عرض الحديث (21)

 

مناقشة (19) قيل ان العرض تعطيل للشريعة برد السنة او الخبر الحجة. و فيه ان كل من قال بالعرض فانه يؤمد ان العرض انما هو للحديث الظني الذي ليس هناك قرينة توجب الاطمئنان به بل ان بعضهم خصه بالحديث الشاذ، و اما السنة الثابتة او الحديث المعلوم فانه لا يشمله العرض و ليس موضوعا له. ومع ان اكثر من قال بالعرض ابقوا على اعتبار الصحة اي ان العرض يكون بعد الصحة فاننا قد بينا ان الاحاديث مطلقة بل بعضها ناص على ان العرض للخبر الضعيف فان وافق القران فهو حجة و لا يختص بالخبر الصحيح، و على كلا القولين ليس هنا تعطيل للسنة بل ان في قولنا توسعة بالعمل بالسنة لا يؤثر الا عن متقدمي الاصحاب. هذا و ان الخبير يعلم ان من يتهمون الغير بتعطيل السنة فان الخبر الحجة عندهم اخص من الخبر الصحيح و الخبر الصحيح اخص من خبر الراوي الخجة و خبر الراوي الخجة اخص من خبر الثقة وهذا من الواضحات ولذلك فان كثيرا من الاخبار التي لها سشواهد واضحة و طرق متكاثر ترد بسبب ها التضييق حتى انه الاف الاحاديث لا يسلم منها الا قليل ليس لان المسيلمين قد اكثروا الكذب و لا ان اكثر المسلمين متهمون او ليسوا اهلا لنقل الحديث بل لان اصحاب الاصطلاح ضيقوا على انفسهم و شددوا في العمل بالاخبار. و ليحكم المنصف من هو الذي عطل السنة و رد الروايات الثابتة مع ان الشريعة عدلت  من كان ظاهره حسن وقبلت شهادته و اوصت بتصديق المسلم و حسن الظن به و عدم اتهامه الا ان البعض يجعلون خلاف ذلك هو الاصل في المسلم و خبره، فالمسلم متهم و خبره مردود الا اذا احرزت فيه و في خبره شروط لو عددناها لتجاوزت العشرة ، و لعلم و ان كان يعلم ان حجية الخبر عند اهل السنة اخص بكثير جدا من حجية الشهادة و ان حجية الرواية اضيق بكثير من حجية المسلم العدل، و من يحاول ان يظهر انهما متساويان فاما انه متوهم او يحاول ان يوهم ليخفف الوطأة.

مناقشة (20) قد يقال ان العرض يخضع التقييم الى عوامل فردية و اختلافات في التقييم لامكان الاختلاف في تمييز الشواهد و المصدقات. و فيه ان الرد اللغوي و التمييز للشاهد المعرفي من الامور الفطرية و العرفية الراسخة التي يكاد ان يكون الاختلاف فيها معدوما  هي لا تعتمد على مقدمات معقد او تحتاج الى بحث و تدقيق و منطوي على اختلافات و عدم يقين ، بل الرد و العرض يكون مباشرا على الفهم العرفي العادي للنص، و هل الحياة الا قائمة على الفهم العرفي للنص، و لو كان هناك اختلافات لما قامت الحياة. ان الحياة قائمة على اللغة و التخاطب  ان اكثر شيء ضبطه الانسان في حياته هو الفهم و التخاطب حتى ان يسره و عفويته هي كالاكل و الشرب، و لو عددنا ما هو ملازم لحياة الانسان لكان اربعة الاكل و الهواء و الكلام. فهذا التخوف او الاعتراض لا يرد. و يشهد لذلك سرعة الاتفاق بين جماعة على الموافقة و المخالفة و سرعة تولد الشك او الاطمئنان للاخبار . وهذا ايضا يمنع و يكشف الزيف و التزييف الذي قد يميل نحوه البعض لاجل اهواء او اغراض. و كل ممتبع يعلم ان هذه الفوائد الحقيقية و الجوهرية لا تتوفر في اي منهج قرائني اخر غير العرض بما فيها القرائن السندية بل ان من اعقد و اظلم و اتسع القرائن هو القرائن السندية و الدليل ان الاختلافات فيها مستمرة لمئات السنين و الطري مسدود لرفعها.

