معارف الفقه العرضي \درس 1
المعرفة البشرية دوما هي انفعال بالأشياء، وليس للبشر ان يعرفوا ما لا
ينفعلون به من إدراك سواء مباشر بالحس او غير مباشر بالإخبار. وفي الواقع جميع
الادراكات ترجع الى الاخبار وان المعرفة تصور اخباري نهائي عن الأشياء وهذا هو
مبدأ شيئية المعرفة.
ان معرفتنا في الواقع تصور امين عن الأشياء، وسعي حثيث نحو ادراكها
بواقعيتها وحقيقتاها، الا ان ادراكها يكون دوما بمركزية الأشياء في علاقات. وقوة
العقل وقوة انتزاعه كعامل للتعامل يعطي تمييزا لأشياء اعتبارية وهذا وظيفي وليس
بحسب ادراكه الاساسي فان العقل لا ينتج حقائق ولا يولد اشياء انما هو يدرك ويميز
ويصنف وينتزع من الخارج، فالأحكام هي امور لها تشكل في الخارج وتتكثر بتكثر
مصاديقها، وامتثالها يكون بفعل خارجي شيئي، وكل معنى اعتباري ينحل بالنهاية الى
اشياء جوهرية حقيقة في علاقة وتلك العلاقة هي شيء خارجي وان كان غير مستقل وهو
متصور ومنتزع من وجود شيئي خارجي. فالاعتباريات ليست أمور جعلية فقط بل تشكلات
خارجية بين اشياء مستقلة ورابطة.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي
المعرفة ليست صنعا للأشياء بل كشف وانفعال بأشياء موجودة.
مبدأ الذواتية
ان المعرفة الشيئية تميز بين الأشياء كذوات، ومن الخطأ تصور مسمى من
دون ذات، فكل وضع لاسم هو وجود ذات. ومن الخطأ تصور ان هناك ذاتا ليس لها حقيقة
شيئية، بل جميع الذوات المعرفية لها حقائق شيئية, ان الانسان يعرف الأشياء بانها
ذوات في علاقة وحتى تلك العلاقة هي ذات في نهاية الامر وهذا هو مبدأ ذاتية
المعرفة.
الأشياء تدرك احيانا مستقلة وأحيانا غير مستقلة. فعندنا اشياء حقيقية
خارجية حقيقتها وخارجيتها مستقلة هي التكوينيات واشياء حقيقية خارجية حقيقتها
وخارجيتها غير مستقلة وتسمى الاعتباريات. لكن الاعتباريات أيضا أمور خارجية بل
وذوات ولها غايات ومقاصد اذ ان لكل ذات غايات واغراض ومقاصد. تكمن اهمية هذا
المبدأ الذاتي للمعارف ان إدراك الذاتية والحقائقية للشيء الاعتباري او الخارجي
تعطيه بعدا ذاتيا في الوجود وغاية وقصدا ووعيا، وقيمة اخلاقية. اذن لدينا موجودات
هي أشياء وكلها حقائق وكلها ذوات حتى الأوهام هي حقائق في نفسها وليست في الخارج.
اذن لدينا موجودات كلها أشياء وكلها حقائق وذوات ومنها ما هو مستقل خارجا هي
التكوينيات ومنها ما هو غير مستقل خارجا هي الاعتباريات. ولا ريب في ظهور القصور الاشاري للعناوين
الأخيرة لذلك يكون من المفيد تقسيم الأشياء الى مستقلات خارجية وهي التكوينيات
وغير مستقلات خارجية وهي الاعتباريات او الى ذوات مفردة وهي التكوينيات وذوات
مركبة أي أشياء في علاقة وهي الاعتباريات.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي
كل المعارف هو حقائق وذوات ومنها مستقل في الخارجي ومنها ما هو غير
مستقل.
مبدأ الحقائقية
معرفتنا تفاعل مع الموجودات، أي مع الحقائق الموجودة في الخارج وهذا
هو مبدأ حقائقية المعرفة. والوجود معرفة
حقائقية مفهومية تتقوم بطبيعة الموجود أي لا تنفصل ولا ينفك عن طبيعة الموجود
فانتزاعها ملحوظ فيه الموجود نفسه، وهذا ينقسم بانقسام الحقائق ويتكثر بتكثرها الا
ان المهم هو التمييز بين نوعين من الوجود الحقائقي أحدهما زماني حدثي وهو وجود
المخلوقات ووجود ازلي سرمدي لازماني هو وجود الخالق الله تعالى، فالله تعالى موجود
حقيقي خارجي لازماني ولا مكاني ازلي وهذا ما يتفرد به تعالى ولا يشاركه به شيء ولا
يتداخل معه شيء تعالى الله علوا كبيرا.
وهناك انتزاع معرفي للوجود نفسه يراد به صفة الموجودات بالفهم
الاخطاري من مفهوم الوجود أي المعنى الاشاري الالتفاتي وليس الحقائقي وانتزاعه لا
يلحظ فيه طبيعة الموجود ولا يتقوم بطبيعة الموجود وهذا لا يختلف بين موجود واخر
فهو واحد، وهو ي يرادف الشيئية فالله تعالى شيء وموجود كما ان غيره من الأشياء شيء
وموجود، وعلى هذا المعنى يجب ان يحمل قول من قال بوحدة فهي الكثرة بالمعنى
الحقائقي الخارجي.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي
ان جميع أجزاء ومكونات المعرفة تشير الى موجودات حقائقية.
