معارف الفقه العرضي \ درس 2

 مبدأ الجهوية 

المعرفة هي علم بالحقيقة، ولحقيقة ان الحقيقة لها جهات متعددة للعلم بها فان جهة المعرفة بالحقيقة المعينة تؤثر في طبيعة معرفتها أي في صورتها المعرفية وهذا هو مبدأ (جهوية المعرفة)). احيانا يظهر الناس مختلفين بخصوص حقيقة لكن في الواقع هم غير مختلفين فيها وانما هم مختلفين من زاوية النظر اليها وتصوراتهم ربما كلها صحيحة. ومن هنا قبل الحكم بتحقق الاختلاف لا بد من ضبط وحدة جهة النظر الى الموضوع. 

ان المعنى هو مجموعة دوائر اتصافية مفردة او مركبة تتكون منها مجموعة من الدوائر الفهمية هذه الدوائر تحقق اشكالا من الادراك مختلفة في البعد التصوري للشيء ، وهناك جهات للمعنى والادراك ينطلق من عنصر المشاهد وليس من منطقة التحليل لذلك فالمعنى يمكن ان يكون ما يرى او يسمع او ينظر اليه او يصور اي انه ما يتصور من جهة معينة لذلك فالشيء الواحد له معان مختلفة بل وتعاريف مختلفة باختلاف الجهة، وفي الحقيقة حينما نقول ان الشيء يعني لمختلفين معان هو تعريفه الوظيفي لهم فهناك تعريف حقائقية كلي وهناك تعريف جهوي وظيفي، والمعنى يمكن ان يكون باي من تلك التعاريف وهناك قسم مهم من المعنى هو المعنى التخاطبي الذي لا يأخذ من المعنى الا جهة النظر اليه والوظيفية بغاية الاخطار والاشارة باي طريقة تمكن من احضار الشيء و يمكن ان نسميه التعريف التخاطبي في قبال التعريف المفهومي.

ان هذه الحقيقة أي جهوية المعرفة مهمة جدا في تحقق الصراع البشري، ودليل واضح على ان المعارف المجردة أمور صعبة التحقق لذلك لا بد من الاتجاه نحو توحيد المعارف الجهوية بدل البحث عن معارف عليا موحدة لا يبدو واضحا نفعها، انما النفع في التعامل مع المعارف الجهوية وتوحيد النظر اليها. ان اهم أساس للعلم وعلمية المعرفة هو اعتماد الجهوية والكف عن قصد الحقائق المجردة.

البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:

عدم قبول معارف شرعية مختلفة من جهة واحدة.







مبدأ العصمة 

لكل معرفة محور لا يقبل الشك والاختلاف، وهو العاصم بخصوص تلك المعرفة، واعتصام المعرفة بالمحور مقصد عقلائي بل وفطري تقوم عليه معارف البشرية وهذا هو مبدأ (عصمة المعرفة). فالسعي نحو العصمة مطلب عقلائي بل فطري الا انه يصطدم بعوامل نفسية تشوش العقل وتبعده عن غاياته.

والشريعة نوع من المعرفة وهي تسعى نحو العصمة لذلك لقد امرت الشريعة بالاعتصام بحبل الله وهو ما يعصم المعرفة الشرعية، ومن مصاديقه واهمها هو المعارف المحورية الاساسية في الدين المعلومة قطعا وباحكام والتي غيرها يرد اليها والتي يمكن ان نسميها ام المعارف الشرعية وهي معصومة لأجل حقيقية علميتها فاذا رد الحديث الى ام الشريعة فانه يعتصم ورده بان يعلم له شاهد منها، والاعتصام فعل لا يتأخر نتيجته فيكون الحديث معصوما وتكون المعرفة التي تستفاد منه معصومة، ومن هنا فالفهم الذي له شاهد ومصدق من محور الشريعة من النص المعلوم هو معرفة معصومة قد اعتصمت بأمّ الشريعة فصارت معصومة أي علمها حقيقي وليس ادعائيا. وحينما يتفرع المتفرع من أصل معصوم بتفرع له شاهد ومصدق من محور الشريعة فانه يكون معصوما ومنه فتوى المفتي الذي يتفرع بتفرع معتصم من الاصل النصي المعتصم. وهذا هو الاستنباط المعصوم. لكن هذه العملية تصطدم بعقبات إجرائية كثيرة تضعف تحققها أهمها عدم الاقتناع بغاية عصمة المعرفة عند الناس.

البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:

عدم قبول معارف شرعية غير معتصمة بما ثابت.

