مسائل الفقه العرضي الفرعية

 

مسائل الفروع النظرية

 

بعد ان بينا الاصول النصية للفقه العرضي، وهي كافية من حيث النظرية والتطبيق العملي للعرض الا انه لاجل تمامية البحث هنا بيان لمسائل هي فروع مستفادة اما بالمضمون او الاستنباط من الاصول.

مسألة) اهمية معرفة منظومة المعارف المحورية لتمييز الأحاديث.

ان ما يبينه الباحثون في قواعد علم الاحتجاج ومنه علم اصول الفقه ليست نظريات فوقية خارجة عن متناول العقلاء، وانما هي شرح لطريقة العقلاء العادية في التعامل مع النص. بمعنى اخر انه لا يتوقف فهم النص على معرفة ذلك العلم، وانما البحث في ذلك العلم لأجل منع التأويل التدقيقي الباطل. و من هنا فادعاء وجوب العلم بقواعد الاصول لفهم النص فهما شرعيا و علميا امر لا واقعية له . بل ان الحقيقة ان فقه النص لا يأتي من معرفة علم الاحتجاج و انما يأتي من سعة المعرفة بمنظومة نصوص ذلك الفن، فالمختص الاكثر معرفة بتلك المنظومة يكون اقدر على الفهم الواقعي لنصوص ذلك الفن، و منه علم الشريعة وهذا من الواضحات . و لهذا فان من العقلائية و العلمية الاكثار من قراءة القران و السنة مباشرة و من دون تدخل التفسيرات والشروح غير المعصومة . و سبب الاختلاف ليس عدم معرفة علم الاحتجاج ومنه علم اصول الفقه،  و انما سبب الاختلاف الجهل بمنظومة المعارف النصية الحقة و سوء التوفيق .

 

 

 

مسألة)  العلمية والظنية

 

ان اكبر مشكلة في عصرنا تواجه المعرفة الدينية هي مشكلة (الغلو في الحديث) حيث ان الافراط في اعتماد السند أدى الى ادخال الظن في علوم الدين مما أدى الى تبني نصوص حديثي ليس لها شواهد ومخالفة للراسخ في الوجدان وللحقيقة كل ذلك بحجة صحة السند، حتى ان السند اصبح عند البعض وثنا، اتبعوا فيه ما لا يصح نسبه الى الشريعة ولا الى أهلها وجر الويلات على المسلمين وسبب الفرقة والاختلاف كله بسبب التأويلات الباطلة و الظنون التي لم يعثر لها على حجة الا صحة السند فعارضت ما هو ثابت وحق وابتعدت عن الفطرة و الاعتدال.

هناك اختلاف جوهري في طريقة التعامل مع الاخبار فطرف يهتم بالمتن ويتبع  منهج عرض الروايات على القران و السنة  دون اهتمام بالسند  فيستفيد العلم من القرائن و لا يكتفي  بالظن وطرف يهتم بالسند و يقدمه على المتن حيث يتبع منهج تقسيم الحديث الى اصناف حسب السند، و الاستعاضة بذلك عن العرض و القرائن و يكتفي بالظن . و من الواضح و بمجرد خلع قيد التقليد والمدرسية ان الدارس سيعلم ان منهج ( المتنية ) العلمية هو الموافق للقران و السنة ، و ان ( السندية ) الظنية لا مستند واضح عليها .

ان اهم الفروقات المنهجية بين المتنية و السندية هو اعتبار المتنية العلم في المعرفة و عدم تجويزها العمل بالظن بينما السندية تجوز العمل بالظن، و ثانيا خوض السندية في احوال الرجال و ذكر طعونهم وهذا من اغتياب المسلم و تفترض اصالة عدم الصحة في خبر المسلم  بينما تتجنب المتنية ذلك و تفترض اصالة الصحة في خبر المسلم و ثالثا المتنية تعتمد التسليم للروايات  فلا تكذيب و انما تتوقف فيما لا يتضح و لا يحقق العلم السندية تجوز رد الروايات و انكارها بحجة ضعف السند و رابعا المتنية ترى ان الخطاب السرعي موجه الى جميع العباد و ان تناولها متيسر للناس فلا اصول لفقه النص الا الاصول العقلائية العرفية و لا اختصاصية و لا ثمرة و لا نفع في ذلك بينما السندية ترى ان علم اصول الفقه و ابحاثه الدقية الاتخصيية جدا و البعيدة عن اذهان العرف ضروري للفقيه و الاستنباط، وهنا مشكلة قد تحدث وهي ان المستنبط السندي باعتماده مقدمات بعيدة عن اذهان العرف بالاستنباط فان ما يتوصل اليه سيكون فهما شخصيا و ليس نوعيا و في حجية هذا الفهم على غيره اشكال، بينما المتنية تعتمد الفهم العرفي العادي النوعي الذي يتيسر لكل انسان ملتفت الى النص و هذا الفهم توعي و حجة على كل انسان حتى غير المسلم ايضا.

هناك تيار يحاول ان يكون علمي امتنيا وسنديا أي اعتبار كون الحديث العلمي ان يكون له شاهد من القران وان يكون صحيح السند وهذا لا دليل عليه بل الدليل على خلافه من وجوب اعتماد علم الرجال وجرح والتعديل الذي يتتبع عورات المسلمين، ولكن يمكن اعتبار هذه المعارف ذات ميزة الا ان ما يصاحبها من خلل حتمي في مخالفة الأوامر امر يمنع من اعتمادها كما ان تلك الاحاديث لا تختلف بالحجية عن غيرها من المعارف العلمي فالعلم كله حجة ولا يتعارض ولا يختلف.

 

 

 

مسألة)  الظهور اللغوي و الظهور الشرعي

 

لقد دلت الايات و الروايات انه لا بد من العلم و ان لكل واقعة حكما  وانه لا عمل و لا نية الا باصابة السنة ، و   هذا يمنع من التمسك بالظهور اللغوي  لانه ظن بل لا بد من تحقق العلم بكون ذلك الظهور اللغوي هو الحكم الشرعي، وهذا ما يمكن ان نسميه بالظهور الشرعي ، و الذي يتحصل من القرائن. بمعنى انه ليس الاصل حجية الظهور كما هو مشهور  بل الاصل لاحجيته ولا بد لاثبات حجيته مقاميا من قرائن تفيد ذلك ، و اذا تعذرت وجب التوقف ، ليس لان الظهور اللغوي ليس حجة عند العقلاء و انما لان الشرع دل على ان لكل شيء بيانا علميا و ليس ظنيا يمنع من القول بالوصول اليه بالظهور اللغوي الظني ، و جواز العمل بالظهور الشرعي  لانه محقق للعلم .  و بهذا تخرج الاحكام المستفادة من الظواهر من الظنية و تكون جميعها علمية وحق .

 

 

 

 

 

مسألة)  عدم صحة رد خبر الراوي الضعيف

 

 ردّ خبر الراوي الضعيف ناتج من التعامل مع  الاخبار عن امور الدين معاملة  الاخبار عن الامور الخارجية ، و هذا ممنوع ليس فقط لاختلاف الموضوعين بل و للنقل المستفيض الدال على قبول كل ما وافق القران و السنة مطلقا ، بل منها ما نص على قبول خبر الفاجر ان كان موافقا للقران و السنة كما فصلناه في فصول عرض الاخبار على القران و السنة و ان المييز بين الرواية المقبولة و غير المقبولة في امور الدين هو موافقة القران و السنة  و مخالفتهما فيقبل الاول و يرد الثاني مطلقا . و هذا النقل المستفيض مخصص لما قد يقال من اعتبار العدالة في المخبر عن امور الدين   مع ان اصل هذا الاعتبار  لا يثبت حيث استدل باية التثبت و ايات عدالة الشاهد و رواياتها و سيرة العقلاء ، الا ان هذا ليس في الاخبار عن امور الدين بل في الاخبار عن الامور الخارجية .

 

مسألة)   النص على الاعتبار بالمتن وعدم الاعتبار بالسند في تقييم الخبر.

 

قال تعالى ( قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ  ) و قال رسول الله (ص) ألا هل عسى رجل يكذبني وهو على حشاياه متكئ ؟ قالوا: يا رسول الله ومن الذي يكذبك ؟ قال: الذي يبلغه الحديث فيقول: ما قال هذا رسول الله قط. فما جاءكم عني من حديث موافق للحق فأنا قلته وما أتاكم عني من حديث لا يوافق الحق فلم أقله .* و قال صلى الله عليه و اله  إنه سيكذب علي كما كذب على من كان قبلي فما جاءكم عني من حديث وافق كتاب الله فهو حديثي، وأما ما خالف كتاب الله فليس من حديثي.   و بلغنا عنهم عليهم السلام قولهم : ما جاءك في رواية من بر أو فاجر يوافق القرآن فخذ به، وما جاءك في رواية من بر أو فاجر يخالف القرآن فلا تأخذ به.  * إن الله عز وجل يقول في كتابه: يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين. يقول: يصدق لله ويصدق، للمؤمنين فإذا شهد عندك المؤمنون فصدقهم.

 

مسألة)  آلية الرد الى القران والسنة

لقد جاء في الخبر المصدق   (  لا تقبلوا علينا حديثا إلا ما وافق القرآن والسنة أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدمة.  ) فالردّ يكون الى محكم كتاب الله تعالى الذي لا ريب فيه و الى الواضح من السنّة الذي لا يشك فيها و الى الثابت من أقوال أهل البيت عليهم السلام  فلا تكليف بأكثر من ذلك والامر  اوضح فيما هو حرجي  المنفي بالثابت من الشرع قال تعالى (لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ) و قال تعالى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) . فاشتراط  القطع في العقائد لا وجه له  . كما ان العبرة في العلم الحاصل هو  الانسان النوعي  العرفي فلا يثبت بالادعاء ان لم يفد علما كما أنه لا يضر به انكار منكر ان فاد العلم عند الانسان النوعي العرفي . و العلم بالسنة علما جازما لا يداخله شك  لا يشترط التواتر او الضرورة او الاتفاق وهذا واضح لكل انسان  .

 و النقل الذي يعتمد و الذي منه يؤخذ الحديث المحكم المفيد للعلم  هو نقل المسلمين جميعهم في جميع كتبهم  من دون تصنيف او تقسيم او تفريق نقلي مذهبي ، فانّ مذهبة النقل لا دليل عليها من قران او سنة ، فعلى المسلم المؤمن ان يأخذ بكل ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه و اله و أهل بيته عليهم السلام في أي كتاب ثبت له ذلك النقل . 

 

 

مسألة) أصول العرض

    قال الله تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ).

 و قال تعالى وما اختلفتم فيه من شئ فحكمه إلى الله ) .

 و قال تعالى ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ) .

و قال تعالى (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ).

  و قال تعالى (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ) .

 

 وعن   داود، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من لم يعرف الحق من القرآن لم يتنكب الفتن.

و عن        كليب بن معاوية، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما أتاكم عنا من حديث لا يصدقه كتاب الله فهو باطل. 

و عن   هشام بن الحكم أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا تقبلوا علينا حديثا إلا ما وافق القرآن والسنة أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدمة.

 و عن  يونس قال على أبي الحسن الرضا عليه السلام : لا تقبلوا علينا خلاف القرآن فإنا إن تحدثنا حدثنا بموافقة القرآن وموافقة السنة، إنا عن الله وعن رسوله نحدث، ولا نقول: قال فلان وفلان فيتناقض كلامنا، إن كلام آخرنا مثل كلام أولنا، وكلام أولنا مصداق لكلام آخرنا، وإذا أتاكم من يحدثكم بخلاف ذلك فردوه عليه وقولوا: أنت أعلم و ما جئت به، فإن مع كل قول منا حقيقة وعليه نور، فما لا حقيقة معه ولا نور عليه فذلك قول الشيطان.

و عن        أيوب بن الحر قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كل شئ مردود إلى كتاب الله والسنة، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف. 

و عن         صفوان بن يحيى عن ابي الحسن الرضا  : قال له  أبو قرة فتكذب بالرواية ؟ فقال أبو الحسن (عليه السلام): إذا كانت الرواية مخالفة للقرآن كذبتها )

و عن        أيوب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله: إذا حدثتم عني بالحديث فانحلوني أهنأه وأسهله وأرشده، فإن وافق كتاب الله فأنا قلته، وإن لم يوافق كتاب الله فلم أقله.

 و عن ابن أبي يعفور في هذا المجلس قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن اختلاف يرويه من يثق به ، فقال: إذا ورد عليكم حديث فوجدتموه له شاهد من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى الله عليه واله، وإلا فالذي جاءكم به أولى.

و في          النهج قال أمير المؤمنين عليه السلام : قد قال الله سبحانه لقوم أحب إرشادهم: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول. فالرد إلى الله الأخذ بمحكم كتابه والرد إلى الرسول الأخذ بسنته الجامعة غير المفرقة.

-   الحسن بن جهم عن الرضا عليه السلام أنه قال: قلت للرضا عليه

السلام: تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة قال: ما جاءك عنا فقسه على كتاب الله عز وجل و

أحاديثنا فإن كان يشبههما فهو منا وإن لم يشبههما فليس منا .

-    محمد بن مسلم قال: قال أبو عبد الله عليه السلام يا محمد ما جاءك في رواية من بر أو فاجر يوافق القرآن فخذ به، وما جاءك في رواية من بر أو فاجر يخالف القرآن فلا تأخذ به.

-   ابن علوان، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام قال: قرأت في كتاب لعلي عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه واله قال: إنه سيكذب علي كما كذب على من كان قبلي فما جاءكم عني من حديث وافق كتاب الله فهو حديثي، وأما ما خالف كتاب الله فليس من حديثي. 

-   هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله - في خطبة بمنى أو مكة -: يا أيها الناس ما جاءكم عني يوافق القرآن فأنا قلته، وما جاءكم عني لا يوافق القرآن فلم أقله.

 

-   الحسن بن الجهم، عن العبد الصالح عليه السلام قال: إذا كان جاءك الحديثان المختلفان فقسهما على كتاب الله وعلى أحاديثنا فإن أشبههما فهو حق وإن لم يشبههما فهو باطل.

-   السكوني، عن أبي عبد الله، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: إن على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نورا فما وافق كتاب الله فخذوا به وما خالف كتاب الله فدعوه.

-    الطبرسي عن أبي جعفر الثاني عليه السلام:: قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله :: فإذا أتاكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله وسنتي فما وافق كتاب الله وسنتي فخذوا به وما خالف كتاب الله وسنتي فلا تأخذوا به.

