من القران. وفيه ان اطلاقات العمل يكون
بالسنة المعلومة اما الحديث الاحادي وان صحح سنده فان يكون من الظن. و القران امر
بالاخذ بالعلم ونهى عن الظن ، والسنة علم وليس ظنا، فما ليس له شاهد ظن ليس من
المامور الاخذ به. والتوهم الاكبر الذي وقع فيه من رفض حديث العرض هو المساواة بين
السنة والحديث واعتقاد ان العرض للسنة وان علمت وهذا ليس تاما، فالمعلوم من السنة
لا يعرض بل العرض للنقل الظني المنسوب للسنة.
مناشة
(14) قد يقال انه قد ثبت تخصيص الكتاب بالسنة و حكم السنة على ظاهر الكتاب، وفيه
ان هذا حق وليس موضوع العرض هو السنة اوما ثبت من الحديث المثبت للسنة، بل موضوع
العرض الاحاديث الظنية وما ينسب للسنة من ظن. فان العرض وظيفته اخراج الحديث من
الظن الى العلم بالمصدقية والشواهد، فاذا كان الحديث علما وثابتا فانه لا داعي
للعرض وجب العمل به. مع ان المعارف المتوافقة والمتناسقة لا تنتظم الا بعد نوع من
العرض لو كان ارتكازيا، وان كان خفيا لان العقل والادراك العقلي لا يسلم بالعلم
الا بعد الاستقرار والتوافق وهذا هو الاتساق المعرفي. ان من ابهر و اعظم معجزات
الشريعة الاسلامية انه ورغم العدد الهائل من معطياتها ومعلوماتها التي تتجاوز
الالاف فانها كلها متوافقة ومتناسقة مما يدل على انها من مصدر واحد وانها صدق وحق
لان من علامات الباطل والكذب التناقض وعدم الاتساق. كما ان اخبار القرآن بعدم
التناقض في معارف الشريعة وتاساقها وتصديق بعضها لبعض هو خبر بمعنى الامر بعدم قبول اي معرفة متناقضة وغير
متسقة، فلا يجوز اصدار فتوى لا تتسق ولا تتناسق مع ما هو معلوم من وثابت من
الشريعة فضلا عن المخالفة لها وهذه هي الاتساقية الشرعية. ويعتبر في جواز العمل
بالفتوى هو اتساقها مع الثابت المعلوم من الشرع. فلا يجب ابدا العمل بفتوى او
رواية لا تتسق ولا تتناسق مع ما هو معلوم
من الشرع مهما كانت اعلمية قائل الفتوى او صحة سند الرواية. بل لا يجوز
العمل بما يخالف ذلك.
مناقشة (15) قال في التوضيح ناقلا عن المصنف: فَصَارَ
الِانْقِطَاعُ الْبَاطِنُ عَلَى قِسْمَيْنِ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعًا
بِسَبَبِ كَوْنِهِ مُعَارَضًا . وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ الِانْقِطَاعُ
بِنُقْصَانٍ فِي النَّاقِلِ , وَالْأَوَّلُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ : إمَّا
أَنْ يَكُونَ مُعَارِضًا لِلْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ أَوْ
بِكَوْنِهِ شَاذًّا فِي الْبَلْوَى الْعَامِّ أَوْ بِإِعْرَاضِ الصَّحَابَةِ
عَنْهُ فَإِنَّهُ مُعَارِضٌ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ . فَلَمَّا ذَكَرَ
الْوُجُوهَ الْأَرْبَعَةَ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الِانْقِطَاعِ
الْبَاطِنِ , وَهَذَانِ الْقِسْمَانِ , وَإِنْ كَانَا مُتَّصِلَيْنِ ظَاهِرًا
لِوُجُودِ الْإِسْنَادِ لَكِنَّهُمَا مُنْقَطِعَانِ بَاطِنًا وَحَقِيقَةً . أَمَّا
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَلِقَوْلِهِ : صلوات الله عليه = يَكْثُرُ لَكُمْ
الْأَحَادِيثُ مِنْ بَعْدِي فَإِذَا رُوِيَ لَكُمْ عَنِّي حَدِيثٌ فَاعْرِضُوهُ
عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَمَا وَافَقَ كِتَابَ اللَّهِ فَاقْبَلُوهُ ,
وَمَا خَالَفَ فَرُدُّوهُ = فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ كُلَّ حَدِيثٍ
يُخَالِفُ كِتَابَ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحَدِيثِ الرَّسُولِ صلوات الله عليه
, وَإِنَّمَا هُوَ مُفْتَرًى , وَكَذَلِكَ كُلُّ حَدِيثٍ يُعَارِضُ دَلِيلًا
أَقْوَى مِنْهُ فَإِنَّهُ مُنْقَطِعٌ عَنْهُ صلوات الله عليه ; لِأَنَّ
الْأَدِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ لَا يُنَاقِضُ بَعْضُهَا بَعْضًا , وَإِنَّمَا
التَّنَاقُضُ مِنْ الْجَهْلِ الْمَحْضِ .