مبدأ الخصائصية 

المعارف حقول ليس من جهة الموضوع بل من جهة الخصائص وهذا هو مبدأ خصائصية المعرفة وهو غير الحقول المعرفية، فالحقول تتوزع بحسب الموضوعات بينما الخصائص بحسب الصفات والخصائص. ولحقيقة ان المعارف الشرعية معارف متميزة وذات صبغة متميزة ولها خصائص مميزة فان النسبة اليها لا بد ان تكون بصورة خصائصية وانتمائية وتشابهية وتماثيلة، وهذا هو جوهر اشتقاق المفاهيم الشرعية وتميزه بانه ذا خصائص وتميزات معرفية خاصة تعرف بالتشابه وعدم الاختلاف والتصديق. 


البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:

عدم قبول معارف شرعية لا توافق خصائص ما هو ثابت من جهة موضوعها الخاص ومن جهة معارف الشريعة بشكل عام، لا بد من المشابهة في الخصائص (الصبغة).






مبدأ وحدة المحل

العقل الوجداني يبني المعارف بشكل مرتب ومتناسق ومنتج ولذلك هو ينفي الاختلاف والاحتمال والتعدد فدوما هناك معرفة واحدة ممكنة لشغل الاستفادة فأي إدراك سواء كان بنص او غيره فان الاستفادة هي متاحة لعنصر معرفي واحد. وإذا مثلنا للاستفادة بالمحل او المكان وعنصر المعرفة هو الحال فيه او الشاغل له فانه دوما هناك محل واحد لا يتسع الا لشاغل واحد أي عنصر معرفي واحد، وهذا هو مبدأ وحدة المحل. فمهما تعددت الأدلة واختلفت فليس هناك الا واحد ممكن للعقل قبوله وهذا يبطل واقعية التوقف والتخيير، فتكن امورا ظاهرية. ويكون تعيين ذلك الاختيار الواحد بواسطة وسائل العرض. فلا تعدد وإذا اراد التغيير فلا بد ان يستبدل المعرفة التي شغلت المحل وليس هناك طريق اخر.  فالعقل يجعل مكانا فارغا يقبل عنصرا واحدا لأنه يريد ان يتقدم بواسطته في بنائه والبناء العقلي دائما طولي في الجهة الواحدة وانما العرضية تكون بجهة اخرى والجهة حقيقة هي المحل المتميز. 

هذا في جهة العمل اما في جهة العلم والاعتقاد فالامر اوضح بالمنع من التوقف والتخيير ليس شرعا فقط بل عرفا ووجدانا. والحديث كله من جهة الاحكام وليس من جهة متعلقاتها فالحكم الواحد المشتمل على تخيير لا يحتاج الى اكثر من محل.


البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:

عدم قبول شرعنة الاختلاف او التمهيد للاختلاف بل لا بد من توحيد المباني والمعارف كوكون الانتهاء الى معرفة موحدة أصل.



مبدأ وحدة الشاغل

كل محل متميز معرفيا هناك عنصر واحد يشغله. ولهذا فعرض المعرفة وتعريف المعرفة ومعرفة المعرفة لا تقبل الا شكلا واحدا فلو جاءت أحاديث بألفاظ متعددة وقد علم وحدة الجهة من حيث المتكلم والتكلم فان العرض لا يقبل الا لفظا واحدة هو ما يكون له شاهد معرفي وغيره يصبح معتلا. الشريعة  معرفة والمعرفة كالواقع لا تقبل التعدد وكون دليل الشريعة قولي و مفاهيمه اعتبارية لا يجوز القول بإمكان التعدد كما ان في الشريعة أصولا عامة معلومة تفضيلية  كاختيار الأسهل والأهنأ و الايسر ونحو ذلك من الاصول التي تعين الاختيار، لذلك لا يكون هناك دليلان موافقين للمعارف الثابتة ، بل دوما هناك واحد وهو صاحب الشواهد، ومن هنا فإمكانية ان يكون هناك نصان متعارضين وكلاهما موافقان للقران والسنة لا مجال له لان المعرفة لا تتعدد حتى ظاهرا ولأنه لا بد ان احدهما له شاهد ومصدق يعينه فيكون هو الشاغل الوحيد للمحل الوحيد المتاح وهذا هو مبدأ وحدة الشاغل.  