مبدأ المعرفية
المعرفة هي ما يعرفه الانسان عن الأشياء، فهي التصورات المتكونة لدى
الانسان عن شيء بسبب من أسبابها من مشاهدة او إخبار او تأمل. والمعرفة والتصورات
مبدأها الادراكات الجزئية ومن خلال الادراكات ينتزع العقل تصورات جامعة عن الشيء.
ومن هنا تتضح العلاقة بين ثلاثة أمور هي المعرفة والعلم والحقيقة. فالحقيقة هي ما
موجود فعلا في الخارج، والعلم هو طريق معرفة الحقيقة والمعرفة هي صورة تلك الحقيقة
عند الانسان. وأحيانا يستعمل العلم بمعنى المعرفة وهو غير تام، فالعلم طريق المعرفة.
كما ان الواقع هو المعارف المكتسبة المتناسقة المشتركة بخصوص الأشياء وحينما تتبدل
معرفة معين تكون ظاهرية وتحل محلها المعرفة الجديدة الواقعية.
فلدينا مبدأ مهم هو مبدأ (تصورية المعرفة) بخصوص الحقيقة وليست هي
الحقيقة، الا ان المعرفة حق وواقع حتى ينكشف الخلاف فتصبح ظاهرا. ان هذا التمييز
مهم جدا في كثير من الأمور التي تخص تقييم الأشياء والاحكام. واهم هذه الأمور هو
الفرق بين الحقيقي والمعرفي، والواقع والظاهر والمقدس ومعرفة المقدس والشريعة
ومعرفة الشريعة. فالشريعة لها وجود حقيقي محفوظ لا يقبل الالتباس ولا الاختلاف ولا
التغير، بينما المعرفة بها غير ذلك، كما ان الشريعة مقدسة الا ان معرفتنا بها ليست
مقدسة.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي
التعامل مع المعرفة انها تصور عن الشريعة وليست الشريعة، والتمييز بين
الشريعة المقدسة المعصومة ومعرفتها البشري المتغير وغير المقدسة.
ان الإنسان يهتم بواقعية المعارف ولا يبدو واضحا اهتمام الناس بمعارف
عليا كلية او عقلية وانما يكون السؤال عنها من باب حب الاطلاع والا فان الصلابة
المعرفية البشرية هي في واقعية الأسباب والنتائج وهذا بسبب الغريزة الواقعية في
الانسان وهذا هو مبدأ (واقعية المعرفة). لهذا كان الايمان مستمدا من الواقع
والوجدان واهم أسباب الايمان بالغيب هو الواقع فالعقل لا يذعن لغيب ليس له حقيقة
او إثر واقعي، ولولا ان العقل يرى الواقعية في المعارف الشرعية الغيبية لما اذعن
اليها.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي
عدم قبول ما هو غير واقعي،
والواقعية تشمل الدلائل الواقعية على الفرضية.
واقعية الشريعة
كما اننا نعيش في واقع متجانس
متناسق فان المعرفة هي صورة لهذا الواقع ولا تقبل الا بالتجانس والتوافق ولا يعني
هذا معرفة الحكمة والسبب دوما بل يعني معرفة التناسب والتناسق دوما بل أحيانا لو
بينت وفرضت الحكمة في شيء وكان لا يتناسب وجوده مع غيره فان العقل لا يذعن. ان
التوافق والتناسب أكثر قوة واقناعا للعقل من التبرير. لذلك فالمعارف الغيبية التي
لا يوجد ما يدل عليها من الواقع فهذه كلها ظنون ومن هنا فشلت الفلسفة المثالية حينما
انفصلت عن الواقع والصحيح هو ان يكون الانسان واقعيا في فلسفته وفي معرفته،
والحقيقة هو ان جميع معارف الانسان الدينية وغير الدينية هي معارف واقعية ومن هنا
تجد الانسان لا يذعن بسهولة الى المعارف الخارقة للعادة وحينما تتعلق بالإعجاز
يطالب بدليل علمي وهذا من الواقعية فلا يكفي الظن في هكذا أمور وفي الحقيقة كل
معرفة لا تتوافق مع الواقع لا بد من دلائل قوية للقول بها لان اذعان العقل
للغيبيات لا يمكن ان يكون بالظن ولقصور محدودية العقل في الرد هنا فيكون الاعتماد
على الخبر ومن هنا فان من واقعية الشريعة الا يعتمد في الأمور الغيبية الا النقل
العلمي جدا.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية غير واقعية.
ان العقل البشري لا يقر الا بالمعرفة المستقرة، واما المعرفة القلقة
فلا يقر بها مهما كانت مصادرها، ولأجل استقرار المعرفة في العقل لا بد ان تكون لها
شواهد ومصدقات وان تكون في تناسق وتوافق مع باقي حقول المعرفة. فعدم الشواهد وعدم
المصدقات هو علامة المعرفة القليلة. وهذا هو مبدأ (اتساق المعرفة).
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي
عدم قبول معارف غير متسقة.