-   الطبرسي ومما أجاب به أبو الحسن علي بن محمد العسكري عليهما : : إذا شهد الكتاب بتصديق خبر وتحقيقه فأنكرته طائفة من الامة وعارضته بحديث من هذه الأحاديث المزورة صارت بإنكارها ودفعها الكتاب كفارا ضلالا - الى ان قال-  فلما وجدنا ذلك موافقا لكتاب الله ووجدنا كتاب الله موافقا لهذه الأخبار وعليها دليلا كان الاقتداء بهذه الأخبار فرضا لا يتعداه إلا أهل العناد والفساد. .

-   عن جابر، قال: دخلنا على أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام ::: وانظروا أمرنا وما جاءكم عنا، فإن وجدتموه للقرآن موافقا فخذوا به، وإن لم تجدوه موافقا فردوه، وإن اشتبه الأمر عليكم فقفوا عنده، وردوه إلينا حتى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا .

-    محمد بن الزبرقان الدامغاني، عن أبي الحسن موسى عليه السلام ::: امور الاديان أمران: أمر لا إختلاف فيه وهو إجماع الامة على الضرورة التي يضطرون إليها، والأخبار المجتمع عليها المعروض عليها كل شبهة والمستنبط منها كل حادثة، وأمر يحتمل الشك والإنكار وسبيل استيضاح أهله الحجة عليه فما ثبت لمنتحليه من كتاب مستجمع على تأويله أو سنة عن النبي صلى الله عليه واله لا اختلاف فيها، أو قياس تعرف العقول عدله ضاق على من استوضح تلك الحجة ردها ووجب عليه قبولها والإقرار والديانة بها وما لم يثبت لمنتحليه به حجة من كتاب مستجمع على تأويله أو سنة عن النبي صلى الله عليه واله لا اختلاف فيها، أو قياس تعرف العقول عدله وسع خاص الامة وعامها الشك فيه والإنكار له كذلك هذان الأمران من أمر التوحيد فما دونه إلى أرش الخدش فما دونه، فهذا المعروض الذي يعرض عليه أمر الدين، فما ثبت لك برهانه اصطفيته، وما غمض عنك ضوؤه نفيته. ولا قوة إلا بالله، وحسبنا الله ونعم الوكيل .

-   ج: عن أبي جعفر الثاني عليه السلام في مناظرته مع يحيى بن أكثم - وسيجيئ بتمامه في موضعه - أنه قال: قال رسول الله صلىالله عليه واله في حجة الوداع: قد كثرت علي الكذابة وستكثر فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار فإذا أتاكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله وسنتي فما واف قكتاب الله وسنتي فخذوا به وما خالف كتاب الله وسنتي فلا تأخذوا به.

-   جابر  عن أبي جعفر محمد بن علي )عليهما السلام  :   ما جاءكم عنا، فإن وجدتموه للقرآن موافقا فخذوا به، و إن لم تجدوه موافقا فردوه، و إن اشتبه الأمر عليكم فيه فقفوا عنده و ردوه إلينا حتى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا .

-   عن ابن أبي يعفور، قال علي: وحدثني الحسين بن أبي العلاء أنه حضر ابن أبي يعفور في هذا المجلس قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن اختلاف يرويه من يثق به  ، فقال: إذا ورد عليكم حديث فوجدتموه له شاهد من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى الله عليه واله، وإلا فالذي جاءكم به أولى.

-   سدير قال: قال أبو جعفر وأبو عبد الله عليهما السلام: لا تصدق علينا إلا بما يوافق كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه واله.

 

مسألة) الفقه النوعي والفقه الفردي والاجتهاد العامي والاجتهاد التخصصي

لا ريب انّ الخطاب الشرعيّ موجّه الى كلّ مكلف فقيه او غير فقيه وغير مختص بمكلف دون اخر، وان الاجتهاد واجب عيني على كل مكلف ولا يحتاج الا الى الطريقة العقلائية في الاثبات والدلالة وهو (الاجتهاد العام) وهو يختلف عن الاجتهاد التخصصي (المعهود) الذي يحتاج الى مقدمات كثيرة والذي هو ندب وليس شرطا في علم الشريعة. ولا يمكن قياس فقه الشريعة على علوم تجريبية تخصصية لان دليل الشريعة عامي عقلائي ارتكازي لا يحتاج الى مقدمات تخصصية كما في غيره.

ومن لم يستطع الاجتهاد لسبب واخر واضطر الى تقليد غيره جاز له تقليد كل من يعلم الحكم بدليله بالاجتهاد العامي سواء كان اخا او أبا او زوجا ولا يشترط في ذلك ان يكون (مجتهدا تخصصيا) الا ان سعة اطلاع الفقيه وخبرته بالنص يعطيه ميزة لا تنكر في ترجيح الادلة وبيانها وفهمها، لكن لاجل ان الاجتهاد العامي نوعي دائما فانه أحيانا يكون أكثر اطمئنانية من الاجتهاد التخصصي.

فان هناك فرق بين الترجيح والفهم النوعي للدليل وبين الترجيح والفهم الفردي له. اي انّ هناك ترجيحا وفهما عاميا نوعيا لو قام به اي أحد لأدى الى النتيجة نفسها فلا يختلف الاختيار ولا الفهم باختلاف الاشخاص الذين يقومون به، بينما الترجيح والفهم الفردي يعتمد على الشخص الذي يقوم بعملية الاختيار والفهم فيختلف باختلاف الاشخاص الذين يقومون به. والأول نسميه (الفقه النوعي) والثاني هو (الفقه الفردي)، ولا ريب في حجية الفقه النوعي ولا حجية الفقه الفردي.

من الواضح انّ مدخلية مقدمات كثيرة في عملية ترجيح الادلة وفهمها عند الاصولي يجعل من العسر القول انّ ما يثبت عنده من دليل وفهم هو دليل وفهم لغيره، وخصوصا ان كثيرا من تلك الامور بعيدة وغريبة عن غالبية الناس. وهذا هو الترجيح والفهم الفردي للدليل والدلالة. ولهذا لا يمكن القول ان ما يثبت دليلا عند المجتهد الاصولي هو دليل عند غيره ولذلك قيل بكفاية حجية الفتوى وعدم ضرورة كون دليل الفقيه دليلا لغيره وهو ضعيف جدا اذ ان حجية الفتوى طريقية لا نفسية وانما يؤخذ بها لاجل دليلها وليس لاجل نفسها.

اما الفقيه المحدث العارضي والذي يستعمل الطريقة العادية العامة في ترجيح الادلة وفهمها بعرض الادلة على المعارف الثابتة من الدين المعروفة لكل مكلف، ويفهمها بطريق عادية عرفية جدا من دون تكلف او تدقيق وتعقيد، فان اختياره وترجيحه وفهمه للأدلة والدلالة يكون نوعيا، لذلك يمكن القول ان ما يثبت دليلا عند الفقيه العارضي هو دليل عند غيره من المكلفين. ولهذا يصح شرعا لكل مكلف التعبد بما يثبت دليلا عند المحدث وما يفهمه من الدليل.

وبسبب نوعية ترجيحات العارضيين وفردانية ترجيحات الاصوليين نجد ان الاختلافات في الادلة والدلالة قليلة او معدومة بين المجتهدين المحدثين وكذا اقوالهم وفتاواهم بينما هي كبيرة وأحيانا كبيرة جدا دليلا ودلالة بين المجتهدين الاصوليين وكذا حال اقوالهم وفتاواهم. ولأجل تجاوز هذه العقبة يصار الى عرض الاقوال على ما هو معلوم وثابت من القران والسنة والاخذ بما وافقهما وترك ما خالفها، وكما ان عرض الأدلة على القران ليس عسرا بل يسير فكذلك عرض اقوال الفقهاء وان القول بعدم اعتبار عرض الاقوال على القران في العمل بها واعتمادها فيه منع واضح بل بطلانه ظاهر وفيه الفقه العرضي التصديقي الذي يوجب عرض جميع المعارف على القران. وبعبارة مختصر يجب عرض جميع المعارف على القران الا ان معارف الفقه النوعي والاجتهاد العامي اقل عرضة للفردية من الفقه الفردي والاجتهاد التخصصي فيكون الاطمئنان بالاجتهاد العامي أكبر من الاطمئنان بالاجتهاد التخصصي.

 

 

مسألة)  المعارف الثابتة التي يتم عليها العرض

 

 قال تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) و عن أبى جعفر عليه السلام قال آل محمد عليهم السلام هم حبل الله الذى أمر

 بالاعتصام به ، فقال ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولاتفرقوا   (

قال امير المؤمنين عليه السلام ( قال الله سبحانه لقوم أحب إرشادهم: يا أيها

الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول. فالرد إلى الله الأخذ بمحكم كتابه والرد إلى الرسول الأخذ بسنته  الجامعة غير المفرقة) و نحوها روايات دلت على ان الرد يكون للمعلوم الثابت المتفق عليه من المعارف التي اخذت عنهم عليهم السلام.

 لقد اوصى اهل البيت عليهم السلام برد احاديثهم الى القران و السنة ، و المقصود من القران و السنة ليس ظاهر متن اية معينة او رواية ثابتة بالتواتر او مستفيضة محفوظة كما اعتقد البعض، بل المقصود هو ما علم و ثبت و اتفق عليه من المعارف القرانية و المعصومية.

وهو يعني المعارف القرانية و الحديثية المجمع عليها.

فالمعرفة الثابتة هي معرفة قرانية او حديثية مجمع عليها و لا خلاف فيها.

 و المعارف الثابتة درجات من حيث السعة كاكبرها و اوسعها على الاطلاق هو التوحيد وهو اصل الاصل و منه يتفرع نفي التسبيه و ارسال الرسل و الايمنان بالملائكة و المعاد و التكليف و الامامة وهذه هي الاصول الكبرى، و منها تتفرع اصول اخرى كبيرة لكن اقل سعة كالعصمة في الامام و العلم في الامام و وجوب الطاعة و و وجوب الصلاة و الصوم و الحج و الزكاة وهذا هي كتب الفقه الكبيرة و منها يتفرع اصول متعلق بها ثابتة ككون الامام لا يذنب و ككون الصلاة اليومية فرائض و نوافل و ككون الصوم واجب و مستحب و الخمس و الكازة في الغلات و الحيوان و الحج و العمرة ، و من هذه الاصول تتفرع اصول كبيرة لكن اقل سعة كاركان الصلاة من طهور و قبلة و ركوع و سجود و من هذه الاصول تفرع اصول كبيرة لكن اقل سعة منها ككون القبلة شطر الحرم للبعيد و الكعبة للقريب و ككون الطهارة وضوء و غسل و تيمم و من هذه الاصول تتفرع اصول اقل سعة كاحكام القبلة الثابتة و احكام الوضوء الثابتة و احكام الغسل الثابتة و احكام التيمم الثابتة التي لا يختلف فيها و مجمع عليها و جاء بها قران و سنة.

 - كل ما ما تقدم من معارف ثابتة ماخوذة من القران و السنة و نحوها من معارف هي المعارف الثابتة التي يرد اليها غيرها وهو قول امير المؤمنين عليه السلام ( الرد الى الله الرد الى اية محكم لا خلاف فيها او سنة ماضية )

 

 

مسألة)  السبيل الى عصمة المعرفة و وحدتها و علميتها هو منهج العرض.

 

قال تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)

.

 منهج العرض ببساطة هو عرض معرفة او اصل اصغر على اصل اكبر ثابت لا خلاف فيه . كعرض نفي التشبيه على التوحيد و عرض العصمة على الامامة وهكذا .

فيتفرع من الاصل الكبير الى الاصل الذي يليه الاكبر بالاكبر من دون انقطاع.

 - لا ريب ان التدرج من الاصول الاكبر الى ما يليها الاكبر فالاكبر كفيل بتحقيق ثلاثة امور اولا عصمة المعرفة و ثانيا علميتها و عدم ظنيتها و ثالثا وحدتهعا و عدم تناقضها. و هذه هي اية الحق.

 

 

عن على بن الحسين عليهم السلام : قيل له يابن رسول الله فما معنى المعصوم ؟ فقال هو معتصم بحبل الله ، وحبل الله هو القرآن لايفترقان إلى يوم القيامة ، والامام يهدى إلى القرآن ، والقرآن يهدى إلى الامام .

-  العرض على المعارف الثابتة من القران و السنة لا تحتاج الى اختصاص او فقاهة و انما يستطيع ان يقوم بالعرض ابسط شيعي يعرف ثوابت الدين.

 

 لقد اوصى اهل البيت عليهم السلام بعرض احاديثهم على المعارف الثابتة من القران و السنة، و المقصود بالمعارف الثابتة هي المعارف التي اخذت من القران و السنة الثابتة بالاتفاق و التي لا يخالف فيها احد و لا يشك و لا يرتاب فيها احد. و من المعلوم ان هذا المنهج هو الموافق للفطرة في تحقيق السداد و الاعتصام لعدة اسباب:

 الاول: ان هذا المنهج هو المصداق الجلي - ان لم يكن الوحيد- لقوله تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) اذ ان الاعتصام هو الرد كما فسرته الروايات.

 الثاني: ان منهج العرض هو الطريق الامثل - ان لم يكن الوحيد- لتحقيق معارف علمية متوافقة خالية من التناقض و الاضطراب و متصلة بالمعارف الضرورية و الثوابت المتفق عليها.

 الثالث: انه المنهج الواضح - ان لم يكن الوحيد- الذي اوصى اهل البيت عليهم السلام باتباعه لتبين احوال الاحاديث.

الرابع: ان هذا المنهج من خلال يشره و سهولة ممكن لكل مكلف مهما كان مستواه  و معرفته و معلوماته و تحصيله، اذ المطلوب هو فهم ظاهر الحديث و رده الى ما هو معلوم و ثابت من معارف، و هذا متيسر لكل احد و ليس فيه اي يسر وحرج وهو الموافق ليسر الشريعة و سماحتها و نفي الحرج فيها.

 

منهج العرض هو طريق العصمة من الضلال

 من الثابت المعروف الذي لا يرتاب به احد ان اهل البيت عليهم السلام اوصونا بعرض ما يصلنا من حديث على القران و السنة. و بسبب قصور في فهم طريقة العرض حصلت شبه عند البعض ادت بهم الى عدم العمل بهذا المنهج الحق.

 ان عرض الحديث على القران و السنة لا يعني عرض ظاهر الحديث على ظاهرة اية معينة او ظاهر سنة معينة ثابتة ، كما انه لا يعني الدلالة اللغوية بحيث يؤدي ذلك الى تعطيلب الاحاديث و ينتهي الامر كله الى القران و السنة القطعية. و انما العرض هو عرض الحديث على ما هو معلوم و ثابت من المعارف الثابتة من القران و السنة، و بطريقة التصديق و الشواهد و المشابهة ، اي ان تكون المعارف الثابتة المتفق عليها التي لا يشك و لا يرتاب بها احد شاهدا و مصدقا للحديث.