ان المعرفة لا تتعدد والعرض العرفي الصحيح لا يجعلها تتعدد ومن هنا فلا تصل النوبة الى التوقف او التخيير بل دوما هناك تعيين. فاذا عرض عليك حديثان متقاربان فعليك ان تختار الموافق للأصول من حيث اليسر والسهولة وهو المتعين. كما ان المعرفة تستدعي العمل فكل ما علمت عملت ولا يتأخر العمل لاحتمال وجود معارض الا انه حين يعلم المعارض ويترجح يجب تعديل المعرفة والاعمال السابقة صحيحة وهذه هي سهولة الشريعة وسعتها. ان الفقه العرضي كفوء جدا في تعيين ما يجب ان يشغل المحل الواحد فلا يبقى مجال للتوقف او التخيير. فالتوقف والتخيير من مقولات الفقه الاصولي وليس الفقه العرضي.   والحديث كله من جهة الاحكام وليس من جهة متعلقاتها فالحكم الواحد المشتمل على تخيير لا يحتاج الى اكثر من محل.


البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:

عدم قبول تعدد المعرفة لا دليلا ولا دلالة ولا مدلولا ولا مجال للتوقف او التخيير.








مبدأ الأثرية 

من الراسخ في وجداننا وفي الواقع ان هناك أشياء نعلم بوجودها حتما وواقعا الا اننا لا ندركها كمادة وهذا ما نسميه (العلم الاثري) أي العلم بالشيء بأثره في قبال العلم الصوري أي ما يكون له صورة في اذهاننا. ان من إمكانات العقل الجبارة انه يمكن ان يدرك أشياء بأثرها من دون ان يتصوره وهذا غالبا ما يشار اليه في الشرع المعرفة بالآيات والدلائل والمعرفة بالقلب في قبال الحس. وفي الحقيقة هو ليس في قبال الحس وانما في قبال التصور الشكلي. بل في الحقيقة لا يذعن العقل لوجود صورة من دون إثر فحتى ما لا يدرك أثره من الأشياء الصورية يفترض العقل ان له اثرا وان لم يدرك، فهذه الاثرية مترسخة في المعرفة، فالإدراك اما اثري وهو موافق للغاية المعرفية او صوري وهذا ان لم يدرك له اثر افترض له اثر غير معلوم وهذا هو مبدأ الاثرية في المعرفة.

 ان العقل يمكنه ان يذعن بوجود شيء لا يدرك له أي صورة ان كان له وجود وحضور مؤثر بما لا يمكن دفعه ومن هذه المعارف هو المعرفة بالله فان العقل يدرك وبقوة وجود الله تعالى بدلائله واثار فعله في واقعنا الا انه يعجز عن تصور صورة له.   كما ان الراسخ في وجدان العقل ان ما يدرك أثره ولا يدرك صورته هو من العجز تجاه قوة وجوده وليس ضعف وجوده، فهذه الموجودات التي لا تدرك الا بالأثر هي وجوديات جبارة يقر العقل بالعجز تجاهها بل أحيانا يعبدها وهذا هو أحد أسباب الشرك وهو ان العقل يعلم بوجدانه وجود شيء له إثر في حياته الا انه يريد ان يعطيه صورة فيجعل صورة تمثيلية. والشرع أدرك خطورة ذلك فنهي عن تمثيل الله تعالى باي مثل وهذا من الدلائل الحقيقة على سماوية الشرع الإسلامي لبلوغه حقيقة عميقة في الإنسانية لا يتوصل اليها العقل. ان النهي عن تمثيل الاله بمثال ناتج عن عمق المعرفة بحقيقة الانسان التي يعجز العقل عن معرفتها وهذا بسبب احاطة علم الله بالأشياء وقصور العقل في الإحاطة.


البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:

عدم قبول معارف شرعية ليس لها صورة او ليس لها إثر. ووجوب اثبات المعرفة بأثرها وان لم تدرك صورتها.



مبدأ الجمالية 


الواقعية هي معرفة وجدانية بانتظام الكون وتناسقه، وهذا التناسق والتناغم هو الذي رسخ مبدأ العدل والاعتدال في وجداننا، وهما مصدر الاخلاق والضمير الإنساني الذي هو تفاعل بين الانسان المبني على المنفعة والذاتية وبين التناسق والتناغم، وهذا هو البعد الجمالي للأخلاق فالجمال هو المولد للأخلاق. ولهذا فالواقع والمعرفة به لا تقبل الا الجميل ومنه الأخلاقي وهذا هو مبدأ جمالية المعرفة.