مناقشة (21) قد يقال ان الموافقة هي مطلق التوافق فيكفي عدم المانع و لا يجب الشاهد . و فيه اولا: ان الموافقة بمعنى عدم المخالفة ليس فهما عرفيا واضحا بل فهم منطقي دقي و التخاطب و اللغة و النصوص امر عرفي، و العرف اللغوي لا يرى نصا موافقا لنص الا بوجود شبه و مشاكلة و مماثلة بينهما و ليس مطلق عدم المخالفة، بل ان لم يجدوا الشاهد و المصدق و التشابه و التماثل فانهم يحكمون بالغرابة و البعد وهذا جار في كل اشكال الرد العقلي فان العقلاء لا يحكمون بالتوافق و التناسق بين شيء  وشيء الا بوجود نوع او شيء من التشابه بينهما  واما ان غاب ذلك فانهم يحكمون بالغرابة. فالحكم بالموافقة و المخالفة هو قريب من الحكم بالقرابة و الغرابية ، و من دون شبه او مماثلة – اي شاهد و مصدق- فانه لا يحكم بالقرابة بل يحكم بالغرابة. و ثانيا: ان من احاديث العرض ما دل على ان الموافقة هي خصوص الشواهد و المصدقات وانه الحقيقة و النور. ثالثا: ان الغرض من العرض هو تحقيق الاطمئنان و اخراج الحديث الظني الاحاد من الظن الى العلم ولا ريب ان مجرد عدم المخالفة لا يحقق ايا من ذلك، فالحديث غير المخالف و الذي ليس له شاهد هو ظن و لا يصح اعتماد الظن. ورابعا: ان حديث العرض لم يكن تأسيسا لسلوك او منهج منقطع عن المعارف القرانية الاخرى بل هو فرع المصدقية و مصداق تطبيقي لها بل هو في الحقيقة تطبيق من السنة لما جاء به القران من المصدقية فيحمل عليها. و خامسا ان الغرض من العرض هو تحقيق اتصال معرفي بين المعارف الشرعية و من دون الشواهد و المصدقات فانه لا اتصال بل يكون هذا انقطاع.

مناقشة (22) قد يقال ان اعرض الاعلام و خصوص المتاخرين مع قوة تحقيقاتهم و ضبطهم للمسائل ورث عدم الاطمئنان لمنهج العرض و دلالات ادلته. وفيه انه هذا الكلام على اطلاقه غير تام بل الاتفاق حاصل بين جميع علماء المسلمين على عدم جواز تبني ما يخالف القران، و لا تجد مسلما فضلا عن عالم يقبل بمعرفة مخالفة للقران، و هذا في حقيقته من العرض والرد. كما ان الاتفاق حاصل على عدم جواز العمل بالظن، و من يعمل بخبر الاحاد الصحيح السند مطلقا فلانه يرى سببا لاخراجه من الظن، و نحن حينما نمع من العمل بخبر الواحد غير المصدق ليس لانه خبر واحد بل لانه ظن وان صح سنده لاننا نرى ان صحة السند ليست مخرجا له من الظنية. فاعتماد المتاخرين على السند لاجل الوثوق بالخبر انما هو لاجل اخراجه من ظنيته، وهذا من المنهج القرائني. بمعنى ان هناك اتفاق اجمالي على وجوب وجود قرينة لاجل اخراج الحديث من الظن الى العلم واختار اهل السند السند كقرينة لاخراجه و كان عند المتقدمين قرائن اخرى غير السند توجب الاطمئنان فيعملون بالخبر وان كان ضعيفا لاجل تلك القران. ونحن نقول ان القرينة النافعة لاجل اخراج الحديث من الظن الى العلم هو المصدقية وان يكون له شاهد في المعارف الثابتة وهذا هو الاتصال المعرفي في قبال الاتصال السندي عند اهل السند، فالخلاف تطبيقي اكثر ما هو تنظيري و الخلاف طرفي اكثر مما يكون مركزيا. ان المتأخرين اعرضوا عن القرائنية المعرفية ( الاتصال المعرفي) لاجل امور اهمها ما تقدم من تضعيف الحديث و وصفه بالوضع و عدم استظهار المصدقية من القران، وقد عرفت ما في كل ذكل و لانهم وجدوا المشهور مقبلين على القرائنية السندية ( الاتصال السندي ) والكثرة لها تأثير على الحركة العلمية و التعلمية مع انه من الواضح وجود العاملين بمنهج العرض كثر وقد نقلنا كلماتهم، وعلى راسهم السلف الصالح من اهل البيت صلوات الله علبيهم و الصحابة رحمهم الله تعالى واهل التفسير من الفريقين  و اهل الاصول من الجمهور و اهل الحديث و متقدمي فقهاء الخاصة و على راسهم الطوسي و الطبرسي رحمهم الله تعالى.

 الاعراض عن منهج العرض من قبل المتاخرين فقد جاء بسبب اسباب دراسية و تعليمية و تقليد كما لا يخفى .و انما المتأخرون اختروا القرينة السندية  كما بينا لاجل الاطمئنان للحديث مع ارتكاز الموافقة عندهم الا ان هذا ليس محصنا فلا هو يؤدي الى اطمئنان حقيقي لجواز الخطأ بل و الكذب على الراوي الصادق و لامكان ظهور من يتبنى معرفة مخالف للقران بتاويل او باغراض اخرى و ثالثا ان السندية لا تمنع الفرقة بل بتقسيمها الرواة هي من اسبابها اضافة الى حقيقة انه ليس هناك مستند ظاهر للمنهج السندي. اما منهج العرض فانه اضافة الى تجاوزه  كل ذلك فان الدلائل واضحة على شرعيته وعمل السلف به و انه المنهج الحق.