و من المعلوم ان اتباع هذا المنهج هو المحقق للمعارف المحققة و المتصلة بالثوابت الخالية من التناقض و الشذوذ كما انها المصداق الجلي لقوله تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) .

 

  منهج العرض ببساطة هو عرض معرفة او اصل اصغر على اصل اكبر ثابت لا خلاف فيه . كعرض نفي التشبيه على التوحيد و عرض العصمة على الامامة وهكذا .

فيتفرع من الاصل الكبير الى الاصل الذي يليه الاكبر بالاكبر من دون انقطاع.

 - لا ريب ان التدرج من الاصول الاكبر الى ما يليها الاكبر فالاكبر كفيل بتحقيق ثلاثة امور اولا عصمة المعرفة و ثانيا علميتها و عدم ظنيتها و ثالثا وحدتها و عدم تناقضها. و هذه هي اية الحق.

 

 

مسألة)  الطريقة العملية لمنهج العرض

 

النهج: قال امير المؤمنين عليه السلام في عهده للاشتر : فالرد إلى الله الاخذ بمحكم كتابه  والرد إلى الرسول الاخذ بسنته الجامعة غير المتفرقة.

 

عن ابن أبي يعفور عن ابي عبد الله عليه السلام : إذا ورد عليكم حديث فوجدتموه له شاهد من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى الله عليه واله، وإلا فالذي جاءكم به أولى.

 

يونس عن الرضا عليه السلام  قال : إن مع كل قول منا حقيقة وعليه نور، فما لا حقيقة معه ولا نور عليه فذلك قول الشيطان.

 

  هشام بن الحكم أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا تقبلوا علينا حديثا إلا ما وافق القرآن والسنة أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدمة.

 

ابن بكير عن رجل عن ابي جعفر عليه السلام إذا جاءكم عنا حديث فوجدتم عليه شاهدا أو شاهدين من كتاب الله فخذوا به، وإلا فقفوا عنده، ثم ردوه إلينا، حتى يستبين لكم.

 

عن الحسن بن جهم عن الرضا عليه السلام أنه قال: قلت للرضا عليه السلام: تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة قال: ما جاءك عنا فقسه على كتاب الله عز وجل و أحاديثنا فإن كان يشبههما فهو منا وإن لم يشبههما فليس منا،

 

  محمد بن أحمد بن محمد بن زياد، وموسى بن محمد بن علي بن موسى   عن الحسن عليه السلام  في جواب:  ما علمتم أنه قولنا فالزموه وما لم تعلموه فردوه إلينا.

 

عن ابن عبد الحميد، عن أبي إبراهيم عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله: ألا هل عسى رجل يكذبني وهو على حشاياه متكئ ؟ قالوا: يا رسول الله ومن الذي يكذبك ؟ قال: الذي يبلغه الحديث فيقول: ما قال هذا رسول الله قط. فما جاءكم عني من حديث موافق للحق فأنا قلته وما أتاكم عني من حديث لا يوافق الحق فلم أقله، ولن أقول إلا الحق. اقول اي الحق من القران و السنة.

 

 قال يونس : حدثني هشام بن الحكم أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا تقبلوا علينا حديثا إلا ما وافق القرآن والسنة أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدمة، فإن المغيرة بن سعيد لعنه الله دس في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها أبي، فاتقو الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا تعالى وسنة نبينا محمد صلى الله عليه واله، فإنا إذا حدثنا قلنا: قال الله عز وجل، وقال رسول الله صلى الله عليه واله.

 

مسألة)  تطبيق اهل البيت لمنهج العرض

 

عن صفوان قال قال أبو قرة: للامام الرضا عليه السلام إنا روينا أن الله قسم الرؤية والكلام بين نبيين، فقسم لموسى الكلام، ولمحمد (صلى الله عليه وآله) الرؤية، فقال أبو الحسن (عليه السلام): فمن المبلغ عن الله إلى الثقلين من الجن والانس: إنه لا تدركه الابصار، ولا يحيطون به علما، وليس كمثله شئ ؟ أليس محمد ؟ قال: بلى، قال أبو الحسن (عليه السلام): فكيف يجئ رجل إلى الخلق جميعا فيخبرهم أنه جاء من عند الله، وأنه يدعوهم إلى الله بأمر الله ويقول: إنه لا تدركه الابصار، ولا يحيطون به علما، وليس كمثله شئ، ثم يقول: أنا رأيته بعيني، وأحطت به علما، وهو على صورة البشر ؟ أما تستحيون ؟ ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا أن يكون أتى عن الله بأمر ثم يأتي بخلافه من وجه آخر ! فقال أبو قرة: فإنه يقول: (ولقد رآه نزلة اخرى) فقال أبو الحسن (عليه السلام): إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى حيث يقول: (ما كذب الفؤاد ما رأى) يقول: ما كذب فؤاد محمد (صلى الله عليه وآله) ما رأت عيناه، ثم أخبر بما رأت عيناه فقال: (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) فآيات الله غير الله. وقال: (ولا يحيطون به علما) فإذا رأته الابصار فقد أحاطت به العلم ووقعت المعرفة، فقال أبو قرة فتكذب بالرواية ؟ فقال أبو الحسن (عليه السلام): إذا كانت الرواية مخالفة للقرآن كذبتها.

 

الاحتجاج :  قال  يحيى بن أكثم لابي جعفر الجواد عليه السلام : ما تقول يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله في الخبر الذي روي أنه نزل جبرئيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وقال يا محمد: إن الله عزوجل يقرئك السلام ويقول لك: سل أبا بكر هل هو عني راض فاني عنه راض. فقال أبو جعفر: لست بمنكر فضل أبي بكر، ولكن يجب على صاحب هذا الخبر أن يأخذ مثال الخبر الذي قاله رسول الله صلى الله عليه وآله في حجة الوداع " قد كثرت علي الكذابة، وستكثر، فمن كذب علي متعمدا فليتبوء مقعده من النار، فإذا أتاكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله وسنتي، فما وافق كتاب الله وسنتي فخذوا به، وما خالف كتاب الله وسنتي فلاتأ خذوا به " وليس يوافق هذا الخبر كتاب الله قال الله تعالى " ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد " فالله عزوجل خفي عليه رضا أبي بكر من سخطه حتى سأل من مكنون سره ؟ هذا مستحيل في العقول. ثم قال يحيى بن أكثم: وقد روي أن مثل أبي بكر وعمر في الارض كمثل جبرئيل وميكائيل في السماء، فقال: وهذا أيضا يجب أن ينظر فيه لان جبرئيل وميكائيل ملكان مقربان لم يعصيا الله قط ولم يفارقا طاعته لحظة واحدة، وهما قد أشركا بالله عزوجل وإن أسلما بعد الشرك، وكان أكثر أيامهما في الشرك بالله فمحال أن يشبههما بهما. قال يحيى: وقد روي أيضا أنهما سيدا كهول أهل الجنة، فما تقول فيه ؟ فقال عليه السلام: وهذا الخبر محال أيضا لان أهل الجنة كلهم يكونون شبابا، ولا يكون

فيهم كهل، وهذا الخبر وضعه بنو امية لمضادة الخبر الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله في الحسن والحسين بأنهما سيدا شباب أهل الجنة.

أقول و روايات عرضهم عليهم السلام الاخبار على الكتاب كثيرة.

 

 

مسألة)  وجدانية الشريعة.

الحديث الاول

( استفت نفسك وإن أفتاك المفتون)  حلية الاولياء عن واثلة.

الحديث الثاني

عَنْ وَابِصَةَ الأَسَدِىِّ قَالَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وآله وسلم- وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ لاَ أَدَعَ شَيْئاً مِنَ الْبِرِّ وَالإِثْمِ إِلاَّ سَأَلْتُهُ عَنْهُ فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ « يَا وَابِصَةُ أُخْبِرُكَ أَوْ تَسْأَلُنِى ». قُلْتُ لاَ بَلْ أَخْبِرْنِى. فَقَالَ « جِئْتَ تَسْأَلُنِى عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ ». فَقَالَ نَعَمْ فَجَمَعَ أَنَامِلَهُ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِنَّ فِى صَدْرِى وَيَقُولُ « يَا وَابِصَةُ اسْتَفْتِ قَلْبَكَ وَاسْتَفْتِ نَفْسَكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِى النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِى الصَّدْرِ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ ». مسند احمد

الحديث الثالث

 (البر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك وكرهت ان يطلع الناس عليه) مسند احمد عن النواس.

الحديث الرابع

(قلت يا رسول الله اخبرني ما يحل لي وما يحرم علي قال فصعد النبي صللى الله عليه وسلم البصر في وصوب فقال النبي صلى الله عليه و سلم البر ما سكنت اليه النفس واطمأن اليه القلب والاثم مالم تسكن اليه النفس ولم يطمئن اليه القلب وان افتاك المفتون) الورع لاحمد عن ابي ثعلبة.

 

الحديث الخامس

(سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم : ما الإثم ؟ قال : « ما حاك في صدرك فدعه » . قال : فما الإيمان ؟ قال : « إذا ساءتك سيئتك ، وسرتك حسنتك فأنت مؤمن » مسند ابن المبارك عن ابي امامة.

 

الحديث السادس

( إِذَا سَمِعْتُمْ الْحَدِيثَ عَنِّي تَعْرِفُهُ قُلُوبُكُمْ وَتَلِينُ لَهُ أَشْعَارُكُمْ وَأَبْشَارُكُمْ وَتَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْكُمْ قَرِيبٌ فَأَنَا أَوْلَاكُمْ بِهِ وَإِذَا سَمِعْتُمْ الْحَدِيثَ عَنِّي تُنْكِرُهُ قُلُوبُكُمْ وَتَنْفِرُ أَشْعَارُكُمْ وَأَبْشَارُكُمْ وَتَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْكُمْ بَعِيدٌ فَأَنَا أَبْعَدُكُمْ مِنْهُ) احمد عن ابي اسيد.

 الحديث السابع

( جئت تسأل عن البر والاثم، قال: نعم، فضرب بيده على صدره ثم قال: يا وابصة البر ما اطمأنت به النفس، والبر ما اطمأن به الصدر، والاثم ما تردد في الصدر وجال في القلب، وإن أفتاك الناس وأفتوك.) قرب الاسناد عن معمر.

الحديث الثامن

( إن وضح لك أمر فاقبله ، وإلا فاسكت تسلم ، ورد علمه إلى الله ، فانك أوسع مما بين السماء والارض .)  كتاب سليم.

 

الحديث التاسع

( ما ورد عليكم  من حديث آل محمد صلوات الله عليهم فلانت له قلوبكم وعرفتموه فاقبلوه  وما اشمأزت قلوبكم وأنكرتموه فردوه إلى الله وإلى الرسول وإلى العالم من آل محمد عليهم السلام.) البصائر عن جابر الجعفي.

 

الحديث العاشر

( أن وابصة بن معبد الاسدي أتاه وقال في نفسه: لا أدع من البر والاثم شيئا إلا سألته، فلما أتاه قال له بعض أصحابه: إليك يا وابصة عن سؤال رسول الله، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): دعوا وابصة، ادن فدنوت ، فقال: تسأل عما جئت له أم أخبرك ؟ قال: أخبرني، قال: جئت تسأل عن البر والاثم، قال: نعم فضرب يده على صدره ثم قال: البر ما اطمأنت إليه النفس والبر ما اطمأن إليه الصدر، والاثم ما تردد في الصدر وجال في القلب، وإن أفتاك الناس وإن أفتوك.) الخرائج.

 

 

 

الحديث الحادي عشر

النَّوَّاس بْنَ سَمْعَانَ الأَنْصَارِىَّ قَالَ سَأَلْتُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وآله وسلم- عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ فَقَالَ « الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِى صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ النَّاسُ عَلَيْهِ ». مسند احمد

عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وآله وسلم- عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ فَقَالَ « الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ والإِثْمُ مَا حَاكَ فِى نَفْسِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَعْلَمَهُ النَّاسُ ». مسند احمد

 

الحديث الثاني عشر

عَنِ النَّوَاسِ بْنِ سَمْعَانَ الأَنْصَارِىِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وآله وسلم- قَالَ « ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً صِرَاطاً مُسْتَقِيماً وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعاً وَلاَ تَتَفَرَّجُوا وَدَاعِى يَدْعُو مِنْ جَوْفِ الصِّرَاطِ، وْالصَّرِاطُ الإِسْلاَمُ وَذَلِكَ الدَّاعِى عَلِى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالدَّاعِى مِنْ فَوْقِ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللَّهِ فِى قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ ». مسند احمد

الحديث الثالث عشر

الْخُشَنِىَّ قال قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِى بِمَا يَحِلُّ لِى وَيُحَرَّمُ عَلَىَّ. قَالَ فَصَعَّدَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وآله وسلم- وَصَوَّبَ فِىَّ النَّظَرَ فَقَالَ « الْبِرُّ مَا سَكَنَتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ وَالإِثْمُ مَا لَمْ تَسْكُنْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَلَمْ يَطْمَئِنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ وَإِنْ أَفْتَاكَ الْمُفْتُونَ ».  مسند  احمد

 

الحديث الرابع عشر

 

عَنْ أَبِى عَبْدِ اللَّهِ السُّلَمِىِّ قَالَ سَمِعْتُ وَابِصَةَ بْنَ مَعْبَدٍ صَاحِبَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وآله وسلم- قَالَ جِئْتُ إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وآله وسلم- أَسْأَلُهُ عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ فَقَالَ « جِئْتَ تَسْأَلُ عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ ». فَقُلْتُ وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا جِئْتُكَ أَسْأَلُكَ عَنْ غَيْرِهِ. فَقَالَ « الْبِرُّ مَا انْشَرَحَ لَهُ صَدْرُكَ وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِى صَدْرِكَ وَإِنْ أَفْتَاكَ عَنْهُ النَّاسُ ». مسند احمد

 

الحديث الخامس عشر

عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ قَالَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وآله وسلم- وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ لاَ أَدَعَ شَيْئاً مِنَ الْبِرِّ وَالإِثْمِ إِلاَّ سَأَلْتُهُ عَنْهُ فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى مَسَّتْ رُكْبَتِى رُكْبَتَهُ فَقَالَ « يَا وَابِصَةُ أُخْبِرُكَ مَا جِئْتَ تَسْأَلُنِى عَنْهُ أَوْ تَسْأَلُنِى ». فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَخْبِرْنِى. قَالَ « جِئْتَ تَسْأَلُنِى عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ ». قُلْتُ نَعَمْ فَجَمَعَ أَصَابِعَهُ الثَلاَثَ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهَا فِى صَدْرِى وَيَقُولُ « يَا وَابِصَةُ اسْتَفْتِ نَفْسَكَ الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ وَاطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِى الْقَلْبِ وَتَرَدَّدَ فِى الصَّدْرِ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ ». مسند احمد.