وما يحصل من اضطراب جمالي أي بحدوث قبح فان الواقع والعقل سيكافح لإرجاع الوضع الى حالته الجمالية المستقرة والله تعالى يتدخل لاجل اعانة الانسان على ارجاع الوضع وواقعه الى وضعه الجمالي والأخلاقي ومنها ارسال الرسل. فالجمالية غاية الوجود والواقع والمعرفة والوجدان لا يقبل باستمرار اختلالها لأنه خلاف غاياته أي خلاف وجداننا وخلاف تناغم معارفنا ولهذا كل معرفة يمكن للعقل قبولها لا بد ان تتصف بالجمال، ومنها المعارف الشرعية فكانت الجمالية اصلا في المعارف الشرعية فلا يقبل العقل معرفة تنسب للشرع لا تتصف بالجمال. ان القبح خلاف الوجدان وغريب عن طبيعة الانسان ولكي يألف الانسان الظلم والقبح فانه يحتاج الى تربية منحرفة كبيرة وهذا ما يهبط بالإنسان الى مستويات لا تليق به واهم اشكال القبح المخالف للجمالية المعرفية هو انكار الخالق وعدم شكره.  


البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:

عدم قبول معارف شرعية غير جميلة. أي معرفة تنسب للشرع، وهكذا الكلام في الباقي.











مبدأ الحكمة 

الكون الذي نعيش فيه قائم على النظام والاحكام ودوما يتجه الى الاستقرار، وبسبب أمور واضحة تظهر حالات الشر والضرر، اما حالات الشر -وهو الفعل غير الأخلاقي - فهو بسبب فعل الانسان واختياره الاناني، واما الضرر الذي يكون بفعل الطبيعة فهو بسب حالة التداخل بين الأشياء، أي بأسباب فيزيائية تفاعلية بين الأشياء تكون حتمية ناتجة عن طبيعة الاشياء. وكلاهما الشر الأخلاقي والشر الطبيعي أمور يختبر فيها الانسان. لكي يجتنب الشر بكل انواعه ويحاول ازالته ويصبر عليه ان حصل. وكون الانسان مخلوقا للاختبار وان هناك دوما مراقبة لفعله من المعارف الوجدانية الراسخة مما يدل على ان تلك الأمور التي تبدو مخالفة للحسن من الحكمة التي اودعها الله في الكون واشيائه وإنها من ارادته تعالى في الكون لاجل اختبار الانسان.  ان إدراك الحقيقة الاختبارية للخلق الانسان مهم جدا لفهم الكثير الحكمة في الأمور الكونية وان خلق الله تعالى الكون بحكمة لاجل الانسان معرفة راسخة وخلقه الانسان بحكمة لاجل الاختبار الانسان وهذا هو مبدأ حكمة المعرفة. فحتى خلق الضرر والشر هو لحكمة ومن احكام الكون، فالكون كله محكم وكله خير حتى ضرره وشره والمعرفة بالكون وبالأشياء تتصف بالحكمة أيضا ولا يقبل العقل السليم معرفة مخالفة للحكمة.

البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:

عدم قبول معارف شرعية غير حكيمة.


مبدأ العقلائية 

  العلم مقدمة من مقدامات المعرفة. فالعلم هو معرفة حقائق مستقلة بالخارج لا يمكن للعقل انتاجها، وحينما تكتشف بالعلم تصبح مادة ومعرفة متاحة يجري عليها العقل عملياته، ولا معرفة متاحة الا بادراك عقلي. وهذا هو مبدأ عقلائية المعرفة. 

ان الاستنتاج العقلي هو في الواقع اجراء عقلي على معارف معلومة. وبمعنى اخرى الادراك المباشر للأشياء بالحواس هذا علم وليس عملية عقلية وانما العقل يستقبل هذا العلم ويجري عليه عمليات التحليل. ومن هنا يتبين ان الحقيقة العلمية حقيقة مستقلة بالوجود في خارج النظام العقلي. اما الحقيقة العقلية فهي كل معرفة مستفادة من العلم أي كل ما يحلله العقل ويتوصل اليه من علاقات. وبينما الحقيقة العلمية بسيطة وطريقيه ومجردة عن العمل العقلي فان الحقيقة العقلية حقائق معرفية نهائية ومرتبطة بتاريخ الانسان وارثه الشخصي. فالحقائق العلمية نوعية وصفية بينما الحقائق المعرفية فردية تحليلية. 

لكن لا بد من التأكيد ان الحقيقة العلمية ليست فقط حسية وانما اثرية، أي يعلم الشيء بأثره والحقيقة الاثرية حقيقة علمية وليست عقلية كما يعتقد ويشار اليه عادة، فالمؤثر يدرك علما كاملا حقيقا وان كان لا يحس، وبعد ان يدرك ان العقل سيجري عليه عملياته. ومن هنا فالإمكان العقلي والاستحالة العقلية هي امور حقيقية لها وجود في الخارج الا انها غير مستقلة.


البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:

عدم قبول معارف شرعية غير عقلائية.