اتساقية
الشريعة
الشريعة كمعرفة هي منظومة معارف مستقلة لها مظهرها واستقلالها ولونها
المعرفي المتميز بخصائص واضحة وهي تستفاد من مواد الشريعة أي ادلتها والتي هي
القران والسنة، وتعتمد كما هو حال غيرها من معارف على التوافق والتناسق والتشابه
والاتصال والاعتصام. وتعرف المعرفة من كونها شرعية بعلامات التوافق والتناسق
والاتصال فتصبح علما وحقا شرعيا وصدقا واعتصاما. قد يعتقد ان الشريعة هي النص او
دلالته وهذا لا مجال له بل الشريعة معرفة مستقلة في مستوى خارج النص ودلالاته وان
كان النص ودلالاته مقدمة وطريق اليها، بل حينما يكون النص غير موافق للشريعة فانه
يعالج بطريقة او بأخرى حتى يتوافق وهذا بسبب استقلال الشريعة عن النص.
ان الاتساقية الشرعية لا تطرح الموافقة كحل لمشكلة العلم وانما تطرحها
كعلامة للعلم ولذلك فالمتسق والموافق هو العلم والصدق أي هو صورة الحقيقة وصورة
الواقع. ومن هنا فلا مجال لتقسيم المعرفة الى ظاهرية وواقعية من جهة الثبوت وانما
كل المعرفة الثابتة واقعية الا انها حين يتبدل العلم أي يتبين الخلاف فانه يتبدل
العلم وتتبدل المعرفة بالواقع. ان الحقيقة والواقع الشرعي محفوظ ومعصوم ونحن البشر
ليس لنا الا معرفته والعلم به وهذا العلم يمكن يتغير. ومن هنا يتبين ان الواقع
واقعان واقع حقائقي وواقع معرفي ونحن نتعامل مع الواقع المعرفي.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية غير متسقة.
مبدأ المعرِّفية
الانسان كائن واقعي، بمعنى انه يبني معارفه على منطقية واضحة وعلى
تناسق واتساق ولا يقبل التخلخل والوجود غير المبرر. لذلك فالإنسان دوما ينطلق الى
المعرفة مما لديه من معلومات ومعطيات ولا يبدأ بها من مكان منعزل، حتى الفرضيات هي
دوما تكون منتزعة من الواقع أي من خبرات الانسان. فالمشاهدة والادراك دوما تتأثر
بما هو معلوم سابقا، فالمعارف السابقة تؤثر في طبيعة المشاهدة او المعرفة الجديدة
أي الادراك الجديد وهذا هو مبدأ (معرفية المعرفة). ولذلك فالعقل يعرّف المعرفة ليعرفها ومن دون
تعريف بشاهد ومصدق فلا تعرف وهذه هي معرفة المعرفة.
ان العقل والوجدان لا يقبل الا بالعلم ولا يقبل الا بالمعروف عنده
والمعرَّف بمعرِّف ووجود الشاهد والمصدق يحقق تعريفا للمعرفة فبالضبط كما في
الاسماء هناك نكرة ومعرفة فان المعرفة منها نكرة ومنها معرَّف وكما ان هناك ادوات
لتعريف الالفاظ فان هناك ادوات معرفية لتعريف المعرفة وتعريف المعرفة يكون
بالشاهد. فنقول هذا معرفة معرَّفة بشاهد وهذا معرفة نكرة ليس لها شاهد معرف. تعريف
المعرفة بشاهد يؤدي الى معرفة المعرفة ويخرجها من النكارة. فالأصل في المعرفة
النكارة ولا بد من التعريف من معرِّف وهو الشاهد المعرفي.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي
عدم قبول معرفة غير معرفة بما هو ثابت ومعلوم من المعرفة الشرعية.
الفطرة البشرية واليقين المعرفي الوجدان الانساني والواقع العقلائي
تقر بوجود المعارف الغيبية الايمانية، وتأكيد الشرائع والاديان السماوية عليها ليس
لخلق واستحداث فهم جديد للواقع والمعرفة بل لتأكيد وتقرير تلك الحقيقة التي لا بد
منها. ان الغيبي يصدق الواقعي الشهودي، والدلائل والآيات قائمة وما كانت الشريعة
ولا غيرها من مصادر المعرفة ان تقول بالغيبيات لولا وجود الدلائل العقلائية
المصدقة الكافية جدا عليها ولوا ان تلك الغيبيات حقائق. والعقول التي انكرت تلك
الحقائق الايمانية الغيبة تعاني من اعتماد الظن وقصور معرفي وخلل وجداني وتحيز
معرفي وادلجة تفكيرية وليس لان الايمان امر مخالف للحسي والمادي، فالمقابلة بين
المادي الحسي والغيبي الايماني مقابلة لا تتصف بالعقلانية وفيها تحيز وادلجة غير
مبررة عقلائيا وان مال اليها كثير من منكر الغيب والايمان. ما موجود في المعارف
الشرعية هو بالضبط كهذا النظام فهناك معارف دينية لها رسوخ عند المؤمن يلحقها
بالشهود والعيان وهي محكم القران وقطعي السنة وهناك معارف دينية لها شواهد وآيات
يكون وصفها وحالها حال المعارف الغيبية الايمانية الآياتية.
الشواهد المعرفية المصدقة للخبر كفيلة بإخراجه من الظن الى العلم وان
هذا العلم تصديقي والمعرفة الحاصلة به صدق، وهذا ليس من التعبد او توسعة العلم
والصدق بل هو كشف واضاءة من المعرفة العرفية والعقلائية عميقة وراسخة في وجدان
العقلاء بالتصديق لما هو مستقبلي عن المشاهدة والعيان. وهذا هو مبدأ (تصديقية
المعرفة).