 

 

مسألة)  عامية الفقه

في المعارف العامية الوجدانية ادراك المعرفة يؤدي مباشرة الى التفرع و التحليل والتمكن و امتلاك التفوق، وهو من جماليات الطبيعة و الحياة ، الا انه في المعارف الاختصاصية فانك حتى لو اكتسبت المعرفة و اطلعت على الحقيقة فانك لا تتفوق و لا تمتلك اضافة انتاجية ولا تتمكن من التحليل المضبوط في العلم الا بعد مرحلة. ان الاطلاع على عناصر الادراك هو المادة الاولية للمعرفة وهي بمثابة الادلة في العلوم و في الشريعة تتمثل بالنص اي القران و السنة، ومن الواضح ان المسلم يمكنه باي اية يعرفها او حديث يعرفه يمكنه العمل به و الاعتماد عليه لان هذا هو لازم تعلمه و الاطلاع عليه ومعرفته، اي انه يستدل بما عرف على ما يعمل او يعتقد ، بشرط التناسق والتوافق، فالاستدلال طبيعي مباشرة لا يتأخر ولا يتخلف عن معرفة الدليل اي معرفة اية او رواية فاذا عرف اية او رواية استدل بها على عقيدة او عمل   لكن ما حصل في الجهة الاختصاصية التي حولت الدين و الشريعة الى اختصاص  لا بد فيه من امتلاك مقدمات خاصة وخاصة جدا بعيدة عن اذهان العرف و خبراتهم و تحتاج الى تفرغ بل والى مستويات عقلية معينة للنجاح في ضبطها منها اصول الفقه و الجرح و التعديل فمن لا يعرف هذه العلوم الخاصة جدا و المدرسية و التتلمذية جدا فانه لا يمكنه ان يستدل بآية على عقيدة او عملا و لا بحديث على عقيدة او عمل. وهذا اخطر شيء حصل في تاريخ الشريعة وفهم النص الشرعي.

 

 

 

عامية مقدمات العلم واختصاصياتها

في المعارف العامية لا تحتاج الى اكثر من الفهم والادراك والمعارف الضروري الراسخة  لكي تكتسب المعرفة تعمل بها، و العمل هنا اقصد به العقيدة والعمل و المعرفة هنا الادلة، اي بمجرد ان تطلع على الدليل على اعتقاد او عمل فانه يتحقق عندك استفادة وامتلاك وتحقق للعقيدة وطريقة العمل.  والشرع معرفة عامية لا تحتاج الى مقدمات غير معرفة اللغة لمعرفة معارف الشريعة من النصوص وهذا لا يختص بالسماع المباشر بل بالسماع غير المباشر و لا يختص بفقهاء الناس بل بكل مسلم يسمع النص من اية او رواية بل ان هذا يشمل الكفرة ايضا فلا يحتاجون الى مقدمات غير الفهم العرفي والا كيف يحتج عليهم القران. ما حصل في المنهج الاختصاصي انه صار المسلم يحتاج الى مقدمات طويلة وكثيرة ومعقدة لكي يستفيد استفادة شرعية من النص ومن لا يعرف تلك المقدمات فانه لا يتمكن من العمل بالنص ولا استفادة علم منه، فصار علم العامي غير العارف بتلك المقدمات بالآيات و الروايات هو بحكم عدم علمه. وهذا من غرائب الامور.

 

الفقه من الاصطلاح الى الوجدان

لا بد اولا من القول ان علم الفقه هو علم اختصاصي له مصطلحاته الخاصة و له بناؤه اللغوي الخاص.

ولا بد من الاعتراف ان علم الفقه بمصطلحاته ليس الدين لان الدين هو معارف القران و السنة وهي ليست اختصاصية و ليس فيها شيء اصطلاحي. و في الحقيقة الحاجة الى المصطلح في فقه الدين امر غير واضح وادى الى امور اضافة الى المدرسية و التمذهب و الطوائفية فانه ادى الى نوع من العزل بين معارف الدين و معارف الفقه، و انتقل الفقه من عمل بالدليل الى عمل بالمصطلح لذلك ما عاد الفقهاء يجوزون لغير الفقيه او المجتهد الكلام في ادلة الفقه وهذا منطقي من حيث النتيجة لكنه غير منطقي من حيث حقيقة الفقه. فحينما وضع الفقهاء الاصطلاح في الفقه صار خاصا ونخبويا و اختصاصيا فيكون من المنطقي ان يعزل من ليس ممتلكا للمصطلح عن ساحة النقاش، بينما الفقه حقيقة هو فهم الدليل او النص وهذا امر وجداني عرفي عقلائية عام ليس اختصاصيا و لا اصطلاحيا و ليس خاص بمجموعة او نخبة.

ليس وظيفة علم الفقه صناعة عالم من المصطلح و انما وظيفة الفقهاء تقريب الادلة و المعارف الى الناس، اي بعبارة اخرى وظيفة الفقهاء هو تخليص الشريعة من المصطلحات و الغاء اي مصطلح بل و تذليل كل عقبة امام اي درجة من قوة الفهم و جعل معارف الدين الدليلة و المدلولية معارف عرفية عادية عامة بسيطة . فوظيفة الفقهاء المفترضة توسيع دائرة الفهم للنص بحيث بمساعدتهم و بتدخلهم يكون اكبر قدر من الناس قادرين على فهم النص لكن حصل هو ان الفقهاء ضيقوا دائرة الفهم وقللوا عد الذين يمكنهم فهم النص فصار مختصا بجماعة قليلة جدا و على الاخرين ان يرجعوا اليهم في معارف الدين وهذا غريب جدا.

لا بد من ارجاع معارف الدين كلها دليليها و مدلوليها الى ساحة الوجدان و عرف العقلاء في التناول و الافادة و الاستفادة و تخليص عالم فقه الشريعة من اي مصطلح مهما كان بل الاعتماد كله على الوجدان التخاطبي و الاسس اللغوية التي يجيدها كل متكلم و مخاطب صغيرا كان ام كبيرا متعلما ام غير متعلم عالما كان ام جاهلا.

ان ما حصل هو اقحام المصطلح في فهم النص الشرعي وهذا لا اساس له، فصار على الانسان العادي الذي منع بالمصطلح من الوصول الى الدليل ان يصل الى معارف الدين عن طريق واسطة اخرى تترشح عن حاجز المصطلح هي قول الفقيه ومن دونها لا يمكنه ان يصل الى معارف الدين باطمئنان وهذا كله غير صحيح و لا اساس ويجب ان ينتهي و يختفي بان يكون الدليل متوفرا و مستطاعا لكل انسان ويكون دور الفقيه تقريب الدليل الى الاخرين و تمكينهم منه فيعرفون الدين بالدليل الذي قربه الفقيه في المواطن التي تحتاج الى تقريب مع ان غالبها لا تحتاج ان كانت المباني غير اصطلاحية.

الخطاب الشرعي وجه الى كافة الناس مؤمنهم وكافرهم فهو ليس حكرا على المؤمن فضلا عن العالم. والعلم بالمعارف الشرعية يكون بالطريقة العرفية العادية التي ليس فيها أي تخصيص او تقييد خلاف الوجدان والفطرة وهذه هي الطريقة المستقيمة لتحصيل المعرفة. لذلك فكل من يطمئن في نفسه انه متمكن من الوصول الى المعارف الشرعية بطريقة مستقيمة وجدانا وعرفا فان ما يتوصل اليه هو معارف حقة ولا يحتاج الى شهادة شاهد او سماح سامح. ومن يتمكن من اثبات معرفة شرعية اصلية (نصية) او فرعية (دلالية) بطريقة عقلائية عرفية وجدانية مستقيمة فهو مثبت لها وما قام به اثبات وهو ليس مدع وليس عمله ادعاء، انما المدعي من يتعمد الكذب او ان يثبت بطريقة غير مستقيمة. ويعرف الانسان انه على طريقة مستقيمة من التحصيل بانه يتبع الطريقة العقلائية العرفية في تحصيل المعرفة العلمية وليس الظنية من مجموعة معلومات ومعطيات، فاذا وجد في نفسه انه استوفى الشرط العرفي العقلاني والوجداني في تحصيل المعلومات والمعطيات الكافية فانه يكون مثبتا ومحقا وصادقا الا انه ينبغي ان تكون معارفه علما وليس ظنا وبالطريقة المستقيمة وليس العوجاء.

اذن فالإثبات وظيفة كل انسان مؤمنا او غير مؤمن؛ عالما كان او غير عالم. وهو مثبت ومحق ان حقق المتطلبات العرفية والوجدانية والعقلائية لتحصيل المعارف العلمية من الادلة. ولا ريب ان الاثبات متفاوت بين الناس كما ان الاثبات في مختلف المسائل ايضا متفاوت بالنسبة للشخص نفسه. كما ان الادعاء احيانا مع علم أي متعمدا وأحيانا بجهل أي غير متعمد وهو أكثر وهذا باطل وان كانت النية حسنة. الا ان صفة (المثبت) و (المدعي) لا تكون مطلقة ولقبا للشخص، انما هناك مثبت لمسالة معينة ومدع لمسالة معينة، والشخص نفسه ربما يكون مثبتا في معرفة ومدعيا في معرفة اخرى. وكثرة اثبات الشخص للمسائل لا يعطيه لقب المثبت وكثرة ادعاء الشخص للمسائل لا يعطيه لقب المدعي.

الوحيد الذي هو مثبت مطلق في كل مسالة وفي كل حالة وقول هو الولي من نبي او وصي صلوات الله عليهما واما غيرهما فمهما بلغ من قوة اثباته وصحتها وثبوتها الا انه لا يوصف بالمثبت المطلق. انما هو مثبت نسبي.

ان الفقاهة والعلم تستعمل احيا في الشرع بمعنى خاص يختلف عن الاثبات حيث يلحظ فيهما العمل بالشريعة في باقي جوانبها فالمثبت سواء كان تقيا في اثباته ام لا فانه لا يوصف انه فقيه بهذا المعنى الخاص ولا عالما الا إذا كان تقيا في باقي قضايا الشريعة. وكذلك المدعى وان كان غير تقي في ادعائه فانه لا يوصف بعدم العلم وعدم الفقاهة وعدم التقوى الا إذا كان غير تقي في غيره من المسائل. فالمؤمن المسلم الاصل فيه انه تقي ورع عالم فقيه، واخراجه من هذه الصفات يحتاج الى اثبات قوي متعدد وفي جوانب عدة، مما يحقق الضلال والفسق الذين يعتبر فيهما الشك والانكار فيكون ضالا فاسقا بعصيانه وتمرده وتصريحه بشكه وانكاره. وعند الاشتباه والشك في امره لا يساء به الظن ويحمل على محمل حسن حتى يتيقن ويقطع بشكه. ومن مصائب الدين ان المؤمن الذي يدعي معرفة معينة لشبهة يوصف بالكفر والفسق والضلال وهو عند الله مسلم مؤمن تقي الا انه مخطئ وقوله باطل. وأشنع من ذلك وصف المسلمين بذلك اعتمادا على الظن بروايات تنقل في كتب الرجال عن اناس يطعن فيهم من لم يرهم.

اؤكد ان الاصل في المؤمن انه عالم فقيه تقي كما وصف القران المؤمنين بذلك ولا يخرجه من ذلك مخرج الا شك صريح او انكار صريح لما يثبت عنده عن رسول الله صلى الله عليه واله، وليس فيما يثبت عن غيره حجة عليه. بل ان وصف المسلم بالضلال والفسق ينبغي ان يكون نسبيا ولا يساوى بفسق الكافر وضلاله كما ان المؤمن يوصف بالعلم والفقاهة ولا يساوى في علمه وفقاهته الولي. والحجة للعلم وللقران والسنة، وليس لمن لا يمتلك العلم الحكم على غيره. وفهم الاكثر ليس حجة، ليس لان الاكثر يفهمون بشكل خاطئ وانما لان الفهم الان للنصوص تدخلت فيه امور كثيرة اخرجته من حياديته وبساطته ونوعيته وعرفيته ووجدانياته، ان اغلب الفهم الان هو فهم موجه مقولب محاصر ولا يفلت منه الا من يتجرد ويتبع الفطرة والوجدان في الفهم بل ان بعضهم جعل فهم جهة معينة هو الحجة كفهم السلف او فهم ائمة المذاهب او ائمة اهل اصول الفقه واخيرا  فهم المشايخ و الاساتذة مخالفا بذلك ما هو وجداني وفطري من ان الحجة هو الفهم الوجداني اللغوي الخطابي البسيط، وبعد النص عنا لا يسلبنا الحق بالفهم.

ان فقاهة المسلم غير الولي وعمليته حق وصدق الا انها ليست كفقاهة الولي وعلمه لا كما ولا نوعا بل لا تصح المقارنة، ومهما بلغ المؤمن غير الولي من الفقاهة وعلم اعتقادا وعملا وقوة اثبات وشدة ورع فانه لا يقترب ابدا من ساحة فقاهة الولي ولا يختلط بها لأنها لا توصف ولا يحاط بها لان مدده مدد من عالم الاحاطة ومدد غيره مدد من عالم التسخير.

ان جميع الدلائل التي يعتمدها عاقل او متدين او متشرع تعلم وتقر و تسلم ان الخطاب الشرعي خطاب عامي، أي انه موجه الى العوام و اعتمد طريقة العوام في الفهم، وكثيرا ما يشار الى ذلك بانها طريقة العرف والعقلاء، و المقصود وجدان العامة و عرفهم في التخاطب. فالعقلائية هي الوجدان العامي بلا ريب وخصوصا باللغة التي هي من ارسخ واوضح المعارف الانسانية، ولو اردنا ان نفهم العقل وملامحه فعلينا ان ننظر الى جهتين في الوجود منطقية الظواهر و منطقية اللغة وكلاهما وجدانيا فالعقل عامي والفهم عامي، وكل ما في حياتنا مبني على العامية. والاختصاص يكون باختصاص المعطيات والمشاهد والادلة، والخطاب الشرعي بنصوصه القرانية السنية ليس اختصاصيا وانما هو عامي في دلالته وفي معارفه. اذن ففهم النص وفقهه أي فقه الشريعة هو فهم عامي يجيد كل عامي ولا يحتاج الى اكثر من الوجدان العرفي العقلائي العامية، والقول بان فهم النص الشرعي يحتاج الى معارف و مفاهيم اختصاصي او اصطلاحية كلام لا شاهد عليه بل الشواهد على خلافه. ومن هنا فالنص الشرعي او الدليل الشرعي عموما جاء بصورة عامية وفهمه و فقهه ايضا بصورة عامية ودلالته والاحكام المستفادة منه ايضا هي عامية، فالعامية متجذرة متاصلة في الشريعة ادلة وفقا واحكاما. وكل فهم عامي للنص هو فهم صحيح شرعي وحجة كما ان أي فهم اختصاصي اصطلاحي للنص الشرعي ليس فهما صحيحا.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مسألة) في اقوال علماء في حديث العرض

عدة الاصول؛ الطوسي: عنهم عليهم السلام: إذا جاءكم عنا حديث فاعرضوه على كتاب الله فان وافق كتاب الله فخذوه وان خالفه فردوه أو فاضربوا به عرض الحائط.