عقلائية الشريعة

الشريعة معرفة بشرية والمعرفة البشرية من مقوماتها انها عقلية ليس لان العقل هو اداة الادراك فقط وانما لان العقل هو الميزان لاجل قبول الخارج والاذعان له. لا يمكننا باي حال من الاحوال فصل الانسان عن عقله لان العقل هو الوجدان والوجدان لا يمكن ان يتخلف نعم يمكن ان يقهر لكن لا يتخلف وبالطريقة السوية الفطرية، فلا بد ان يكون كل شيء موافقا للعقل والوجدان ومنه الشريعة. من هنا فكل نقل ينسب الى الشريعة يخالف العقل لا يقبل وكل فهم لنص مخالف للعقل لا يقبل وكل تفريع من أصل نصي ينبغي ان يكون بقوانين العقل السليمة أي العقلاء، فالدين حقيقة كامل بالقران والسنة بإذعان العقل وتفريع العقل. لا يمكن باي حال من الاحوال التقليل من شان العقل في الشريعة الا انه يستنير بعلم النص لان الشريعة علم والعقل يتنور بالعلم. 

بالعلم الانسان يكتشف الاشياء في الخارج والعقل يجري عليه عملياته الادراكية من رد وعرض وتحليل. لذلك فالعلم يمكن ان يدعي لكن العقل لا يدعي الا انه قد يُخدع بالعلم. ومن هنا تبرز ضرورة اعتماد الوجدان والفطرة السليمة والنقاء الأصلي للإنسان بدل المصطلح التخصصي العلماء والذي قد يصنع الزخرف العلمي المضلل أحيانا.


العقل التمييزي هو آلة الرشد والادراك وهو ليس فقط يدرك الاشياء كصور وعلاقات بين الاشياء وليس فقط يمكنه ان يخترع علاقات ويحلل ويضيف ويحذف، وانما هناك صفة واضحة ومتميزة في العقل التمييزي هي احكامه الوجدانية الانسانية او الضمير الانساني وهو احكام الحسن والقبح وهي علاقات معرفية راسخة جدا وعميقة جدا في التجربة الانسانية. وكلما كانت المعرفة عميقة كانت أكثر حاكمية على غيرها وكلما كانت راسخة كانت اصدق من غيرها. 

 البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:

عدم قبول معارف شرعية غير عقلائية.





مبدأ المنطقية

المعرفة البشرية معرفة منطقية ولا تقبل بغير المنطقي، فلكل شيء تبرير وتعليل وان جهل فهو محفوظ لها، ومن ذلك المعارف الشرعية التي هي أساس الحكمة وهذا هو مبدأ منطقية المعرفة. ان الله يريد من المؤمن ان يمثل نموذج الحكمة والمنطق. لذلك جعل شريعته قائمة على الحكمة والمنطق والفطرة. فينبغي للمؤمن ان يظهر بأعلى درجات المنطقية لكيلا يبدو منفصلا عن الحقيقة وانه يعيش منعزلا في الخيال. ان ظهور المؤمن بصورة الشخص اللامنطقي يضر به وبالدين. وحينما يجمع العقلاء على أمر منطقي لا ينبغي للمؤمن بحجة الايمان والتعبد ان يظهر بصورة الشخص اللامنطقي. ويعارض منطق العقلاء.



البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:

عدم قبول معارف شرعية غير منطقية.












منطقية الشريعة 

مبدأ التناسب هذا يجعل الاصل في المعارف الشرعية المنطقية ولا يكتفى فيها بالظن. لذلك فهكذا نوع من معارف إذا جاءت بطرق ظنية فأنها في منهج العرض لا تصلح لمعارضة المعروفات والمعهودات من معارف وتكون هي الثابتة، فهكذا اخبار تبقى ظنا فلا تفيد علما ولا عملا.

ان عامل الاعتدال المعرفي والمنطقية المعرفية محفوظة في الشريعة حيث ان لكل موضوع مجال من المعارف المحمولية محدود وفق الشواهد والمصدقات والخروج عنه هو لغرض تمييزي بين علم الخالق وعلم المخلوق وقدرة الخالق وقدرة المخلوق. وهكذا معرفة استثنائية – كاسر للمنطقية ظاهرا- لا بد فيها من معارف قطعية من محكم قراني ومتفق سنة او ما يتصل بهما اتصالا معرفيا وثيقا بحيث يعد منها واليها وهو اعلى درجات المصدقية والشواهدية، حيث ان للمصدقية والشواهدية درجات وهنا يطلب اعلاها لاجل ما تقدم. ان المنطقية محفوظة في الشريعة ولا تكسر واقعا وانما قصور المتلقي يظهر له عناصر تخرج عن تلك المنطقية المعرفية لكن في الواقع لا خروج عنها.


البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:

عدم قبول معارف شرعية لا تتصف بالمنطقية.