اقول ان هذا الكلام و ان كان في جانب كبير منه موافق و مؤيد لما نقول الا انه
بحث المعارضة صمن انقطاع واتصال السند كمدخل ومطلب محوري، اذا ان احاديث العرض
ناظرة الى المتن مستقلا بما هو معرفة ومعرضة بالكلية عن السند، و ثانيا ان جر هذه
الروايات الى مجال البحث السندي ليس صحيحا لما بينا من المشاكل والمخاطر المصاحبة
للمنهج السندي و جرح المسلمين.
اما قوله ان
المعارضة تعني انقطعا سنديا فهو قوي لان المعارضة تعني عدم قبول الخبر، و الموافقة
تعني الاخذ به وان لم يكن كما كان او وان لم يقله فالمعنى انك ستكون مصيبا بالعمل بالحديث المصدق
الموافق للقران وان لم يكن كما بلغك وهذا باب لنفي الحرج و التسهيل ورفع
العسر وهو ايضا يرجع الى جواز العمل بظاهر
الشريعة لان العلم بواقعها الحقيقي بشكل تام عسر ان لم يكن متعذرا الا على
المصطفين من اولياء الله تعالى. نعم عدم الموافقة تعني الانقطاع المعرفي والموافقة
تعني الاتصال المعرفي وهو من وجه يعني انقطاعا في الاتصال النقلي، فالصحيح هو الاعتماد
على الاتصال المعرفي لتبين الاتصال النقلي وليس العكس، وهو معنى حديث (إذا حدثتم
عني بالحديث فانحلوني أهنأه وأسهله وأرشده، فإن وافق كتاب الله فأنا قلته، وإن لم
يوافق كتاب الله فلم أقله)، وليس كما
توهمه البعض بانه وضع واحداث في الدين.
مناقشة
(16) الأحكام لابن حزم : أخبرني عمرو بن الحارث، عن الاصبغ بن محمد أبي
منصور أنه بلغه أن رسول الله (ص) قال: الحديث عني على ثلاث، فأيما حديث بلغكم عني
تعرفونه بكتاب الله تعالى فاقبلوه، وأيما حديث بلغكم عني لا تجدون في القرآن ما
تنكرونه به ولا تعرفون موضعه فيه فاقبلوه، وأيما حديث بلغكم عني تقشعر منه جلودكم
وتشمئز منه قلوبكم وتجدون في القرآن خلافه فردوه. قال أبو محمد: هذا حديث مرسل،
والاصبغ مجهول. وفيه ان هذا
الحديث غير مصدق بل مخالف للمصدق، فان
موافقة القران فسرتها الاحاديث المصدقة من انها ما عرفه القران والسنة وما كان له شاهد منهما و ما اشببههما و ما كان
عليه حقيقة و نور، وهذه العلامات هي الكفيلة التي تخرج الحديث الظني الى مجال
العلم، وهذه هي فائدة العرض، فمعنى موافقة القران اي انه يتوافق و يتناسق معه
بشاهد من اي شكل كان بحيث يكون هناك اتصاله به، و المخالفة انما تعني المعارضة
وتعني ايضا انه ليس في القران و السنة ما يشهد له ولو باي شكل. و العرض مختص
بالحديث الظني اي خبر الاحاد و لا يشمل الاحاديث الثابتة ولا السنة القطعية، لان
خبر الاحاد ظن و لا يصح العمل بالظن، و ما يصح العمل به من دون شاهد من القران هو
السنة القطعية و الثابتة، فاذا خرج الحديث من الظن الى العلم صار سنة و لم يحتج
الى شاهد من القران و السنة للعمل به ، و اما اذا كان الحديث ظنيا فانه يجب ان
يكون له شاهد من القران و السنة باي شكل كان لكي يصبح علما يعمل به و اما اذا كان
مخالفا فانه لا يعمل به بوضوح. و لا يقال ان عدم العمل بالخبر الاحاد الذي ليس له
شاهد هو مخالف للاموار القرانية بالعمل بالسنة فان اوامر القران امرة بالعمل
بالسنة وهي الحديث المعلوم و الثابت و ليس الظني بل القران ينهى عن العمل بالظن.