 قال رحمه الله تعالى:  قد ورد عنهم عليهم السلام ما لا خلاف فيه من قولهم: (إذا جاءكم عنا حديث فاعرضوه على كتاب الله فان وافق كتاب الله فخذوه وان خالفه فردوه أو فاضربوا به عرض الحائط ) على حسب اختلاف الالفاظ فيه وذلك صريح بالمنع من العمل بما يخالف القران.انتهى اقول انه قد نفى الخلاف في الخبر و حكم بثوته بل و قطعيته وعمل به في كتاب اصول الفقه الذي لا يعمل الا بما يصح و يفيد العلم.

التهذيب؛ الطوسي عن النبي صلى الله عليه وآله وعن الائمة عليهم السلام انهم قالوا إذا جاء كم منا حديث فاعرضوه على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالفه فاطرحوه أو ردوه علينا.

قال رحمه الله تعالى في خبرين ردهما : فهذان الخبران قد وردا شاذين مخالفين لظاهر كتاب الله، وكل حديث ورد هذا المورد فانه لا يجوز العمل عليه، لانه روي عن النبي صلى الله عليه وآله وعن الائمة عليهم السلام انهم قالوا إذا جاء كم منا حديث فاعرضوه على كتاب الله فماوافق كتاب الله فخذوه وما خالفه فاطرحوه أو ردوه علينا، وهذان الخبران مخالفان على ماترى لظاهر كتاب الله والاخبار المسندة ايضا المفصلة، وما هذا حكمه لا يجوز العمل به. انتهى اقول هنا هو يطبقه كقاعدة اصولية دالا على مفروغية ثبوته و صحته عنده بل و علمه به ونقله عنه صاحب الوسائل ولم يناقشه دالا على رضاه به.

الاستبصار؛ الطوسي عنهم (عليهم السلام) ما أتاكم عنا فاعرضوه على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوا به وما خالفه فاطرحوه.

قال رحمه الله تعالى في خبرين:     فهذان الخبران شاذان مخالفان لظاهر كتاب الله تعالى قال الله تعالى: (وأمهات نسائكم) ولم يشترط الدخول بالبنت كما اشترط في الام الدخول لتحريم الربيبة فينبغي أن تكون الآية على إطلاقها ولا يلتفت إلى ما يخالفه ويضاده لما روي عنهم (عليهم السلام) ما أتاكم عنا فاعرضوه على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوا به وما خالفه فاطرحوه. انتهى اقول فهذا تطبيق لهما دال على ثبوتهما عنده.

التبيان؛ الطوسي عن رسول الله صلى الله عليه واله انه قال ((اذا جاءكم عني حديث، فاعرضوه على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فاقبلوه، وما خالفه فاضربوا به عرض الحائط)).

  ذكر ها رحمه الله تعالى في مقدمة الكتاب محتجا بها ، قال وروى عنه صلوات الله عليه انه قال: (اذا جاءكم عني حديث، فاعرضوه على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فاقبلوه، وما خالفه فاضربوا به عرض الحائط) وروي مثل ذلك عن أئمتنا عليهم السلام.

 

مجمع البيان؛ الطبرسي  قال قال النبي صلى الله عليه واله: إذا جاءكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله، فما وافقه فاقبلوه، وما خالفه فاضربوا به عرض الحائط. .

قال رحمه الله تعالى قال النبي صلى الله عليه واله: إذا جاءكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله، فما وافقه فاقبلوه، وما خالفه فاضربوا به عرض الحائط. فبين أن الكتاب حجة ومعروض عليه . انتهى فلاحظ جزمه في النبسة و تاسيس قاعدة منه.

  معارج الاصول؛ الحلي قال قال رسول الله صلى الله عليه واله: " إذا روي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله، فان وافق فاقبلوه، والا فردوه ."

 قال رحمه الله تعالى : المسألة الثانية: يجب عرض الخبر على الكتاب، لقوله صلوات الله عليه: " إذا روي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله، فان وافق فاقبلوه، والا فردوه ". انتهى اقول لاحظ كيف افتى بوجوب عرض الكتاب على الخبر. و هذا الكتاب في اصول الفقه فلا يذكر فيه الا ما يفيد العلم اي ان الحديث ثابت عند المحقق مما يوجب اعلى الدرجات العلم حتى انه اسس قاعدة و واجوب مضمونه.

تفسير الرازي: عنه عليه الصلاة والسلام : « إذا روي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله فان وافقه فاقبلوه وإلا فردوه ».

 قال رحمه الله تعالى: أن من الأحاديث المشهورة قوله عليه الصلاة والسلام : « إذا روي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله فان وافقه فاقبلوه وإلا فردوه » فهذا الخبر يقتضي أن لا يقبل خبر الواحد إلا عند موافقة الكتاب، فاذا كان خبر العمة والخالة مخالفا لظاهر الكتاب وجب رده. و قال في موضع اخر (والثاني : أنه روي في الخبر أنه عليه الصلاة والسلام قال : « إذا روي حديث عني فاعرضوه على كتاب الله تعالى فإن وافقه فاقبلوه وإن خالفه فردوه » دلّ هذا الخبر على أن كل خبر ورد على مخالفة كتاب الله تعالى فهو مردود ، فهذا الخبر لما ورد على مخالفة عموم الكتاب وجب أن يكون مردوداً .). انتهى فهو قال بشهرته و حكم بمقتضاه و دعى الى وجوب رد المخالف . وقال ايضا: روي عن النبي صلى الله عليه واله أنه قال : « إذا روي عني حديث فاعرضوه على كتاب الله فلإن وافقه فاقبلوه وإلا ذروه » ولا شك أن الحديث أقوى من القياس ، فاذا كان الحديث الذي لا يوافقه الكتاب مردوداً فالقياس أولى به. وكلامه هنا مشعر بتسليم القاعدة المستفادة من الحديث.  

تفسير اللباب؛ ابن عادل قال عليه الصلاة والسلام : » إذا رُوِيَ عَنِّي حديثٌ فاعْرِضُوه على كِتَاب الله تعالى، فإن وَافق ، فَاقْبَلُوه ، وإلا فَرُدُّوهُ «.

قال رحمه الله تعالى  في خبر ، قال أهل الظَّاهِر هذا تَخْصِيص لعُمُوم القُرْآن بخَيْر الوَاحِد ، وهو لا يَجُوز؛ لأن القُرْآن مَقْطُوع به والخَبَر مَظْنُونٌ ، وقال عليه الصلاة والسلام : » إذا رُوِيَ عَنِّي حديثٌ فاعْرِضُوه على كِتَاب الله- [ تعالى ] ، فإن وَافق ، فَاقْبَلُوه ، وإلا فَرُدُّوهُ « وهذا مُخَالِفٌ لعموم الكِتَاب.

احكام القران؛ الجصاص  عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه واله  انه قال{ مَا جَاءَكُمْ مِنِّي فَاعْرِضُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ ، فَمَا وَافَقَ كِتَابَ اللَّهِ فَهُوَ عَنِّي وَمَا خَالَفَ كِتَابَ اللَّهِ فَلَيْسَ عَنِّي .

قال رحمه الله تعالى في كلام له: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ أَصْحَابِنَا فِي أَنَّ قَوْلَ مَنْ خَالَفَ الْقُرْآنَ فِي أَخْبَارِ الْآحَادِ غَيْرُ مَقْبُولٍ ؛ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه واله أَنَّهُ قَالَ : { مَا جَاءَكُمْ مِنِّي فَاعْرِضُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ ، فَمَا وَافَقَ كِتَابَ اللَّهِ فَهُوَ عَنِّي وَمَا خَالَفَ كِتَابَ اللَّهِ فَلَيْسَ عَنِّي . } فَهَذَا عِنْدَنَا فِيمَا كَانَ وُرُودُهُ مِنْ طَرِيقِ الْآحَادِ. انتهى فهو هنا يطبقه. اقول هنا ورد بلفظ ( عني)  و في موضع (مني) وهو كاضافة الى دلالته على القبول فانه ايضا يثبت الصدور وهذا لا يكون الا بما يعلم، فالحديث بالفاظه السابقة يثبت العلم لما بينا هنا و لان القبول و العمل هو فرع الصدور و النسبة فالحديث المصدق ليس فقط يصح العمل به بل و يصح نسبته الى النبي صلى الله عليه و اله و القول انه معلوم.

احكام القران: روي عن النبي صلى الله عليه و اله ما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله فما وافق كتاب الله فهو مني وما خالفه فليس مني.

قال رحمه الله تعالى  : إذا كان خبر الشاهد واليمين محتملا لما وصفنا وجب حمله عليه وأن لا يزال به حكم ثابت من جهة نص القرآن لما روي عن النبي صلى الله عليه واله: ما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله فما وافق كتاب الله فهو مني وما خالفه فليس مني. 

 

الابانة الكبرى: - حدثنا أبو الحسن أحمد بن زكريا بن يحيى بن عبد الرحمن الساجي البصري ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا محمد بن الحارث المخزومي ، قال : حدثنا يحيى بن جعدة المخزومي ، عن عمر بن حفص ، عن عثمان بن عبد الرحمن يعني الوقاصي ، عن سالم ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : « يا عمر ، لعل أحدكم متكئ على أريكته  ثم يكذبني ، ما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله ، فإن وافقه ، فأنا قلته ، وإن لم يوافقه فلم أقله » .

 قال رحمه الله تعالى بعد ان ذكر الحديث: قال ابن الساجي : قال أبي رحمه الله : هذا حديث موضوع عن النبي صلى الله عليه واله . قال : وبلغني عن علي بن المديني ، أنه قال : ليس لهذا الحديث أصل ، والزنادقة وضعت هذا الحديث قال الشيخ : « وصدق ابن الساجي ، وابن المديني رحمهما الله ، لأن هذا الحديث كتاب الله يخالفه ، ويكذب قائله وواضعه. انتهى  اقول المهم هنا هو انه ذكر الحديث و اسنده و مناقشته ستاتي،  و قوله (ليس لهذا الحديث أصل ) اي ليس له طريق يصح لان الحديث مروى مسندا عن بعض الصحابة و هنا عن ابن عمر. و هم انما حكموا بالمخالفة و الوضع لانهم رأوا انه تقييد لاطلاق القران و انه تعطيل للسنة و عرض للسنة على القران لكن الحديث ليس في ذلك ، بل الحديث في عرض الحديث الظني على القران، اما الحديث الثابت فلا يحتاج الى عرض فهو سنة . هذا و ان الخبير يعلم ان حكمهم هنا بالوضع وفي احاديث اخرى، ليس لعدم الاسناد و ليس الاساس عدم طريق صحيح بل لان المتن مخالف للقران وهذا عرض ايضا، فحتى من نفوا الحديث انما نفوه بالعرض.

 

الرسالة ؛ الشافعي عن النبي  صلى الله عليه و اله قال " ما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله فما وافقه فأنا قلته وما خالفه فلم أقله ".

 قال رحمه الله تعالى: قال أفتجد حجة على من روى أن النبي قال " ما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله فما وافقه فأنا قلته وما خالفه فلم أقله " . فقلت له ما ورى هذا من يثبت حديثه في شئ صغر ولا كبر. فيقال لنا قد ثبتم حديث من روى هذا في شئ .(قلت)  وهذا أيضا رواية منقطعة عن رجل مجهول ونحن لا نقبل مثل هذه الرواية في شئ.  انتهى اقول هذا المصدر من اقرب المصادر لزمن النص وهو يثبته و قد اخرج البيهقي سنده  بين طريق الشافعي اليه .   واعتراض الشافعي هنا سندي و قد عرفت و ستعرف اكثر انه لا ملازمة بين ضعف السند و ضعف الحديث، و انما ضعف الحديث يبقيه في خانة الظن فاذا كانت هناك قرائن عقلائية تدخل في العلم صار علما و بينت اصول قرانية ان المصدقية و الشواهد كفيلة بذلك وهذا ما عليه سيرة العقلاء بل الفطرة. و للشافعي ايصا اعتراض متني سنذكره في المناقشة.

 

المعرفة للبيهقي: أخبرنا به أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو في كتاب السير قالا : أخبرنا أبو العباس قال أخبرنا الربيع ، قال أخبرنا الشافعي قال : قال أبو يوسف : حدثنا خالد بن أبي كريمة ، عن أبي جعفر ، عن رسول الله صلى الله عليه واله أنه دعا اليهود فسألهم فحدثوه حتى كذبوا على عيسى صلوات الله عليه ، فصعد النبي صلى الله عليه واله المنبر فخطب الناس فقال : « إن الحديث سيفشو عني فما أتاكم عني يوافق القرآن فهو عني وما أتاكم عني يخالف القرآن فليس عني ».

 قال رحمه الله تعالى: قال الشافعي – في كلام له مع بعضهم عن حديث العرض- فقلت له : ما روى هذا أحد يثبت حديثه في شيء صغير ولا كبير ، فيقال لنا : قد ثبتم حديث من روى هذا في شيء ، قال : وهذه أيضا رواية منقطعة عن رجل مجهول ، ونحن لا نقبل مثل هذه الرواية في شيء. قال البيهقي وكأنه أراد  ما أخبرنا به أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو وذكر الحديث. ثم قال  هذه الرواية منقطعة كما قال الشافعي في كتاب الرسالة ، وكأنه أراد بالمجهول حديث خالد بن أبي كريمة ، ولم يعرف من حاله ما يثبت به خبره . انتهى  اقول المهم هنا هو اثبات السند، و ما ذكره من الاشكال السندي ستاتي مناقشته.

 

اصول السرخسي:. قال قال صلوات الله عليه: تكثر الاحاديث لكم بعدي فإذا روي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله تعالى فما وافقه فاقبلوه واعلموا أنه مني، وما خالفه فردوه واعلموا أني منه برئ.