مبدأ الأخلاقية 


إدراك البعد الاخلاقي للوجود مهم وهو وجداني وفطري. فان هذا الكون لا يقبل بشكل دائم الا حالة الوجود الأخلاقي، لذلك حينما تختل الاخلاق يكون هناك تدخل لاجل التصحيح والرجوع الى المستوى المستقر. وبهذا يمكن تفسير ارسال الرسالات السماوية. كما ان الوجود يسعى نحو علاقات ذات بعد اخلاقي ايجابي فان تلك العلاقات تسعى نحو وجود اقوى وأكبر والحال بالعكس بالنسبة للعلاقات ذات القيمة الاخلاقية السلبية فان الوجود يسعى الى اقل مقدار منها فغايتها الوجودية اقل مقدار من الوجود والظهور. كما انه يمكن فهم فعل الخير وقوى الخير بانها عوامل لظهور اقوى للعلاقات الاخلاقية وان فعل الشر وقوى الشر بانها عوامل لظهور العلاقات الاخلاقية. هذا الفهم الاخلاقي للشر والخير مهم جدا في المعرفة. ومن هنا يعلم ان كل ما في الوجود محكم وواضح حتى العناصر اللاأخلاقية والقوى الشريرة، فان وجودها ليس نفسي بل غيري للاختبار، وان غاية الوجود. ويمكن وصف حالة الوجود ان للكون او الطبيعة عقلا اخلاقيا يسعى الى اقل مقدار من الشر وان هناك قوى غريبة لا عقلانية تسعى الى اظهار الشر في الكون. فاللاعقلانية واللاأخلاقية هي قوى الشر وهي التي تعارض غايات الوجود وسعيه نحو التكامل الاخلاقي. فالموجودات في الكون والعالم والطبيعة تسعى نحو تكامل اخلاقي. والحكمة في ذلك الدافع اللاعقلاني الغريب الشيطاني هو لأجل الامتحان والاختبار. وبهذا يكون الوجود كله محكم وتشابه وجود الشيطان ينحل الى الاحكام بوضوح حكمة وجوده الاختبارية الامتحانية.  العنصر اللاأخلاقي هو الشر الحقيقي اما ما يصيب الانسان بفعل العقوبة الاخلاقية وبسبب ما يحصل من امور طبيعية فأنها ليست شرا بل هي فرص للعمل الاخلاقي. ان هذا البعد الأخلاقي التكويني في الكون أيضا متجذر ومتجسد في المعرفة به فما المعرفة الا صورة امينة غايتها الحقائق وهذا هو المبدأ الأخلاقي للمعرفة.

البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:

عدم قبول معارف شرعية غير أخلاقية.




أخلاقية الشريعة


الكمال الأخلاقي للحكم الإلهي يجعل الاخلاقية مقومة للمعرفة الشرعية فلا تقر معرفة شرعية الا إذا كانت اخلاقية، كما انها تنهي أي مناقشة في نسبية الاخلاق واكتسابها فهي امر فطري وجداني راسخ تعرف به الاشياء وليس يعرف بالأشياء. والأخلاقية الراسخة في الوجدان الإنساني يكشف أيضا عن إنسانية الشريعة وتقوم معارفها بها.  وكل متتبع للتشريع والمعارف الدينية عموما يدرك وبعمق البعد الاخلاقي والإنساني الذي تقوم عليه الشريعة والعقلانية والاخلاقية المبثوثة في المعارف الشرعية، فمهما كان الحكم الشرعي جزئيا فانه دوما يتسم بالبعد الاخلاقي، والدلائل على هذا القول ليس فقط نصية حكمية تنص على اخلاقية الشريعة وانما ايضا تطبيقية عملية. إدراك المقوّم الأخلاقي والإنساني للمعرفة الشرعية له أهمية من الجانب التطبيقي للعرض والرد لان الدليل الشرعي نقل ويتأثر أحيانا في ظرفه الذي قد يكون فيه تأثير لا أخلاقي فيسقط على النص ويحور بما يناسب ذلك فيجب على العارض الا يقبل أي نقل يخالف الأخلاقية والإنسانية..


البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:

عدم قبول معارف شرعية غير أخلاقية.