فعرض الحديث الظني على القران هو من فروع عدم جواز العمل بالظن.
مناقشة (17) قيل ان العرض يكون بعد ثبوت
الحجة اي صحة السند كما صرح الغزالي، و فيه المنع من ان الحجية هي صحة السند، كما ان احاديث العرض مطلقة بل بعضها ناص على عدم
الاعتناء بالرواي وهذا الاطلاق وعدم الاعتناء يصدقه اصول يتفرع عنها العرض؛ اهمها
اصالة صدق المسلم وتصديقه وهي لا تقبل تصنيف الرواة المسلمين الى الاقسام المعروفة
لا العلل التي يرد بها حديثهم، و العرض
متفرع عن اصالة حسن الظن بالمسلم وهي لا تقبل اتهام المسلم لقول قائل فيه ورد خبر
لاجل ذلك، و العرض متفرع عن اصالة الستر على المسلم وعدم تتبع عوراته وسيئاته وهذا
ما يفعله علم الجرح. و العرض متفرع عن اصالة عدم جواز العمل بالظن، فكان العرض واحراز
الشاهد والمصدق مخرج للحديث من الظن لاحراز العلم بالاتساق، من دون الحاجة الى
قرينة اخرى بما فيها صحة السند، والعرض متفرع عن اصالة نفي العسر والحرج وتتبع
اقوال الناس في الرواة عسر وحرج الا على قلة عارفة باحوال الرجال مع الاختلاف
بينهم. والعرض متفرع عن اصالة الاشتراك في التكليف فالعرض تكليف كل مسلم وليس
مختصا بفئة معينة عارفة باحوال الرجال ومقدمات اصولية معقدة.
هذا وان احاديث العرض مطلقة بل بعضها ناص على
عدم الاعتناء باحوال الرواة وهذا الاطلاق مصدق وعدم الاعتبار بحال الراوي مصدق
ايضا. فتم ان العرض يكون لكل خبر ينسب الى النبي صلى الله عليه و اله بطريقة عرفية
يقبلها العقلاء و لا يعلم كذبها، فما يكون بطريقة غير عادية من معجز او طريق غير
عرفي فانه لا يكفي الادعاء بل لا بد من العلم لان الاصول تنزل على ما هو معروف و
جاري عند العقلاء و وفق عرفهم. وفي الحقيقة و من جهة مدرسية و تفصيلية فان نقاشنا
مع متأخري الشيعة هو في اطلاق الخبر وانه شامل للحديث الضعيف حيث انهم يعلمون
بحديث العرض وهو ثابت عندهم وبطرق كثيرة منها الصحيح والمعتبر الا انهم يناقشون في
اطلاقه، ورغم انه خلاف سيرة متقدميهم فانا قد بينا ما هو نص في الاطلاق وما يصدقه
من اصول قرانية. و نقاشنا مع متقدمي الجمهور في ثبوته، و مع ان متأخري الجمهور
يذعنون له بالجملة بان السنة لا تخالف القران الا انا قد نقلنا عمن قوى الخبر وحسن
سنده و بعضهم طبقه واسس عليه الاسس. و في الحقيقة اهم ما دفع البعض للتوقف في الحخر
هو تبني فكرة جواز تخصيص القران بخبر الاحاد لتوجيهات ذكروها الا انها لا تثبت
امام الحق، فخبر الواحد ظن ولا يصح لا عرفا ولا عقلا ولا شرعا حكومة الظن على
العلم وقد بينا ضعف القول ان دلالة القطعي ظنية ودلالة الظني قطعية فانه محض ادعاء ولا مساعد عليه ولا شاهد له وهو شبيه
بالزخرف. بل الصحيح ان المعنى فرع المتن، فاذا كان المتن ظنيا فلا قوة للمعنى اكثر
من ذلك، اما ان كان المتن قطعيا صدورا فان المعنى يمكن ان يكون دلاليا قطعيا او
ظنيا. ان تاثر المعنى بقوة المتن يجعل من المستحيل عقلا تخصيص القطع بالظن، لذلك
فالكتاب لا تخصصه الا السنة المعلومة ولا يخصص باخبار احاد.
مناقشة (18) قال في كشف
الأسرار : قُلْنَا : هَذِهِ أَحَادِيثُ مَشْهُورَةٌ يَجُوزُ الزِّيَادَةُ
بِمِثْلِهَا عَلَى الْكِتَابِ وَلَا كَلَامَ فِيهَا إنَّمَا الْكَلَامُ فِي خَبَرٍ