ان العلم والواقع الشرعي المتحقق بمنهج العرض هو تصديق وبيان الشواهد
والحجج والآيات التي في المعارف الراسخة كالشهود والعيان اي قطعي القران والسنة
على المعارف الاخرى التي هي بحال المعارف الغيبية والايمانية. وبهذا يتبين ان
العلمية والواقعية واليقينية التي يحققها العرض والتوافق والتناسب هي علمية
عقلائية عرفية وجدانية وفطرية ويقيني وواقع عرفي عقلائي ووجداني فطري وليس من
استحداث في البين.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية غير مصدقة بما هو ثابت ومعلوم.
مصدقية
الشريعة
المصدقية وعدم الاختلاف له
جذر عقلائي وهي من اهم الاسس لمنهج العرض حيث انها تتضمنه والآيات ظاهرة في ان
المضمون والمعرفة المصدقة لما قبلها ولما هو خارجها من معارف حقة امر معتبر في
الايمان وصدق المضمون وانه حق وعلم.
ان محورية القيمة المتنية للخبر مما يصدقه بل وأقره سلوك العقلاء في
تعاملاتهم والشرع جرى على ذلك، ولحقيقة كون الشرع نظاما له دستور وروح ومقاصد ورحى
وقطب تدور حوله باقي اجزائه وانظمته كان الرد والتناسق والتوافق اوليا واساسيا
فيه. فكل ما يخالف تلك الروح والمقاصد والثوابت لا يقر. ولا يتحقق اطمئنان او
استقرار انتسابي واذعان تصديقي الا بان تكون المعارف متناسقة متوافقة يشهد بعضها
لبعض وهذا مطلب عقلائي ارتكازي.
لا بد من التأكد والتذكير دوما ان الشرع نظام معرفي واضح المعالم
والحمد لله وهي حصانة له، وفيه معارف ثابتة قطعية لا يصح مخالفتها لأنه من نقض
الغرض ومن الاخلال بالنظام. فالأخبار
الظنية مهما كانت صحة سندها خاضعة لعملية الرد والعرض والى وجوب تبين مدى الموافقة
والتناسب ومدى الاقتراب من جوهر الشريعة او مدى ابتعادها وشذوذها. وهل يعرف غرابة
وشذوذ ما ينسب للشرع بظنون نقلية من تفسيرات لآيات او تأويلات او روايات احاد الا
من خلال الرد والعرض، بل ان سيرة المتشرعة حمل ظواهر الأحاديث المشكلة على ما
يوافق الثابت بل ان ظواهر الايات المتشابهة يحمل على محكمها، وهذا كله من تطبيقات
العرض والرد.
فالتقييم المتني متجذر وعميق في الوجدان الشرعي كما هو حال اي نظام
معرفي دستوري اختصاصي يحتكم الى عمومات وقواعد ثابتة ظاهرة هي روح النظام وجوهره
لا يقبل الا ما توافق معها ويرد ما خالفها، وعلى ذلك المعارف الشرعية الثابتة بل
الارتكاز الشرعي المصدق بسيرة العقلاء بل وفطرتهم. فمن الجلي جدا ان ما يخالف ما
هو قطعي من الشرع يكون مشكلا بل احيانا يحكم بانه منكر وأحيانا يحكم بانه كذب.
ولقد رد او كذب السلف والاعلام ومن لا يشك في ورعه وتقواه معارف كانت بهذه الصفة
ليس الا انهم طبقوا الرد والعرض.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية غير مصدقة.
كل معرفة يستقبلها الانسان يردها الى ما يعرف من معارف بعرضها عليها
وعلى قدر التوافق والتناسب يطمان لها والا كانت في حيز النكارة والشذوذ حتى يجد
لها تبريرا لتقبلها. عملية العرض هذا راسخة ومتجذرة في الادراك البشري الا انها
تجري بشكل غير محسوس والا فانه لا يتم إدراك أي معرفة صغرت او كبرت الا بإجراء
الرد عليه وهذا هو مبدأ (عرض المعرفة).
والشريعة تجري في هذا السياق فتعرض المعارف الجديدة على ما هو معلوم
من محكم القران ومتفق السنة التي هي اصول المعارف الدينية واليها يرد غيرها من
معارف سواء دلالات او نقولات فيكون عدم النكارة وعدم الشذوذ عاملا حاسما في تعيين
الحق والصدق.
إذا واجه العقل معرفة شاذة ليس لها شاهد او مصدق مما يعرف فانه يصفها
بانها غريبة، حيث ان للمعرفة حقول والرد اهم عوامل الاستقرار في المعرفة العقلية.
وتلك المعرفة الغريبة إذا كانت تخالف وبصراحة معارف معلومة فان العقل يصفها
بالمنكرة. فلدينا المعرفة الغريبة وهي التي ليس لها شاهد او مصدق فهي ظن، والمعرفة
المنكرة وهي التي تخالف ما هو ثابت من معرفة فهي كذب. هذا الفهم مهم جدا في أسس
عملية العرض الشرعي ومفهوم الموافقة في الفقه العرضي. فالموافقة ليس عدم المخالفة
بل الموافقة وجود شاهد ومصدق.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
وجوب عرض المعارف على بعضها وعدم قبول معارف شرعية الا بعد عرضها على
ما هو ثابت وتبين وجود شواهد لها.