قال رحمه الله تعالى في قوله صلوات الله عليه: كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل وكتاب الله أحق.   فعرفنا أن المراد ما يكون مخالفا لكتاب الله تعالى، وذلك تنصيص على أن كل حديث هو مخالف لكتاب الله تعالى فهو مردود. وقال صلوات الله عليه: تكثر الاحاديث لكم بعدي فإذا روي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله تعالى فما وافقه فاقبلوه واعلموا أنه مني، وما خالفه فردوه واعلموا أني منه برئ. اقول لاحظ ان السرخسي في كتاب اصول الفقه يقول قال صلوات الله عليه بما ظاهره الجزم بالصدور. كما ان هذا الحديث يصبت القبول و العلم بالنسبة. كما ان المصنف استفاد العرض من حديث الشرط وكونه نصا فيه.

اصول السرخسي: وقال صلوات الله عليه: إذا روي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فاقبلوه، وما خالف كتاب الله فردوه.

  قال السرخسي: فعرفنا أن نسخ الكتاب لا يجوز بالسنة، وقال صلوات الله عليه: إذا روي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فاقبلوه، وما خالف كتاب الله فردوه. ومع هذا البيان من رسول الله (صلى الله عليه و اله) كيف يجوز نسخ الكتاب بالسنة ؟ ! اقول المهم هنا ذكره الحديث في كتاب اصولي و تاسيس قاعدة عليه دالا على جزمه به و معلوميته عنده و ان كانت القاعدة التي استفادها لا يدل الحديث عليه فالحديث في ما (يروى) و ليس في السنة ، فان السنةهي ما يعلم وهي هي المشافهة او ما يروى مع الثبوت والعلم بالمصدقية ونحوها، اي السنة حديث ثابت معلوم و العلم هنا مطلق الاطمئنان،  اما ما يروى  فهو ظن فمنه ما يثبت و يعلم اي يصبح علما و منه ما لا يثبت ويبقى ظنا، فالاول – اي العلمي- يحكم على القران لانه علم و العلم يحكم على العلم و اما الثاني – الظني- فلا يحكم على القران. من هنا فالسنة تنسخ القران و ما لا يسنخ القران هو خبر الاحاد الظني و خبر الاحاد هو ما يروى ولا شاهد له.

كشف الاسرار؛ عبد العزيز البخاري عنهِ صلوات الله عليه { إذَا رُوِيَ لَكُمْ عَنِّي حَدِيثٌ فَاعْرِضُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ فَمَا وَافَقَ فَاقْبَلُوهُ ، وَمَا خَالَفَ فَرُدُّوهُ }.

 قال رحمه الله تعالى: أَنَّ الْحَدِيثَ الْغَرِيبَ يَجِبُ قَبُولُهُ إنْ كَانَ مُوَافَقًا بِالْكِتَابِ لِقَوْلِهِ صلوات الله عليه { إذَا رُوِيَ لَكُمْ عَنِّي حَدِيثٌ فَاعْرِضُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ فَمَا وَافَقَ فَاقْبَلُوهُ ، وَمَا خَالَفَ فَرُدُّوهُ } وَمَعَ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي قَبُولِهِ إلَّا تَأْكِيدُ دَلِيلِ الْكِتَابِ بِهِ فَكَذَا التَّعْلِيلُ عَلَى مُوَافَقَتِهِ الْكِتَابَ يَجُوزُ لِهَذِهِ الْفَائِدَةِ. اقول لاحظ كيف جزم المصنف بالحديث و اوجب العمل بالحديث الغريب سندا الموافق للكتاب و ان هذا قاعدة اصولية و التي لا تستفاد الا من العلم كما هو معلوم.

التوضيح على التنقيح ، عبيد الله البخاري: عنه صلوات الله عليه قال{ يَكْثُرُ لَكُمْ الْأَحَادِيثُ مِنْ بَعْدِي فَإِذَا رُوِيَ لَكُمْ عَنِّي حَدِيثٌ فَاعْرِضُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَمَا وَافَقَ كِتَابَ اللَّهِ فَاقْبَلُوهُ ، وَمَا خَالَفَ فَرُدُّوهُ }.

قال رحمه الله تعالى: فَصَارَ الِانْقِطَاعُ الْبَاطِنُ عَلَى قِسْمَيْنِ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعًا بِسَبَبِ كَوْنِهِ مُعَارَضًا . وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ الِانْقِطَاعُ بِنُقْصَانٍ فِي النَّاقِلِ , وَالْأَوَّلُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ : إمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَارِضًا لِلْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ أَوْ بِكَوْنِهِ شَاذًّا فِي الْبَلْوَى الْعَامِّ أَوْ بِإِعْرَاضِ الصَّحَابَةِ عَنْهُ فَإِنَّهُ مُعَارِضٌ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ . فَلَمَّا ذَكَرَ الْوُجُوهَ الْأَرْبَعَةَ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الِانْقِطَاعِ الْبَاطِنِ , وَهَذَانِ الْقِسْمَانِ , وَإِنْ كَانَا مُتَّصِلَيْنِ ظَاهِرًا لِوُجُودِ الْإِسْنَادِ لَكِنَّهُمَا مُنْقَطِعَانِ بَاطِنًا وَحَقِيقَةً . أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَلِقَوْلِهِ : عليه السلام = يَكْثُرُ لَكُمْ الْأَحَادِيثُ مِنْ بَعْدِي فَإِذَا رُوِيَ لَكُمْ عَنِّي حَدِيثٌ فَاعْرِضُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَمَا وَافَقَ كِتَابَ اللَّهِ فَاقْبَلُوهُ , وَمَا خَالَفَ فَرُدُّوهُ = فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ كُلَّ حَدِيثٍ يُخَالِفُ كِتَابَ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحَدِيثِ الرَّسُولِ عليه السلام , وَإِنَّمَا هُوَ مُفْتَرًى , وَكَذَلِكَ كُلُّ حَدِيثٍ يُعَارِضُ دَلِيلًا أَقْوَى مِنْهُ فَإِنَّهُ مُنْقَطِعٌ عَنْهُ عليه السلام ; لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ لَا يُنَاقِضُ بَعْضُهَا بَعْضًا , وَإِنَّمَا التَّنَاقُضُ مِنْ الْجَهْلِ الْمَحْضِ .انتهى. اقول ان ما هاهنا اصرح ما قيل و اوضح صور التطبيق لحديث العرض. بل صرح ان المخالفة للكتاب تعني الكذب و المخالفة للثابت تعني الانقطاع وهذا و ان كان لاجل مركزية السند في الاذهان، الا انه يعني الاعتبار و الحجية لاجل ما هو معروف عند اهل السند ولاجل ان النقل عرفا لا يكون الا بواسطة فانه لا بد من الاتصال عرفا، فبين المصنف ان المخالفة دالة على عدم الاتصال وعدم الاعتبار، بل حكم ان مخالفة الكتاب كذب، و استفاد جوهر ذلك و اساسه من ان الادلة لا تتناقض وهو تام و دلت عليه الاصول القرانية التي ذكرناها. فمخالفة العلم اي الكتاب و السنة الثابتة تعني بقاء الخبر في مجال الظن والظن لا يصح العمل به.   ان ( الاتصال) الذي اشار اليه المصنف لا يعني صحة الحديث اصطلاحا لانه مفروض هنا كما ان صحة الحديث اصطلاحا لا يوجب العلم بصحة الحديث حقيقة، بل ما اراده هو العلم بصحة الحديث حقا والذي يعنيه حديث صحيح اصطلاحا غير مخالف للقران . هذا وان الحديث الصحيح حقا على التحقيق اعم من ذلك فيشمل ارسال المعصوم و يشمل الحديث الضعيف . و يكفي في العلم الاطمئنان باحراز الموافقة واعلى درجات الحديث الصحيح حقا ( المصدق) الحديث المعصوم.  

اصول الشاشي: قال صلوات الله عليه  ( تكثر لكم الأحاديث بعدي فإذا روي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله فما وافق فاقبلوه وما خالف فردوه ) .

 قال رحمه الله تعالى: في  بحث شرط العمل بخبر الواحد :  قلنا شرط العمل بخبر الواحد أن لا يكون مخالفا للكتاب والسنة المشهورة وأن لا يكون مخالفا للظاهر قال صلوات الله عليه  ( تكثر لكم الأحاديث بعدي فإذا روي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله فما وافق فاقبلوه وما خالف فردوه )   وتحقيق ذلك فيما روي عن علي بن أبي طالب أنه قال كانت الرواة على ثلاثة أقسام  1 - مؤمن مخلص صحب رسول الله صلى الله عليه و سلم وعرف معنى كلامه  2 - وأعرابي جاء من قبيلة فسمع بعض ما سمع ولم يعرف حقيقة كلام رسول الله صلى الله عليه و سلم فرجع إلى قبيلته فروى بغير لفظ رسول الله صلى الله عليه و سلم فتغير المعنى وهو يظن أن المعنى لا يتفاوت  3 - ومنافق لم يعرف نفاقه فروى مالم يسمع وافترى فسمع منه أناس فظنوه مؤمنا مخلصا فرووا ذلك واشتهر بين الناس .  فلهذا المعنى وجب عرض الخبر على الكتاب والسنة المشهورة .  ونظير العرض على الكتاب في حديث مس الذكر فيما يروى عنه من مس ذكره فليتوضأ .  فعرضناه على الكتاب فخرج مخالفا لقوله تعالى فيه رجال يحبون أن يتطهروا فإنهم كانوا يستنجون بالأحجار ثم يغسلون بالماء  ولو كان مس الذكر حدثا لكان هذا تنجيسا لا تطهيرا على الإطلاق   وكذلك قوله صلوات الله عليه  أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل خرج مخالفا لقوله تعالى فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن . اقول ان هذا الكلام اعتبره تلخيضا لبحثنا من حيث التأصيل و الاعتماد و التعليل و التطبيق.

الابهاج: أبو يعلى الموصلي في مسنده موصولا من حديث أبي هريرة واللفظ ( أنه ستأتيكم عني أحاديث مختلفة فما أتاكم عني موافقا لكتاب الله وسنتي فليس مني ).

قال رحمه الله تعالى في الإبهاج في كلام:  أحدها ما روي أنه صلى الله عليه و سلم قال إذا روى عني حديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فاقبلوه وإن خالفه فردوه.  وهذا الحديث مخصوص بالكتاب فلا يدل على السنة المتواترة كما هي طريقة المصنف وقد رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده موصولا من حديث أبي هريرة واللفظ أنه إِنَّه سَيَأْتِيكُمْ عني أَحَادِيث مُخْتَلفَة، فَمَا جَاءَكُم مُوَافقا لكتاب الله وسنتي فَهُوَ مني، وَمَا جَاءَكُم مُخَالفا لكتاب الله وسنتي فَلَيْسَ مني وفي سنده مقال.  انتهى اقول اهمية هذا اللفظ انه ذكر السنة وهذا رد لكل من قال ان حديث العرض شامل للسنة، بل حديث العرض موضوعه الرواية الظنية و ليس السنة و لا الحديث الثابت الذي هو سنة واقول بوضوح انه فهم خاطئ و لا ينبغي التوقف عنده بعد هذا البيان. فالمعروض تارة الكتاب و اخرى السنة اسي الثابت من علمهما و معارفهما. واما رده بضعف السند فقد عرفت ما قال بعض الاعلام و عملهم و اعتمادهم.

الانصاف؛ لابطليوسي: عنه صلى الله عليه و اله (ان الأحاديث ستكثر بعدي كما كثرت عن الأنبياء قبلي فما جاءكم عني  فأعرضوه على كتاب الله تعالى فما وافق كتاب الله فهو عني قلته أو لم لم أقله ).

قال رحمه الله تعالى قد نبه رسول الله صلى الله عليه و سلم على نحو هذا الذي ذكرناه بقوله ان الأحاديث ستكثر بعدي كما كثرت عن الأنبياء قبلي فما جاءكم عني  فأعرضوه على كتاب الله تعالى فما وافق كتاب الله فهو عني قلته أو لم لم أقله . اقول لاحظ جزم المصنف بالحديث و جعله حجة له.

الدار قطني- حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ السَّمَّاكِ حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا جُبَارَةُ بْنُ مُغَلِّسٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِى النَّجُودِ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه واله- « إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِى رُوَاةٌ يَرْوُونَ عَنِّى الْحَدِيثَ فَاعْرِضُوا حَدِيثَهُمْ عَلَى الْقُرْآنِ فَمَا وَافَقَ الْقُرْآنَ فَخُذُوا بِهِ وَمَا لَمْ يُوَافِقِ الْقُرْآنَ فَلاَ تَأْخُذُوا بِهِ ». هَذَا وَهَمٌ. وَالصَّوَابُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِىِّ بْنِ الْحُسَيْنِ مُرْسَلاً عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه واله-. و في جمع الجوامع: ستكون عنى رواة يروون الحديث فاعرضوه على القرآن فإن وافق القرآن فخذوها وإلا فدعوها (ابن عساكر عن على) أخرجه ابن عساكر . 

 

 

 الطبراني: حدثنا علي بن سعيد الرازي ثنا الزبير بن محمد بن الزبير الرهاوي ثنا قتادة بن الفضيل عن أبي حاضر عن الوضين عن سالم ابن عبد الله عن عبد الله بن عمر : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : - سئلت اليهود عن موسى فأكثروا فيه وزادوا ونقصوا حتى كفروا وسئلت النصارى عن عيسى فأكثروا فيه وزادوا ونقصوا حتى كفروا وإنه سيفشوا عني أحاديث فما أتاكم من حديثي فاقرأوا كتبا الله واعتبروه فما وافق كتاب الله فأنا قلته وما لم يوافق كتاب الله فلم أقله ). اقول مع ان الحديث صرح بلفظ (فاقرأوا كتبا الله واعتبروه) فانه كناية عن تحصيل الشاهد فيكون من الاحاديث الشارحة و يكفي في العرض و تحصيل الموافقة و الشاهد مطلقها حتى الارتكاز و لا يشترط تحصيل منطوق فضلا عن القراءة.

الطبراني: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة ثنا إسحاق بن إبراهيم أبو النضر ثنا يزيد بن ربيعة ثنا أبو الأشعث عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( ألا إن رحى الاسلام دائرة ) قال : فكيف نصنع يا رسول الله ؟ قال : ( أعرضوا حديثي على الكتاب فما وافقه فهو مني وأنا قلته ). اقول قوله صلوات الله عليه فهو مني دال بلا ريب ان المراد هو الحديث المروي المنقول و ليس المسموع و لا السنة الثابتة.

   الْهَرَوِيّ فِي ذمّ الْكَلَام من حَدِيث صَالح بن مُوسَى، عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: « إِنَّه سَيَأْتِيكُمْ عني أَحَادِيث مُخْتَلفَة، فَمَا جَاءَكُم مُوَافقا لكتاب الله وسنتي فَهُوَ مني، وَمَا جَاءَكُم مُخَالفا لكتاب الله وسنتي فَلَيْسَ مني » .