شَاذٍّ خَالَفَ عُمُومَ الْكِتَابِ هَلْ يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِهِ وَلَيْسَ
فِيمَا ذَكَرْتُمْ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ
أَنَّ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَأُسَامَةَ رَحمهم اللَّهُ رَوَوْا خَبَرَ فَاطِمَةَ
بِنْتِ قَيْسٍ وَلَمْ يَخُصُّوا بِهِ قَوْله تَعَالَى { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ
حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ } حَتَّى قَالَ رَحمه اللَّهُ لَا نَدَعُ
كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا بِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي صَدَقَتْ
أَمْ كَذَبَتْ حَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ . قَوْلُهُ ( وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلوات
الله عليه تَكْثُرُ لَكُمْ الْأَحَادِيثُ ) الْحَدِيثُ أَهْلُ الْحَدِيثِ طَعَنُوا
فِيهِ وَقَالُوا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ يَزِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِي
الْأَشْعَثِ عَنْ ثَوْبَانَ وَيَزِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ مَجْهُولٌ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ
سَمَاعٌ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ عَنْ ثَوْبَانَ
فَكَانَ مُنْقَطِعًا أَيْضًا فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَحُكِيَ عَنْ
يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ وَضَعَتْهُ الزَّنَادِقَةُ ،
وَهُوَ عِلْمُ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ وَتَزْكِيَةُ الرُّوَاةِ
عَلَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ أَيْضًا ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { وَمَا
آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } فَيَكُونُ
الِاحْتِجَاجُ بِهِ سَاقِطًا عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُهُ وَالْجَوَابُ أَنَّ
الْإِمَامَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ
أَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِهِ ، وَهُوَ الطَّوْدُ الْمُتَّبَعُ فِي
هَذَا الْفَنِّ وَإِمَامُ أَهْلِ هَذِهِ الصَّنْعَةِ فَكَفَى بِإِيرَادِهِ
دَلِيلًا عَلَى صِحَّتِهِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى طَعْنِ غَيْرِهِ بَعْدُ ، وَلَا
نُسَلِّمُ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْقَبُولِ
بِالْكِتَابِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِيمَا تَحَقَّقَ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ الرَّسُولِ
صلوات الله عليه بِالسَّمَاعِ مِنْهُ أَوْ بِالتَّوَاتُرِ وَوُجُوبِ الْعَرْضِ
إنَّمَا يَثْبُتُ فِيمَا تَرَدَّدَ ثُبُوتُهُ مِنْ الرَّسُولِ صلوات الله عليه إذْ
هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ إذَا رُوِيَ لَكُمْ عَنِّي حَدِيثٌ فَلَا يَكُونُ
فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلْكِتَابِ بِوَجْهٍ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْآيَةِ
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا أَعْطَاكُمْ الرَّسُولُ مِنْ الْغَنِيمَةِ فَاقْبَلُوهُ
وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ أَيْ عَنْ أَخْذِهِ فَانْتَهُوا ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
وَالْحَسَنِ وَمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ هُوَ الْغُلُولُ ، وَقَدْ تَأَيَّدَ هَذَا
الْحَدِيثُ بِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ
النَّبِيَّ صلوات الله عليه قَالَ { مَا حُدِّثْتُمْ عَنِّي مِمَّا تَعْرِفُونَ
فَصَدِّقُوا بِهِ وَمَا حُدِّثْتُمْ عَنِّي مِمَّا تُنْكِرُونَ فَلَا تُصَدِّقُوا
فَإِنِّي لَا أَقُولُ الْمُنْكَرَ } وَإِنَّمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ بِالْعَرْضِ .اقول
يشير إلى ما ذكره البخاري في التاريخ الكبير
حيث قال : ( سعيد بن أبي سعيد المقبري أبو سعد قال : ابن أبي أويس ينسب إلى
مقبرة ، وقال غيره : أبو سعيد مكاتب لامرأة من بني ليث مدني . وقال ابن طهمان : عن
ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن النبي :
" ما سمعتم عني من حديث تعرفونه فصدقوه ". اقول وهو بالتوجيه المتقدم
يكون منتهيا الى العرض كما بينا. هذا وان عبد العزيز حكم بصحة الحديث هنا. كما انه
تفسيره لتعرفون وتنكرون بالعرض متين.
مناقشة (19)
قيل ان العرض تعطيل للشريعة برد السنة او الخبر الحجة. و فيه ان كل من قال بالعرض
فانه يؤمن ان العرض انما هو للحديث الظني الذي ليس هناك قرينة توجب الاطمئنان به
بل ان بعضهم خصه بالحديث الشاذ، واما السنة الثابتة او الحديث المعلوم فانه لا
يشمله العرض وليس موضوعا له. ومع ان اكثر من قال بالعرض ابقوا على اعتبار الصحة اي
ان العرض يكون بعد الصحة فاننا قد بينا ان الاحاديث مطلقة بل بعضها ناص على ان
العرض للخبر الضعيف فان وافق القران فهو حجة ولا يختص بالخبر الصحيح، و على كلا
القولين ليس هنا تعطيل للسنة بل ان في قولنا توسعة بالعمل بالسنة لا يؤثر الا عن
متقدمي الاصحاب. هذا وان الخبير يعلم ان من يتهمون الغير بتعطيل السنة فان الخبر
الحجة عندهم اخص من الخبر الصحيح و لخبر الصحيح اخص من خبر الراوي الحجة و خبر
الراوي الججة اخص من خبر الثقة وهذا من الواضحات ولذلك فان كثيرا من الاخبار التي
لها سشواهد واضحة وطرق متكاثر ترد بسبب ها التضييق حتى انه الاف الاحاديث لا يسلم
منها الا قليل ليس لان المسيلمين قد اكثروا الكذب ولا ان اكثر المسلمين متهمون او
ليسوا اهلا لنقل الحديث بل لان اصحاب الاصطلاح ضيقوا على انفسهم و شددوا في العمل
بالاخبار. و ليحكم المنصف من هو الذي عطل السنة ورد الروايات الثابتة مع ان
الشريعة عدلت من كان ظاهره حسن وقبلت شهادته واوصت بتصديق المسلم و حسن الظن به و
عدم اتهامه الا ان البعض يجعلون خلاف ذلك هو الاصل في المسلم و خبره، فالمسلم متهم
عندهم و خبره مردود الا اذا احرزت فيه وفي خبره شروط لو عددناها لتجاوزت العشرة. ولا بد من الاشارة ان حجية الخبر عند اهل السنة
اخص بكثير جدا من حجية الشهادة وان حجية الرواية اضيق بكثير من حجية المسلم العدل،
و من يحاول ان يظهر انهما متساويان فاما انه متوهم او يحاول ان يوهم ليخفف الوطأة.