عرضية
الشريعة
ان العقل البشري كفوء جدا في الرد المعرفي ككفاءته في تحصيل المعنى من
النص، رغم تعدد جوانب الملاحظة والمعاني التي تحضر عند الرد، وغالبا ما يحصل الرد
مباشرة عند تلقي المعنى فيكون هناك قبول او ارتياب او عدم تبين الحال. وهذا يعود
لسببين اولا كفاءة العقل في الرد وثانيا رسوخ المعارف الثابتة بخصوص المعارف
وخصوصا المعارف الدينية. ان عرض المعارف الجديدة على ما هو معلوم من الشريعة صفة
مميزة ومهمة لاجل حصول معارف متسقة متوافقة. ان الرد عملية عفوية عرفية عقلائية
بسيطة الا انه احيانا يلتفت اليها وتعتبر وأحيانا لا يلتفت اليها. منهج العرض
وتقييم النصوص بالعرض يعني الالتفات الى عملية الرد وليس القيام بها في الواقع.
ومن هنا فمنهج العرض ليس امرا غريبا على الوجدان والفطرة والعقلائية بل هو مصدق
ووجه لعلمية الرد العقلي. ما يحصل أحيانا هو تبريرا تدعي العلمية تتجاوز الرد الا
ان الوجدان يبقى غير مقتنع بما يترتب وينتج عن تلك الادعاءات ولو ان الفقه استمع
لصوت الوجدان ولداخل الانسان لما رغب عن منهج العرض ابدا.
قد بينت في منسابات كثيرة ان العرض يكون للمعرفة الظنية، وهنا امران
الاول الظنية للكلام المنقول لها جهتان الاول ظنية النقل وظنية الدلالة، اما ظنية
النقل فهي مختصة بالحديث ظني الصدور واما آيات القران والسنة المتفق عليها فليست
موضوعا للعرض بل هي ما يعرض عليه. والغرض هنا اخراج الحديث الظني الى حالة العلم
فيصبح حديثا معلوما بالتصديق والشواهد.
واما من جهة الفهم فالمعروض ايضا الفهم الظني، فالفهم فهمان فهم قطعي
متفق عليه بين المسلمين له أصل عرفي وعقلائي ومعرفي وفهم لا يتصف بذلك، الفهم
المتفق عليه لا يعرض بل هو ما يعرض عليه هو المعرفة المعروض عليها غيرها، وانما
العرض للفهم الظني. وهذا الفهم الظني قد يكون لنص قطعي كآية او حديث ثابت او لنص
ظني كحديث ظني الصدور.
حينما يبلغ العقل مضمون معين فانه يعرضه على ما يعرف، فان وجد له
شاهدا ومصدقا من المعارف التي عنده سابقا فانه يقر ويذعن بالنقل والظاهر والا توقف
او رفض المضمون. ان الاصل في النقل عند العقل هو الظن، فان وجد شاهدا ومصدقا صار
علما واقر والا بقي ظنا. ومن الواضح ان
القرآن الكريم ظاهر في ان الاعتبار بخصائص المضمون المنقول بالمطابقة للحق بعلامات
ذاتية، فيصح نسبة النقل الى النبي صلى الله عليه وآله بتحقيق صفات المصدقية
والموافقة للقران والسنة الثابتة.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية غير عرضية او تعارض عرض المعارف الشرعية على
بعضها.
مبدأ الخبرية
ان ما هو واضح للوجدان ان النفس باله العقل تتعامل مع الخارج او معطيات
الخارج باعتبارها اخبار عنه اذ ان التمييز بين الذات والخارج واحد وكل أدوات
الادراك وعملياتها العقلية تنتهي الى ان تلقي المعلومات عن الخارج يكون بنحو اخبار
الذات به، فالعقل يخبر بوسائله النفس عن الخارج ولا يختلف في ذلك أي شكل من اشكال
الادراك أي سبب من أسباب المعرفة المعروفة فجميها ينتهي الى الخبر، وهذا هو مبدأ
(خبرية المعرفة). فالخبر العرفي يكون بتوسط واسطة خارجية والخبر العقلي يكون بتوسط
العقل والادراك العقلي.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي
المعرفة بالنسبة للنفس هي اخبار سواء كان بواسطة او مباشرة بادراك
العقل. فلا بد من التثبت فيها دوما.
ان تأثر النفس بالخبر وتداخله مع الادراك المباشر وتأثيره عليه يشير
بقوة الى تداخل هذه المصادر عند العقل او بمعنى اصح عند الانسان (النفس)، وإذا
رجعنا الى وجداننا نجد ان الانسان يتعامل مع الجميع بشكل واحد وهو (الخبر) فكل
الوسائل والادوات الادراكية عند الانسان وعقله تنتهي الى عنصر واحد هو (الخبر)
فكما ان الكلام يوصل معرفة نقلية خبرية الى الانسان وعقله فان الحس والنظر واللمس
يوصل معرفة خبرية الى الانسان وعقله، فكل هذه اخبار. وهنا تبرز معرفة مهمة وهي
علاقة الذات بالعقل أي علاقة الانسان بالعقل، فالأنسان ليس العقل وليس عقلا في روح
وجسد، بل الانسان هو تلك الذات التي تستعمل العقل اداة للإدراك، فالعقل الة النفس
وليست هي النفس، ووجود معارف جمة نفسية (ذاتية) لا عقلية تؤثر على العقل بمصادر
معلومة وغير معلومة من غريزة وعاطفة وتكوينات روحية او جسدية أمور ملاحظتها بينة.