 الأحكام لابن حزم : حدثنا المهلب بن أبي صفرة، حدثنا ابن مناس، ثنا محمد بن مسرور القيرواني، ثنا يونس بن عبد الاعلى، عن ابن وهب، أخبرني شمر بن نمير، عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب أن رسول الله (ص) قال: سيأتي ناس يحدثون عني حديثا، فمن حدثكم حديثا يضارع القرآن فأنا قلته، ومن حدثكم بحديث لا يضارع القرآن فلم أقله، فإنما هو حسوة من النار. قال أبو محمد: الحسين بن عبد الله ساقط منهم بالزندقة، وبه إلى ابن وهب. اقول و فائدة هذا الحديث انه ذكر في كتاب لاصول الفقه الذي لا يحتج فيها بالظن فهو ثابت عند المصنف. كما انه من الاحاديث التي شرحت معنى الموافقة و عبر عنها ( بالمضارعة) . والمضارع: الذي يضارع الشيء كأنّه مثلُهُ وشِبْهُه وهذا هو الشاهد. ولقد قال في بداية الفصل : فصل قال علي: وقد ذكر قوم لا يتقون الله عز وجل أحاديث في بعضها إبطال شرائع الاسلام، وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) وإباحة الكذب عليه، وهو ما حدثنا المهلب بن أبي صفرة الحديث. و سياتي في المناقشات ما في هذا الكلام.

الأحكام لابن حزم : أخبرني المهلب بالسند الاول إلى ابن وهب، حدثني سليمان بن بلال، عن عمرو ابن أبي عمرو، عمن لا يتهم، عن الحسن أن رسول الله (ص) قال: وإني لا أدري لعلكم أن تقولوا عني بعدي ما لم أقل، ما حدثتم عني مما يوافق القرآن فصدقوا به، وما حدثتم عني مما لا يوافق القرآن فلا تصدقوا به وما لرسول الله (ص) حتى يقول ما لا يوافق القرآن، وبالقرآن هداه الله. قال أبو محمد: وهذا مرسل وفيه: عمرو بن أبي عمرو - وهو ضعيف، وفيه أيضا مجهول.  اقول هذا نص في انه في العرض للرواية و ليس السنة.  واهمية الحديث هنا انه مذكور في كتاب اصول الفقه الذي لا تبنى مساؤله الا على العلم.

  الاحكام في اصول الاحكام.  : قال رسول الله صلى الله عليه واله «إِذَا حُدِّثْتُمْ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُوَافِقُ الحَقَّ فَخُذُوا بِهِ حَدَّثْتُ بِهِ أَوْ لَمْ أُحَدِّثْ. اقول هذا من احاديث التي تشرح المعروض عليه فلفظة ( الحق)  تبين ان المعروض عليه هو الحق و الصدق و قد بينا ان الحق في الشرع هو المحكم الثابت المعلوم المتفق عليه من القران و السنة و ليس ما يختلف فيه.

الاحكام: قال رسول الله صلى الله عليه واله: ( إذا روي عني حديث ، فاعرضوه على كتاب الله ، فما وافقه فاقبلوه ، وما خالفه فردوه )الاحكام و المحصول بلفظ (فإن وافقه فاقبلوه وإن خالفه فردوه). وهذان كتاب اصول فقه فلا يذكر فيهما الا ما يفيد العلم.

الافصاح، المفيد: عنه عليه صلى الله عليه وآله في الاخبار حتى بلغه ذلك ، فقال " : كثرت الكذابة علي فما أتاكم عني من حديث فاعرضوه على القرآن.

قال رحمه الله تعالى: ثم لم يزالوا يكذبون عليه صلى الله عليه وآله في الاخبار حتى بلغه ذلك ، فقال " : كثرت الكذابة علي فما أتاكم عني من حديث فاعرضوه على القرآن. و عن الامالي : قال الباقر صلوات الله عليه : انظروا أمرنا وما جاءكم عنا، فإن وجدتموه للقرآن موافقا فخذوا به، وإن لم تجدوه موافقا فردوه، وإن اشتبه الأمر عليكم فقفوا عنده، وردوه إلينا حتى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا.))  و فائدة هذا الحديث ان المفيد من المدرسة القرائنية فلا يعمل الا بما يفيد العلم ولا يعمل بالاخبار الظنية واخبار الاحاد التي ليس لها قرائن عنده توجب الاطمئنان.

قال محمد طاهر في الاربعين:  مع أن خبر الواحد إذا لم يكن مشهورا وعارضه القرآن كان مردودا، لقوله صلوات الله عليه: إذا ورد عني حديث فاعرضوه على كتاب الله فان وافقه فاقبلوه والا فردوه.

الاصول الاصلية: وقال النبي (صلى الله عليه و اله ): إذا جاءكم عنى حديث فاعرضوه على كتاب الله فما وافقه فاقبلوه، وما خالفه فاضربوا به عرض الحائط، فبين ان الكتاب حجة ومعروض. وفائدة هذا الكتاب انه في اصول الفقه فيذكر فيه ما يفيد العلم مما يدل على الثبوت. و استدل فيه ايضا فقال لا ينبغي ان يرتاب أحد في جواز تفسير القرآن لغير المعصومين عليهم السلام في الجملة والا لما صح قولهم في أخبار كثيرة: إذا جاءكم عنا حديث فاعرضوه على كتاب الله، كما يأتي ذكرها. اقول وهذا نص في تصحيح هذه الاخبار اذ انه احتج بصحتها بل و التسليم بذلك على بطلان قول المانعين.و قد ذكره في مقدمة تفسيره محتجا به حيث قال (وقال النبي (صلى الله عليه وآله): إذا جاءكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله تعالى فما وافق كتاب الله فاقبلوه وما خالفه فاضربوا به عرض الحائط . وكيف يمكن العرض ولا يفهم به شئ).

 

المحاسن: عنه عن علي بن الحكم عن أبان بن عثمان عن عبد الله بن أبي يعفور قال علي و حدثني الحسين بن أبي العلاء أنه حضر ابن أبي يعفور في هذا المجلس قال سألت أبا عبد الله (صلوات الله عليه) عن اختلاف الحديث يرويه من يثقبه و فيهم من لا يثق به فقال إذا ورد عليكم حديث فوجدتموه له شاهد من كتاب الله أومن قول رسول الله (صلى الله عليه و اله) و إلا فالذي جاءكم به أولى به . و الحديث صحيح سندا. وفائدة هذا الحديث انه مفسر للعرض بذكر الشاهد و ذكر السنة.

رجال الكشي: محمد بن قولويه، والحسين بن الحسن بن بندار معا، عن سعد، عن اليقطيني، عن يونس بن عبد الرحمن : حدثني هشام بن الحكم أنه سمع أبا عبد الله صلوات الله عليه يقول: لا تقبلوا علينا حديثا إلا ما وافق القرآن والسنة أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدمة، فإن المغيرة بن سعيد لعنه الله دس في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها أبي، فاتقو الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا تعالى وسنة نبينا محمد صلى الله عليه واله. وهو صحيح السند.

 

المحاسن:  عنه عن أبيه عن علي بن النعمان عن أيوب بن الحر قال سمعت أبا عبد الله ع يقول كل شي ء مردودإلى كتاب الله و السنة و كل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف .  وهو صحيح السند.

رجال الكشي: محمد بن قولويه، والحسين بن الحسن بن بندار معا، عن سعد، عن اليقطيني، عن يونس بن عبد الرحمن  عن على أبي الحسن الرضا صلوات الله عليه : قال لا تقبلوا علينا خلاف القرآن فإنا إن تحدثنا حدثنا بموافقة القرآن وموافقة السنة، إنا عن الله وعن رسوله نحدث، ولا نقول: قال فلان وفلان فيتناقض كلامنا، إن كلام آخرنا مثل كلام أولنا، وكلام أولنا مصداق لكلام آخرنا، وإذا أتاكم من يحدثكم بخلاف ذلك فردوه عليه وقولوا: أنت أعلم و ما جئت به. وهو صحيح السند.

 

البلخي في قبول الاخبار بسنده سعيد بن جبير قال قال  رسول الله صلى الله عليه واله : ما كان من حديث يوافق الحق فهو مني وما خالف الحق فليس مني.

البلخي في قبول الاخبار بسنده عن الربيع بن خيثم من هذا الحديث حدثنا له ضوء كضوء النهار  وان منه ما عليه ظلمة كظلمة الليل.

تفسير بن كثير  عن ابي البختري عن علي عليه السلام ، قال: إذا حدثتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا، فظنوا به الذي هو أهدى، والذي هو أهنا، والذي هو أتقى.

عن أبي عبد الرحمن، عن علي عليه السلام قال: إذا حدثتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا، فظنوا به الذي هو أهداه وأهناه وأتقاه .

 

 

 

 

 

 

 

مسألة) في مناقشات علماء في حديث العرض

 

مناقشة (1) قال الشافعي يحدث عن رجل: قال: فهذا عنْدِي كما وصفْتَ أفَتَجِدُ حُجَّةً على مَنْ رَوَى أنَّ النبي قال : " مَا جَاءَكُمْ عَنِّي فَاعْرِضُوُه عَلَى كِتَابِ اللهِ فَمَا وَافَقَهُ فَأَنَا قُلْتُهُ وَمَا خَالَفَهُ فَلَمْ أَقُلْهُ "  فقلْتُ له : ما رَوَى هذا أحدٌ يَثْبُتُ حَدِيثُهُ في شيء صَغُرَ وَلَا كَبُرَ فيُقالَ لنا : قدْ ثَبَّتُّمْ حَدِيثَ مَنْ رَوَى هَذا في شَيْءٍ . وهذه أيضاً رِوايةٌ مُنْقَطِعة عَن رَجُلٍ مَجْهولٍ ونحن لا نَقْبَلُ مِثْلَ هذه الرِّوايَةِ في شيْءٍ . قال البيهقي في معرفة السنن: وكأنه أراد  ما أخبرنا به أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو في كتاب السير قالا : أخبرنا أبو العباس قال أخبرنا الربيع ، قال أخبرنا الشافعي قال : قال أبو يوسف : حدثنا خالد بن أبي كريمة ، عن أبي جعفر ، عن رسول الله صلى الله عليه واله أنه دعا اليهود فسألهم فحدثوه حتى كذبوا على عيسى صلوات الله عليه ، فصعد النبي صلى الله عليه واله المنبر فخطب الناس فقال : « إن الحديث سيفشو عني فما أتاكم عني يوافق القرآن فهو عني وما أتاكم عني يخالف القرآن فليس عني » . اقول قد بينا مرارا ان ضعف السند بحسب الاصطلاح لا يلزم منه العلم بعدم الصدور، بل اقصى ما يفيد ان الخبر يبقى في مجال الظن و لا فرق في كون الحديث الاحاد صحيحا او ضعيفا من حيث الظنية و انما الصحيح الظن فيه اقوى لكنه يبقى ظنا، فكلاهما اي الصحيح والضعيف يحتاج الى ما يخارجه من الظن الى العلم . و المصدقية  و الموافقة تضفي العلمية المطلوبة لاجل الاعتماد، و لا يعني العلم هنا هو القطع بل مطلق الاطمئنان. هذا و ان صاحب تذكرة المحتاج قال في خَالِد بن أبي كَرِيمَة : إِن كَانَ هُوَ الرَّاوِي عَن عِكْرِمَة وَمُعَاوِيَة بن قُرَّة فقد عرف، رَوَى عَنهُ شُعْبَة ووكيع وَجَمَاعَة، وَوَثَّقَهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن معِين: ضَعِيف الحَدِيث.انتهى اقول وان ابا جعفر هو الباقر صلوات الله عليه وهو عالم عارف صدوق عند الكل  حتى عند من لم يقل بامامته فلا يرسل من دون علم كما ان المعروف من طريقته انه يروي عن ابائه عن رسول الله صلى الله عليه و اله، كما ان بعض الاعلام حكم  بعد الخلاف و بعضهم بالشهرة و بعضهم طبقه و قعد من القواعد دالا على اعتماده و العمل به. هذا وان حديث العرض يعني العمل بالمصدق و ليس بخبر الاحاد فضلا عن تخصيص القران بالاحاد ، و اما الثابت من السنة و الحديث الثابت فضلا عن المشافهة فالعمل بها متعين كما ان المخالفة ليس ما يراه العقلاء من توفيقات جائزة من تخصيص و تقييد و انما المخالفة ما لا يجوز العرف الجمع بينهما . ولا ريب ان السنة بل و القران احيانا يكشف عن ان المراد خاص و ليس عام و مطلق و ليس مقيد في اية، لكن ما يكشف ذلك و يبينه يجب ان يكون علما، ويكفي كل ما يحقق الاطمئنان و ليس خبر الاحاد منه ومن هنا يتبين ما في قول الشافعي : ليس يخالف الحديث القرآن ولكن حديث رسول الله صلى الله عليه واله يبين معنى ما أراد خاصا وعاما وناسخا ومنسوخا ، ثم يلزم الناس ما سن بفرض الله ، فمن قبل عن رسول الله صلى الله عليه واله فعن الله قبل. اقول ان هذا القول ينطوي على معنى خطير وهو ابطال ظاهر القران بظواهر اخبار الاحاد، و ترك العلم لاجل الظن، و لا يقال ان ظاهر القران ظن  وان ما في الاحاد الحاكم علم، فانه من زخرف القول، اذ ان العقلاء و اهل اللغة يبحثون توفيق الدلات و تحصيل الدلات المحصلة بعد ثبوت النصوص، اي و تحقق كونها علما، فلا يجيزون التوفيق الدلالي بين نص معلوم و نص مظنون، بل هذا خلاف الفطرة . ولو كان الشافعي يقصد بلفظ (الحديث) هنا السنة او الحديث الثابت او المصدق لكان الامر سهلا و لو كان بالامكان حمل كلامه عليه لكان الامر سهل ايضا لكن المعلوم ان الشافعي هنا يقصد حديث الاحاد. قال في الموافقات : فإذا تقرر هذا فقد فرضوا فى - كتاب الأخبار مسألة مختلفا فيها ترجع إلى الوفاق في هذا المعنى فقالوا خبر الواحد إذا كملت شروط صحته هل يجب عرضه على الكتاب أم لا فقال الشافعي لا يجب لأنه لا تتكامل شروطه إلا وهو غير مخالف للكتاب وعند عيسى بن أبان يجب محتجا بحديث فى هذا المعنى وهو قوله  إذا روى لكم حديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافق فاقبلوه وإلا فردوه. فهذا الخلاف كما ترى راجع إلى الوفاق، وسيأتي تقرير ذلك فى دليل السنة إن شاء الله تعالى  وللمسألة أصل في السلف الصالح فقد ردت عائشة رضى الله تعالى عنها حديث  إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه بهذا الأصل نفسه لقوله تعالى ألا تزر وازرة وزر أخرى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وردت حديث رؤية النبي صلى الله عليه و سلم لربه ليلة الإسراء لقوله تعالى لا تدركه. انتهى اقول قد عرفت ما فيه بان الشافعي لا يعني ان خبر الاحاد من شروطه الا يخالف القران بل يعني ان الحديث يكشف عن مراد الاية وان المراد الخاص او المقيد و ليس العام او المطلق.