مناقشة (20) قد يقال ان العرض يخضع التقييم الى عوامل فردية واختلافات
في التقييم لامكان الاختلاف في تمييز الشواهد والمصدقات. و فيه ان الرد اللغوي والتمييز
للشاهد المعرفي من الامور الفطرية والعرفية الراسخة التي يكاد ان يكون الاختلاف فيها
معدوما وهي لا تعتمد على مقدمات معقدة او تحتاج
الى بحث وتدقيق منطوي على اختلافات وعدم يقين ، بل الرد والعرض يكون مباشرا على الفهم
العرفي العادي للنص، و هل الحياة الا قائمة على الفهم العرفي للنص، و لو كان هناك اختلافات
لما قامت الحياة. ان الحياة قائمة على اللغة و التخاطب وان اكثر شيء ضبطه الانسان في حياته هو الفهم والتخاطب
حتى ان يسره وعفويته هي كالاكل و الشرب، و لو عددنا ما هو ملازم لحياة الانسان
لكان اربعة الاكل والشرب والهواء والكلام. فهذا التخوف او الاعتراض لا يرد. و يشهد
لذلك سرعة الاتفاق بين جماعة على الموافقة والمخالفة و سرعة تولد الشك او
الاطمئنان للاخبار . وهذا ايضا يمنع و يكشف الزيف و التزييف الذي قد يميل نحوه البعض
لاجل اهواء او اغراض. و كل متتبع يعلم ان هذه الفوائد الحقيقية والجوهرية لا تتوفر
في اي منهج قرائني اخر غير العرض بما فيها القرائن السندية بل ان من اعقد واظلم واتعس
القرائن هو القرائن السندية والدليل ان الاختلافات فيها مستمرة لمئات السنين و
الطريق مسدود لرفعها.
مناقشة
(21) قد يقال ان الموافقة هي مطلق التوافق فيكفي عدم المانع ولا يجب الشاهد . و
فيه اولا: ان الموافقة بمعنى عدم المخالفة ليس فهما لغوبا عرفيا واضحا بل فهم
منطقي دقي والتخاطب واللغة والنصوص امر عرفي، و العرف اللغوي لا يرى نصا موافقا
لنص الا بوجود شبه ومشاكلة و مماثلة بينهما وليس مطلق عدم المخالفة، بل ان لم
يجدوا الشاهد والمصدق و التشابه والتماثل فانهم يحكمون بالغرابة والبعد ان لم يكن
مخالفة. و ثانيا: ان من احاديث العرض ما دل على ان الموافقة هي خصوص الشواهد والمصدقات
وانه الحقيقة و النور. ثالثا: ان الغرض من العرض هو تحقيق الاطمئنان واخراج الحديث
الظني الاحاد من الظن الى العلم ولا ريب ان مجرد عدم المخالفة لا يحقق ايا من ذلك،
فالحديث غير المخالف والذي ليس له شاهد هو ظن ولا يصح اعتماد الظن. ورابعا: ان
حديث العرض لم يكن تأسيسا لسلوك او منهج منقطع عن المعارف القرانية الاخرى بل هو
فرع المصدقية و مصداق تطبيقي لها بل هو في الحقيقة تطبيق من السنة لما جاء به
القران من المصدقية فيحمل عليها. و خامسا ان الغرض من العرض هو تحقيق اتصال معرفي
بين المعارف الشرعية ومن دون الشواهد المصدقات فانه لا اتصال بل يكون هذا انقطاع.