فالعلاقة بين العقل والنفس (الانسان) ان العقل أداة الانسان للمعرفة وليس هو الذات
ولا هو العارف بل العارف الانسان وليس العقل.
وهذا مبدأ (آلية العقل).
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي
العقل آلة الذات (النفس) لاجل المعرفة، وهو ليست الذات وليس النفس.
وللذات مصادر أخرى غير العقل.
تعرف الاشياء باعتبارها
موضوعات متصفة وتعرف الاحوال باعتبارها صفات. فمركز الاهتمام بالشيء بكونه متصفا
وعلى هذا الاشياء تميز بحسب الصفات كما انه يعطى لكل شيء احتمالا وتوقعا معرفيا
بحسب حقله الاتصافي. اذن التوزيع للمعارف في المعرفة في حقول اتصافية، فاذا جاء
خبر او معرفة بصفة تنتمي الى حقل اتصافي لا يتناسب مع الحقل المعتاد لذلك الموضوع
أي الشيء فان الانسان يعتبر تلك المعرفة غريبة وشاذة. ان تأريخ المعرفة بشيء يؤثر
بشكل قوي جدا على كل معرفة ممكنة بحقه وهذا هو مبدأ (تأريخية المعرفة) والذي يبرز
فيه قوة تأثير الحقل الاتصافي للشيء وتأريخه المعرفي في كل ما يمكن ان يعرف عنه
مستقبلا. ان المعرفة المستقبلية عن الشيء تتأثر بشكل قوي بماضيه ولأجل تجاوز هذا
التأثير لا بد للمعرفة الجديد ان تحقق درجة من العلم تمكن الانسان من الاقتناع
والاذعان بها. وهذا ما بين مركزية وقوة
الرد المعرفي في الموضوعات الشرعية وما يشابهها من معارف لها دستور ومحور وتاريخ
اتصافي.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
لا بد من عرض المعرفة الجديدة المتعلقة بموضوع على تاريخه المعرفي.
ان الواقع واحد والحقيقة لا
تختلف، ووسيلة العلم بها لا تختلف، كما ان الدليل عليها لا يختلف. ولأجل التوحد في
كل تلك الأطراف الخاصة بالمعرفة فان المعرفة البشرية يجب ان تكون موحدة وهذا هو
مبدأ (توحد المعرفة) ومنه (توحد المعرفة الدينية). اذن من اين يأتي الاختلاف في
المعارف؟ الاختلاف يأتي بسبب اعتماد الظن اي العمل بالظن، لو ان الناس اقتصروا على
العلم في تعاملاتهم لما حصل اختلاف. اذن الحل في رفع الاختلاف هو ترك الظن واعتماد
العلم في كل صغيرة وكبيرة في المعرفة، لان العلم لا يختلف. وهذا طبعا لا يعني
القهر والاكراه بحجة التوحد وانما بيان الطريقة العلمية الموحدة التي لا تحتمل
تضليلا. حينما يقطع الطريق امام النقل الظني والفهم الظني حينها سوف يتوحد النقل
ويتوحد الفهم لان العلم يوحد دوما، ومن الغرائب ان يقال انه يجوز في المعرفة
الاختلاف وواقع الحياة لا يقبل الاختلاف، وكون لكل انسان وعيه وادراكه ليس سببا
للاختلاف في المعرفة وانما هو سبب لاختلاف التفاعل معها وفرق بين الاثنين.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم القبول بالاختلاف والسعي العلمي نحو رفعه.
الطريق الوحيد الصحيح للمعرفة هو العلم، والعلم اخبار، وهو اما
استنباط او استقراء ولا ثالث، والأول أيضا يرجع الى الاستقراء، ففي الحقيقة علمنا
بالأشياء ومعرفتنا بها مرده الاستقراء، ولا بد لمن ليس استقراء علمي ان يعتمد بمن
لديه استقراء علمي.
الانسان يعلم بوجدانه انه حادث وليس قديما وانه مركب بطريقة فائقة
الدقة وكذا باقي الأشياء حوله فإنها حادثة وفائقة الدقة في صنعها، ومن خلال
الاستقراء العلمي فان هذا يعني وجود صانع حكيم وازلي غير حادث غير محتاج الى خلق
وصنع، وقد سمته الشرائع السماوية وعرفته للبشر بانه الله تعالى خلق كل شيء.