مبدأ الفلسفية

فلسفة المعرفة مقدمة ضرورية لها ويمكن ان تخدم العلم. كما انه من المفيد الكتابة في فلسفة الشريعة ومن ثم تقيم تلك الفرضيات الفلسفة فيثبت منها ما هو علم فينسب الى الشريعة وما هو ليس بعلم فيبقى في فلسفة الشريعة ولا ينسب اليها. ولا بد ان يشار الى ان كل معرفة تولد في العقل مجالا فلسفيا صغر او كبر، وهذا هو مبدأ فلسفية المعرفة.. ان الفلسفة ظن وليست حقائق ولا علما الا انها تكتب بمنطقية وتحاول ان تصل الى بيان وتفسير وتفصيل منطقي وان توصل الى فرضيات تقع في مجال نستطيع ان نسميه المعارف الظنية القريبة من العلم والتي بالأدلة العلمية تقبل او ترفض. وقد يقال لماذا تقترح المعرفة الفلسفية ومن ثم ينبغي ان تقيم؟ الا يكون من الحكمة التفرع من الدليل دوما من دون افتراض او اقتراح فان هذا عبث وتقوية للظن واغترار به؟ والجواب ان هناك شعورا انسانيا وجدانيا ان المعرفة الانسانية أكثر تقدما من علم الانسان وهذا تام الا ان اثبات تلك المعرفة يحتاج الى علم وليس فرضيات وتخيلات كما ان منطقية الطرح الفلسفية فيه حرية أكبر للفرضيات وهو ما يولد مصدرا ظنيا للمعرفة العلمية، وهذه خاصية فلسفة العلم انها تدور حول حقائق العلم وتحاول ان تكشف مناطق معرفية لا يلتفت اليها الطرح التقليدي. لكن من المهم والمهم جدا ان تلك الفرضيات الفلسفية تبقى فلسفي ولا تنسب الى العلم ولا تنسب الى الشريعة ولا يقال انها ما يستفاد من معارف الشريعة بل تبقى ظنا وفرضية وفلسفة حتى تثبت بالدليل الشرعي قبولها من عدمه. ولا يظن ان اثبات الفرضية الفلسفية المختصة بمعرفة علمية امرا ممتنعا بل هو امر يسر جدا بشرط ان تحقق تلك الفلسفة درجة الظن المنتمية الى تلك المعرفة أي ان تنطلق من ادلتها وليس فرضيات منعزلة. ففلسفة الشريعة يجب ان تنطلق من معارفها الحكمية والدليلة ثم يتم عرضها على البحث وعلى المعارف المعلومة ليتبين امكان إخراجها من الظن الى العلم.

فلسفة العلم ومنها فلسفة الشريعة لا يمكن ان تكون بذاتها علما ولا تكون من الشريعة ويمكن ان تكون من مقدماته أي المعارف القريبة منه ولا يصح ان تنسب اليه او تكون منه الا بإثبات تفرعها منه. فحينما تطرح معارف فلسفية بخصوص الحقيقة الشرعية فان ما يطرح حينها ليس من الشريعة ولا من حقائقها وكل الاحكام التي تفترضها ليست من الشرع الا انها تصلح لان تكون موضع بحث وتمحيص ولا يجوز نكران ان كثيرا من الحقائق العلمية كان اساسها الفلسفة، بل ان الفرضيات وهي معارف فلسفية من مقدمات العلوم الثابتة. ولهذا فمن المفيد ان تكون هناك فلسفة للشريعة وتطرح الافكار المنطقية المتناسقة المتوافقة بخصوص الحقائق الشرعية وبحث العمق المعرفي لجوانب كثيرة من الشريعة. ان وجود فلسفة للشريعة وفلاسفة شريعة مهم جدا وله فوائد بشرط التمييز بين علم الشريعة وفلسفتها وستكون مباركة.


البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:

الاهتمام بفلسفة المعرفة وعدم قبول معارف شرعية فلسفية غير مبرهن عليها.





مبدأ الإبداعية 

العقل مخلوق مبدع وكما انه يدرك الحقائق فانه ايضا يستطيع ان يبدع علاقات عقلائية عن الحقائق، وهذا كله من الابداعات العقلية بخصوص الاشياء وحقائقها وهذا هو مبدأ إبداعية المعرفة.  لكن هناك شكلان متميزان من الابداع العقلي بخصوص المعارف؛ الاول هو المعالجة التفرعية أي ان العقل يلتزم باتصال المعرفة بحيث انه لا يخرج من جوهر المعرفة فيشتق منها ما ينتمي اليها بشكل صادق كإدراك افراد العام ومصاديق الكلي ونحوهما من التفرعات وهذا التعامل هو (الابداع العقلي العلمي) مع الحقائق وهذا جائز في الشرع فانه يجوز عقلا وشرعا التفرع من النص بهذا النحو وهو من البيان والادراك المتكامل للحقيقة وليس من اقتراح شيء قبالها. والنوع الثاني من التعامل العقلي مع الحقيقة هو التعامل اللاتفرعي وهو اقتراح معارف غير مستفادة بالتفرع وهذا الابداع عقلي جميل ومحترم الا انه ليس عملا علميا، ووظيفته امران اما ان يكون مقدمة للحقيقة العلمية بإثبات التفرع او انه يقترح لأجله فيكون غايته نفسه وهو اما ان يكون بصيغة منطقية وهو الفلسفة او بصيغة غير منطقية تخيلية وهو الادب او الفن. ومن هنا فالعقل مبدع وخلاق معرفيا وهو اما يبدع العلم وهو تعامل تفرعي مع الحقيقة. او يبدع الفلسفة وهي تعامل لا تفرعي منطقي مع الحقيقة والادب والفن هو تعامل لا تفرعي تخيلي مع الحقيقة. ومن هنا فالعلم والفلسفة والفن ابداعات معرفية عقلية.

البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:

الاهتمام بإبداع المعرفة وعدم قبول معارف شرعية إبداعية لا برهان عليها.











مبدأ الادراكية 

العلم معرفة واقعية يدركها الانسان بعقله، والعقل ليس له قدرة على انتاج مثل هذه المعارف الواقعية، وليس للإنسان معرفة بالأشياء الا عن طريق الادراك العقلي وهذا هو مبدأ ادراكية المعرفة.

ان طريقة إدراك الانسان للواقع بطريقتين متميزتين الاولى هي الادراك المباشر والثاني هي الادراك غير المباشر، الادراك غير المباشر هو الخبر ويسمى عادة النقل والصحيح انه الخبر لان النقل هو وساطة لنقل الخبر وليس هو الخبر، فالنقل وسيلة توصيل الخبر والمصدر هو الخبر وهو الدليل عليها والتمييز بين الخبر والنقل في غاية الاهمية في المعرفة البشرية. والمصدر الاول والاهم هو الادراك المباشر وهو المعاينة أي الادراك الذي يكون بواسطة ادوات الادراك البشرية المباشرة سواء ادراكا حسيا او أثريا، وهذا يعني ان إدراك وجود المؤثر بالأثر هو إدراك معايني أصلي وليس فرعيا. وهذا الادراك الاثري واقع على الخارج بشكل مباشر من دون فصل وغياب بعض الاطراف عن الحس لا يعني انه إدراك فرعي فنحن ندرك الروح في الحي والعقل في المفكر وهذه ادراكات اصلية معاينية اثرية. اذن فمصادر العلم اما خبرية او معاينية والمعاينية تسمى احيانا بالعقلية وهذا خطا ناتج عن مقابلة النص الشرعي بالعقلي وكله تشوشي وانما هناك معاينة وخبر اي علم معاينة وعلم خبر ولا دخل للعقل فيهما.

البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:

عدم قبول معارف شرعية غير ادراكية سواء بالصورة او الأثر.


مبدأ ثناية الحقيقة والمعرفة

الشريعة حقيقة محفوظة مقدسة وانما نحن البشر نعلم بها ونعرفها، وعلمنا بالشريعة ليس هو الشريعة بل صورة الشريعة عندنا وهذا العلم غير معصوم ولا مقدس. فالشريعة غير العلم بالشريعة كما انه غير معرفة الشريعة، فالعلاقة بين الحقيقة الشرعية وعلمها ومعرفتها علاقة تباينية بنائية. فمعرفة الشريعة هي المنطلق، وبواسطة العلم نتجه نحو الحقيقة الشرعية، فيحصل انعكاس من الحقيقة الشرعية الى مجال العلم بها ثم الى معرفتها في الصدور وعند النفوس.  بعد العلم بالشريعة تتحقق معرفة بالأمور الشرعية وتترب في الصدور حسب الحقول وتميز بالخصائص والصفات. وهذا هو مبدأ معرفية الشريعة.

المعرفة الشرعية معرفة بشرية وتجري عليها جميع مبادئ المعرفة البشرية. وأحيانا تسامحا تسمى معرفة الشريعة بـ (الشريعة) وهي ليست الشريعة وأحيانا تسمى (علم الشريعة) وهي ليست علم الشريعة، لكن لاجل الغايات القصدية المطابقية فان الترادف التخاطبي جرى بين تلك العناوين وهو غير تام حيث أدى الى نتائج خطيرة أهمها انه أعطيت خصائص الشريعة من العصمة والقداسة الى المعرفة الشرعية فان هذا ممنوع ويجب بيان الفرق بينهما. فحرب المصلحون والمجددون بدواعي الاعتداء على الشريعة والانحراف.

البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:

عدم قبول مساواة الشريعة كحقيقة واقعية بالعلم بها والمعرفة بها. فمعرفة الشريعة غير الشريعة.