وسادسا: وان العقلاء – بالرد العقلي- لا يحكمون بالتوافق والتناسق بين شيء وشيء الا بوجود شيء من التشابه بينهما واما ان غاب ذلك فانهم يحكمون بالغرابة. فالحكم
بالموافقة و المخالفة هو قريب من الحكم بالقرابة و الغرابية، ومن دون شبه او مماثلة
– اي شاهد و مصدق- فانه لا يحكم بالقرابة بل يحكم بالغرابة.
مناقشة (22)
قد يقال ان اعرض الاعلام و خصوص المتاخرين مع قوة تحقيقاتهم وضبطهم للمسائل ورث
عدم الاطمئنان لمنهج العرض و دلالات ادلته. وفيه انه هذا الكلام على اطلاقه غير
تام بل الاتفاق حاصل بين جميع علماء المسلمين على عدم جواز تبني ما يخالف القران،
و لا تجد مسلما فضلا عن عالم يقبل بمعرفة مخالفة للقران، و هذا في حقيقته من العرض
والرد. كما ان الاتفاق حاصل على عدم جواز العمل بالظن، و من يعمل بخبر الاحاد
الصحيح السند مطلقا فلانه يرى سببا لاخراجه من الظن، و نحن حينما نمع من العمل
بخبر الواحد غير المصدق ليس لانه خبر واحد بل لانه ظن وان صح سنده لاننا نرى ان
صحة السند ليست مخرجا له من الظنية. فاعتماد المتاخرين على السند لاجل الوثوق
بالخبر انما هو لاجل اخراجه من ظنيته، وهذا من المنهج القرائني. بمعنى ان هناك
اتفاقا اجماليا على وجوب وجود قرينة لاجل اخراج الحديث من الظن الى العلم واختار
اهل السند السند كقرينة لاخراجه وكان عند المتقدمين قرائن اخرى غير السند توجب
الاطمئنان فيعملون بالخبر وان كان ضعيفا لاجل تلك القران. ونحن نقول ان القرينة
النافعة لاجل اخراج الحديث من الظن الى العلم هو المصدقية وان يكون له شاهد في
المعارف الثابتة وهذا هو الاتصال المعرفي في قبال الاتصال السندي عند اهل السند،
فالخلاف تطبيقي اكثر ما هو تنظيري والخلاف طرفي اكثر مما يكون مركزيا. ان
المتأخرين اعرضوا عن القرائنية المعرفية ( الاتصال المعرفي) لاجل امور اهمها ما
تقدم من تضعيف الحديث ووصفه بالوضع و عدم استظهار المصدقية من القران، وقد عرفت ما
في كل ذلك ولانهم وجدوا المشهور مقبلين على القرائنية السندية ( الاتصال السندي )
والكثرة لها تأثير على الحركة العلمية والتعلمية مع انه من الواضح وجود العاملين
بمنهج العرض كثر وقد نقلنا كلماتهم، وعلى راسهم السلف الصالح من اهل البيت صلوات
الله علبيهم و الصحابة رضي الله عنهم واهل التفسير من الفريقين واهل الاصول من الجمهور واهل الحديث و متقدمي
فقهاء الخاصة وعلى راسهم الطوسي و الطبرسي رحمهم الله تعالى.
ان الاعراض عن منهج العرض من قبل المتاخرين قد جاء لاسباب دراسية وتعليمية
و تقليدية كما لا يخفى .و انما المتأخرون اختاروا القرينة السندية كما بينا لاجل الاطمئنان للحديث مع ارتكاز
الموافقة عندهم الا ان هذا ليس محصنا فلا هو يؤدي الى اطمئنان حقيقي لجواز الخطأ
بل والكذب على الراوي الصادق و لامكان ظهور من يتبنى معرفة مخالفة للقران بتاويل
او باغراض اخرى وثالثا ان السندية لا تمنع الفرقة بل بتقسيمها الرواة هي من
اسبابها اضافة الى حقيقة انه ليس هناك مستند ظاهر للمنهج السندي. اما منهج العرض
فانه اضافة الى تجاوزه كل ذلك فان الدلائل
واضحة على شرعيته من القران وعمل السلف به وانه المنهج الحق.