والانسان يلاحظ بوجدانه ان الله تعالى الذي خلقه خلق معه الراحة والتعب والخير
والشر والالم واللذة وهكذا من متناقضات وكذا الاختيار والقهر، وبحسب الاستقراء
العلمي فان هذا يكشف عن وجود حالة اختبار للإنسان من قبل صانعه تعالى. ووجدان
الانسان الاستقرائي يثبت ان كل اختبار له جزاء وكل طاعة وامتثال له ثواب وعطاء كل
إساءة وعصيان له عقاب وحرمان الا انه لا يرى ذلك حاصل في الدنيا فلا بد وبحسب
الاستقراء العلمي ان يكون الحساب في عالم اخر غير الدنيا وهو ما أسمته الشريعة
بالأخرة. ان الانسان يرى حالات الانحراف
الحاصلة في سلوكه من حيث الظلم ويرى ان معارف توضيحية تخص الحكمة يتحاج فيها الى
اخبار من الله تعالى وبحسب الاستقراء العلمي هذا يحتم ارسال الرسل وإنزال الكتب. ان هذا الاثبات الاستقرائي للإيمان وللشريعة
وللمعرفة بها هو جزء من صفة عامة في المعرفة البشرية الا وهي الاستقرائية فان الحس
والمادة والاستنتاج والفرضيات في الواقع كلها نتاج الاستقراء وانما التوجيه
الخبروي هو لبيان المفاهيم بشكل تواضعي وليس لمعرفة الحقيقة وهذا هو المبدأ
الاستقرائية للمعرفة. ان ما قدمته يبين وبوضوح إمكانية اثبات المعارف الايمانية
الرئيسية استقرائيا وبحسب مناهج العلم الاستقرائي بل والتجريبي وهذا يفتح افاقا
واسعة اما معارف الشريعة طبيعة تناولها وطرحها للناس.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
اعتماد الاستقراء في اثبات المعارف الشرعية. وعدم قبول المعارف التي
تعارض استقرائية المعرفة الشرعية.
استقرائية
الشريعة
الاستقراء هو أحد الطرق
المستخدمة في مناهج البحث العلمي. وهو دليل علمي للمعارف الخارجية ومعتمد في
العلوم البحتة وتبني عليه البشرية الكثير من قرارتها المصيرية. وهذا يمكن من القول
ان الاستقراء يصح ان يكون دليلا في الشريعة لكن بعد إخراجه من الظن الى
العلم. ان المعرفة الاستقرائية في الشريعة
في الأساس ظن وهي بنفسها ليست حجة الا انه ليس من الممتنع ان تكون دليلا كما انه
ليس من المقبول اركان هذا الدليل المهم جانبا لذلك لا بد من السعي نحو تكامل علمية
الاستقراء الفقهي واخراجه من الظن الى العلم.
من الواضح جدا ان جميع المحاولات التي حاولت ان تعطي للاستقراء علمية
فشلت فشلا ذريعا اما المعارف الثابتة بخصوصه ظنيته، وان جميع المحاولات التي حاولت
ان تعطي الاستقراء حجية في الشريعة تميزت بالضعف والظنية. لكن نحن نعلم بوجداننا
ان الاستقراء علم على وجه من الوجوه، كما ان العلوم التجريبية تعتمده أساسا
لحقائقها التي بنت هذا البناء الذي من غير المعقول التقليل من علميته. اذن كيف
يصبح الاستقراء الظني علما؟ كما انه من
الواضح أيضا عجز الفقه الاصولي عن الارتقاء بالاستقراء الى العلم لقصور ادواته عن
ذلك، فبقي الاستقراء الفقهي ظنا وليس حجة والادعاء لا ينفع.
لكن الفقه العرضي الذي نعتمده كفوء جدا في تحقيق العلمية في الاستقراء
الناقص، اذ ان أحد اهم إنجازات ومهمات الفقه العرضي هو اخراج المعرفة من الظن الى
العلم. والمنهج المتبع في الفقه العرضي بإخراج المعارف الشرعية من الظن الى العلم
يجري في الاستقراء حينما يتناول موضوعا شرعيا، وهو ما نسميه الاستقراء الشرعي.
فحينما يتحقق عندنا استقراء شرعي يتحقق عندنا ظن شرعي، وبعرضه على القرآن، وتبين
شواهد له ومصدقات منه يخرج من الظن الى العلم. اذن وجود شواهد ومصدقات من المعارف
القرآنية للنتيجة الاستقرائية كفيل بتحقيق العلمية له واخراجه من الظن الى العلم.
ولا يقال ان الحكم علم في البعض فيجوز ان يكون البعض الاخر على خلافه فان هذا الظن
زال بتصديق القرآن للحكم، فبعد ان لم يثبت حكم معارض في البعض الاخر وثبت كون
الحكم المتبنى موافق للقران وله شواهد منه كشف ذلك ان هذا الحكم هو الجاري في جميع
الجزئيات. فالتتبع حقق جزء من العلم والتصديق القرآني كمل ذلك وهذا هو الحال في
جميع المعارف القرآنية فان الدليل يثبت جزء من العلم وتصديق القرآن له يكمل العلم.
وفي الواقع هذا ليس مختصا بالشريعة بل هو جار في جميع العلوم التي اعتمدت
الاستقراء كدليل علمي فان اشتراط موافقة الفرضية وتناسقها واتساقها مع ما هو معلوم
وثابت من معرفة هو المصحح للاستدلال بالاستقراء ومحقق ومكمل علميته في جميع
العلوم.
واذن الحلقة المهمة هي متى يكون الاستقراء شرعيا؟ أي متى يكون معرفة
شرعية ولو ظنية؟ ومن الواضح ان المعارف لكي تكون شرعية لا بد ان تكون مستندة
ومستفادة من الأدلة الشرعية. وقد بينت في مناسبات كثيرة ان الدليل الشرعي نوعان
دليل حكمي نهائي ودليل دليلي طريقي، وبعبارة مختصرة الأدلة الشرعية اما طريقية او
نهائية.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية تعارض استقرائية الشريعة.
في الواقع المعرفة تنتج بمعرفة الاستقراءات والعرف والتصورات العرفية
هي نتاج اتباع الاستقراءات العلمية الا انها تكون بشكل حر وغير توجيهي وهذا هو
التعليم الحر. بينما هناك طريقة لأخذ المعلومة الاستقرائية من الغير فان هناك أيضا
طريقة للإنسان بأخذ المعلومة الاستقرائية من العقل باستقراء ذاتي وهو تعليم أيضا.
وهو يدل على استقرائية الاستنباط وتعليميته، وبهذا تنتهي المعرفة كلها المباشرة
وغير المباشرة الى التعليمية وهذا هو مبدأ (تعليمية المعرفة).
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
اعتماد التعليم في اكتساب المعرفة الشرعية.
ان التعامل العرفي و لعقلائي قائم على المشاهدة والعيان وهذا هو اساس الصدق و مفهومه الواضح او
المركزي، ولكن الايمان و التصديق بما له شواهد واثار ومصدقات من هذا الواقع يحقق
صفة الصدق و الحق لما يغيب عن المشاهدة والعيان، ففي المعرفة البشرية هناك الصدق
والحق العياني الشهودي وهناك الصدق و الحق الاثري الغيبي، و كما ان الاشياء او المعارف
المشاهدة العيانية لا تختلف و لا تتناقض فان المعارف الحقة الغيبية الاثارية لا
يصح ان تخالف او تناقض المعارف العيانية الشهودية، كما ان الحكم بصدق و حقيقية و
واقعية المعارف الغيبية الاثارية هو وجود شواهد ومصدقات لها في عالم العيان
والمشاهدة و الشرع يطلق عليها عادة الايات، فالواقع العقلائي بل والعقلي بل
والفطري هو اما شهودي عياني حسي او غيبي اثاري ايماني. ودعوة الشريعة للإيمان
بالغيب الذي له آيات وشواهد في الواقع العياني الشهودي ليس من باب الاختبار بل من
باب انه حق وصدق ولا موجب لإنكاره. فكل معرفة يستدل عليها بغيرها وهذا هو مبدأ
(دلائلية المعرفة).
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية ليس عليها دلائل واضحة.
نحن نميز بين النص القرآني و النص السني و نميز ايضا بين الدلالة
اللغوية لكل نص لكن حينما نتعلم منهما و تتحول الدلالة معرفة في الصدور فأنها
تتدخل كعناصر معرفية غير متميزة من حيث مصدر العلم وانما تبقى متلونة بالأثر النصي
اما كعنصر بناء وانتاج فهي واحدة، ومن هنا فالمعرفة الشرعي قرانية-سنية في الصدور
والتفرع منها قراني وسني دوما، وحصر الدليل بالقران والسنة وحصر المعرفة بالقران
والسنة انما هو ناظر الى دليها ومصدرها واما في مجال المعرفة فهي واحدة ليست
متميزة والتفرع من ذلك الواحد وليس من المتفرق الظاهري بل من الواحد الحقيقي،
وهكذا الامر بخصوص كل حقل معرفي فان العقل في مستوى العلم والاعتقاد لا يميز بين
طرق العلم ولا طبيعة الأدلة بل الكل ينصهر ويتوحد ويتناسق ويجرد من مصدره وهذا هو مبدأ (انصهار المعرفة).
ومن هنا فالتفرع معرفة وهي من القران والسنة بواسطة المعرفة. فالشريعة
قران وسنة الا انها ليست قرانا وسنة بتمايز وتباين بل هي قران وسنة بتداخل وتشابك
وانصهار. فليس هناك معارف قرآنيه ومعارف سنية بل هي معارف واحدة هي معارف قرآنية
سنية. الشريعة معرفة مبنية بعناصر قرانيه سنية متداخلة على أصغر مستويات تكوينها.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول تمييز معارف شرعية مصدريا ودليليا في مستوى الاعتقاد.
من الأمور التي تنتج واقعية المعرفة هو اتصالها المعرفي، أي ان
المعرفة تنتج عن أخرى بإنتاج طبيعي واقعي اتصالي من دون قفز او غرابة بل بانسيابية
وواقعية وطبيعية اشتقاقية. ولو قلنا ان المعارف هي صورة للوجود الواقعي بمنطقيته
لكان صحيحا، وكما ان أشياء الواقع واحداثها متصلة ولا تقبل القطع فان المعارف هكذا
حالها وهذا هو مبدأ (اتصال المعارف).
ان صفة وخاصية اتصال الفرع بالأصل اهم بكثير من اي صفة اخرى للمعرفة،
والمعارف الاسلامية ليست معارف متناثرة متباعدة بل هي معارف متناسقة متجانسة ومتصل
ومتفرعة، وتتبعها بهذا الشكل هو السبيل الى اعتصامها.
دين الاسلام دين اتصال وهذا مصدر عصمته واعتصام اهله، وما يحصل احيانا
هو التقليل من شدة الارتباط بأصول المعارف والاتكال على الادلة الظنية مما سبب
الاختلاف وهو علامة الاخلال باعتصام المعارف الدينية. والحق لا يتعدد وإذا كان
هناك مجال لتبريري تعدد الفهم لأجل اننا امام تعاليم منقولة باللغة والكتابة، فان
الشريعة منعت ذلك بأصول عقلائية واهمها الرد والعرض على المعارف الثابتة فلا يقبل
بالشاذ والغريب.
البعد النظري والتطبيقي للمبدأ في الفقه العرضي:
عدم قبول معارف شرعية ليست متصلة بما هو ثابت ومعلوم.