و لقد  استدل الشافعي بحديث هو في السنة و في العلم حيث قال : قال فهل عن النبي رواية بما قلتم ؟ فقلت له نعم أخبرنا سفيان قال أخبرني سالم أبو النضر أنه سمع عبيد الله بن أبي رافع يحدث عن أبيه أن النبي قال لاألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الامر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدري ما وجدنا في كتاب الله تبعاناه . قال الشافعي فقد ضيق رسول الله على الناس أن يردوا امره بفرض الله عليهم اتباع أمره. انتهى اقول الحديث في رد السنة، و الحديث فيمن يقول لا نعمل الا بالقران، وهذا بعيد كل البعد عن المنع من اعتماد خبر الاحاد من دون عرض و تصديق. و ان القران و السنة في هذا الحديث و غيره تقول ان العلم بعمل به وانه لا يتناقض و انما يكشف بعضه عن مراد بعض، و ان الظن لا يعمل به مهما كان طريقه و ظهور دلالته. هذا ما يقوله القران و السنة و ليس يقول اعملوا بخبر الاحاد الظني لان طريقه صحيح ، و لا تحكيم الظن على العلم بحجة ان دلالته اظهر و اقوى.

هذا وان هذا الحديث مسند و بطرق قال في تذكرة المحتاج  :  الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ : حَدِيث : «إِذا رُوِيَ عني حَدِيث فاعرضوه عَلَى كتاب الله ، فَإِن وَافق فاقبلوه، وَإِن خَالف فَردُّوهُ» .

هَذَا الحَدِيث لَهُ طرق :

 أَحدهَا: من رِوَايَة عَلّي كرم الله وَجهه، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة جبارَة بن الْمُغلس - وَهُوَ ضَعِيف - عَن أبي بكر بن عَيَّاش ، عَن عَاصِم بن أبي النجُود ، عَن زر ، عَن عَلّي رَفعه : «إِنَّهَا سَيكون بعدِي رُوَاة يروون عني الحَدِيث، فأعرضوا حَدِيثهمْ عَلَى الْقُرْآن، فَمَا وَافق الْقُرْآن فَخُذُوا بِهِ، وَمَا لم يُوَافق الْقُرْآن فَلَا تَأْخُذُوا بِهِ» . ثمَّ قَالَ: هَذَا وهم، وَالصَّوَاب عَن عَاصِم عَن زيد بن عَلّي مُرْسلا عَن رَسُول الله صلى الله عليه واله َ .

الثَّانِي : من حَدِيث ابْن عمر، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث الْوَضِين بن عَطاء، عَن سَالم، عَن أَبِيه مَرْفُوعا: «مَا أَتَاكُم من حَدِيثي فاقرأوا كتاب الله واعتبروه، فَمَا وَافق كتاب الله فَأَنا قلته ، وَمَا لم يُوَافق كتاب الله فَلم أَقَله» . الْوَضِين قَالَ أَحْمد: مَا بِهِ من بَأْس. وَلينه غَيره .

الطَّرِيق الثَّالِث : من حَدِيث ثَوْبَان رحمه الله ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا من حَدِيث يزِيد بن ربيعَة، عَن أبي الْأَشْعَث ، عَن ثَوْبَان مَرْفُوعا: «إِن رَحى الإِسلام دَائِرَة» قَالُوا: كَيفَ نصْنَع يَا رَسُول الله؟ قَالَ: «اعرضوا حَدِيثي عَلَى الْكتاب، فَمَا وَافقه فَهُوَ مني، وَأَنا قلته » . يزِيد هَذَا قَالَ البُخَارِيّ: أَحَادِيثه مَنَاكِير. وَقَالَ النَّسَائِيّ : مَتْرُوك .

الطَّرِيق الرَّابِع : من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَحمه اللَّهُ  ، رَوَاهُ الْهَرَوِيّ فِي ذمّ الْكَلَام من حَدِيث صَالح بن مُوسَى، عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: « إِنَّه سَيَأْتِيكُمْ عني أَحَادِيث مُخْتَلفَة، فَمَا جَاءَكُم مُوَافقا لكتاب الله وسنتي فَهُوَ مني، وَمَا جَاءَكُم مُخَالفا لكتاب الله وسنتي فَلَيْسَ مني » . وَصَالح هَذَا هُوَ الطلحي الواهي . قَالَ النَّسَائِيّ : مَتْرُوك .

 وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة من حَدِيث أبي جَعْفَر رَفعه: «مَا جَاءَكُم عني فاعرضوه عَلَى كتاب الله فَمَا وَافقه فَأَنا قلته، وَمَا خَالفه فَلم أَقَله » . قَالَ الشَّافِعِي فِي رسَالَته : هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ رجل مَجْهُول، وَهُوَ مُنْقَطع، وَلم يروه أحد يثبت حَدِيثه . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَجْهُولِ خَالِد بن أبي كَرِيمَة، فَلم يعرف من ذَلِك مَا يثبت بِهِ خَبره . قلت : إِن كَانَ هُوَ الرَّاوِي عَن عِكْرِمَة وَمُعَاوِيَة بن قُرَّة فقد عرف، رَوَى عَنهُ شُعْبَة ووكيع وَجَمَاعَة، وَوَثَّقَهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن معِين: ضَعِيف الحَدِيث. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ من أوجه أخر كلهَا ضَعِيفَة قد بينتها فِي الْمدْخل . قلت : أخرجه فِي الْمدْخل من حَدِيث الْأَصْبَغ بن مُحَمَّد بن أبي مَنْصُور بلاغاً بِنَحْوِهِ . ثمَّ قَالَ : رِوَايَة مُنْقَطِعَة عَن رجل مَجْهُول . ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، ثمَّ من وَجه آخر ضَعِيف. وَقَالَ: هَذَا إِسْنَاد لَا يحْتَج بِهِ . وَقَالَ فِي كتاب الْمدْخل إِلَى دَلَائِل النُّبُوَّة : الحَدِيث الَّذِي رُوِيَ فِي عرض الحَدِيث عَلَى الْقُرْآن بَاطِل لَا يَصح . قَالَ: وَهُوَ ينعكس عَلَى نَفسه بِالْبُطْلَانِ ، فَلَيْسَ فِي الْقُرْآن دلَالَة عَلَى عرض الحَدِيث عَلَى الْقُرْآن . [قلت : فَهَذَا الحَدِيث لَهُ طرق كَمَا ترَى . وَمن الْأَعَاجِيب قَول بعض شرَّاح هَذَا الْكتاب: إِنَّه غير مَعْرُوف ] من حَدِيث أبي هُرَيْرَة. وَقَالَ: تفرد بِهِ صَالح الطلحي، وَهُوَ ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ ، قَالَه الدَّارَقُطْنِيّ.

 

مناقشة (2) قيل : قد عارض حديث العرضِ قومٌ فقالوا : وعرضنا هذا الحديث الموضوع على كتاب الله فخالفه لأنا وجدنا في كتاب الله : { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا }، ووجدنا فيه : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله }، ووجدنا فيه : { من يطع الرسول فقد أطاع الله }. اقول قال في فتح الباري : قيل لـ يحيى بن معين : ما تقول في الحديث الذي يروى عن النبي صلى الله عليه واله: ( ما حدثتكم من حديث فاعرضوه على القرآن، فما وافق القرآن فخذوه، وما عارضه فردوه )؟ فقال ابن معين فوراً: لقد عرضناه على القرآن فوجدناه كذباً، فقيل: كيف؟ قال: لأن الله عز وجل يقول: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } . وهذا الحديث كذبا قطعا و ليس هو ما احاديث العرض بل هو محرف بلفظ ( حدثتكم) و ليس في احاديث العرض هذا اللفظ. فمن نقل التكذيب بالعرض و اجراه على الفاظ الحديث الاخرى فهو متوهم. فالموضوع هو لفظ ( حدثتكم) ، اما من نقل هذا العبارة و حكم الوضع الى الفاظ الحديث الاخرى مثل ( جاءكم، اتاكم، رويتم) فانه توهم و عدم ضبط و منهم البيهقي في المدخل قال (وما ورد من طريق ثوبان بعرض الأحاديث على القرآن فقال يحيى بن معين إنه موضوع وضعته الزنادقة ) بينما حديث ثوبان اخرجه الطبراني بلفظ («اعرضوا حَدِيثي عَلَى الْكتاب، فَمَا وَافقه فَهُوَ مني، وَأَنا قلته » و فيه قرينة داخلية تدل على انه الرواية و ليس السمع منه بقوله ( فهو مني و انا قلته) فهذا مختص بما يروى كما في الفاظ جاءكم و اتاكم و رويتم ونحوها و ليس ( حدثتكم) الذي حكم ابن معين بوضعه. و الايات المذكورة هي في السنة الثابتة من مشافهة او حديث ثابت و اما احاديث العرض فهي في المرويات الظنية. فالعرض هو للنقل الظني عن النبي و ليس ما ثبت عنه فضلا عما سمع منه مشافهة ، كيف و من اوامر العرض تامر بالعرض على السنة وانه اذا وافقه فانه منه صلى الله عليه و اله. قال في أصول السرخسي : وما روي من قوله صلوات الله عليه: فاعرضوه على كتاب الله تعالى. فقد قيل هذا الحديث لا يكاد يصح، لان هذا الحديث بعينه مخالف لكتاب الله تعالى، فإن في الكتاب فرضية اتباعه مطلقا، وفي هذا الحديث فرضية اتباعه مقيدا بأن لا يكون مخالفا لما يتلى في الكتاب ظاهرا. ثم ولئن ثبت فالمراد أخبار الآحاد لا المسموع منه بعينه أو الثابت عنه بالنقل المتواتر، وفي اللفظ ما دل عليه وهو قوله صلوات الله عليه: إذا روي لكم عني حديث ولم يقل إذا سمعتم مني، وبه نقول إن بخبر الواحد لا يثبت نسخ الكتاب، لانه لا يثبت كونه مسموعا من رسول الله (ص) قطعا ولهذا لا يثبت به علم اليقين. انتهى اقول و ليس في الايات المذكورة معارضة للعرض  للمنقول الظني ولا في السنة الثابتة . هذا وان العرض يصدقه وجوب العلم بالسنة لانه طريق اليه و يصدق وجوب توافق المعارف الدينية و الرد الى الله و الرسول و الاعتصام بحبل الله تعالى وعدم الاختلاف.و اما الحكم بانه موضوع فلا شاهد له و مجرد اجتهاد لاجل ما بينوا من الطعن و كثير من الاعلام شهدوا بصحته او بشهرته و بعضهم طبقه و قعد منه القاعدة التي عمل به. و قد نقل عن الغزالي قوله في عرض ام المؤمنين عائشة الحديث على الكتاب: ("وعندى أن ذلك المسلك الذى سلكته أم المؤمنين أساس لمحاكمة الصحاح إلى نصوص الكتاب الكريم").

 

مناقشة  (3): قال في  الابانة الكبرى بعد ان ذكر الحديث: قال ابن الساجي : قال أبي رحمه الله : هذا حديث موضوع عن النبي صلى الله عليه واله . قال : وبلغني عن علي بن المديني ، أنه قال : ليس لهذا الحديث أصل ، والزنادقة وضعت هذا الحديث قال الشيخ : « وصدق ابن الساجي ، وابن المديني رحمهما الله ، لأن هذا الحديث كتاب الله يخالفه ، ويكذب قائله وواضعه. انتهى  اقول قوله (ليس لهذا الحديث أصل ) اي ليس له طريق يصح لان الحديث مروى مسندا عن بعض الصحابة . و هم انما حكموا بالمخالفة و الوضع لانهم رأوا انه تقييد لاطلاق القران و انه تعطيل للسنة و عرض للسنة على القران لكن الحديث ليس في ذلك ، بل الحديث في عرض الحديث الظني على القران، اما الحديث الثابت فلا يحتاج الى عرض فهو سنة . هذا و ان الخبير يعلم ان حكمهم هنا بالوضع وفي احاديث اخرى، ليس لعدم الاسناد و ليس الاساس عدم طريق صحيح بل لان المتن مخالف للقران وهذا عرض ايضا، فحتى من نفوا الحديث انما نفوه بالعرض. فالتوهم الذي ادخل الشبهة عليهم انهم اعتقدوا ان الحديث يأمر بعرض السنة على القران وهذا ليس صحيحا مطلقا بل الحديث يأمر بعرض الحديث الظني – اي الاحاد- على القران وان صح السند، ولا يمكن مطلقا القول ان صحة السند تعني ثبوت السنة و الصدور اذ لا ملازمة بينهما لا عقلا و لا شرعا و لا عرفا فالصادق قد يكذب و قد يتوهم و قد يسهو و الكاذب قد يصدق و غير الضابط قد لا يضبط وغير الضابط قد لا يضبط. ولا يقال ان اصالة عدم الكذب و عدم الشهو تنفي تلك الاحتمالات لان هذه الاصول تجري مع عدم المخالفة اما مع المخالفة لا تجري، و ستعرف ايضا ان ما توهموا من دلالة السنة على العمل بخبر الاحاد له تاثير هنا، اذ ان العمل به يعني انه يحكم على القران ، وهذا غريب اذ يحكم الظن على العلم، و الصحيح ان ما يحكم على العلم هو العلم اي ما يحكم على القران هو السنة لانها علم و ليس حديث الاحادث، و موافقة الاحاد للقران ت تدخله في السنة.

 

مناقشة (4) الأحكام لابن حزم : فصل قال علي: وقد ذكر قوم لا يتقون الله عز وجل أحاديث في بعضها إبطال شرائع الاسلام، وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) وإباحة الكذب عليه، وهو ما حدثنا المهلب بن أبي صفرة، حدثنا ابن مناس، ثنا محمد بن مسرور القيرواني، ثنا يونس بن عبد الاعلى، عن ابن وهب، أخبرني شمر بن نمير، عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب أن رسول الله (ص) قال: سيأتي ناس يحدثون عني حديثا، فمن حدثكم حديثا يضارع القرآن فأنا قلته، ومن حدثكم بحديث لا يضارع القرآن فلم أقله، فإنما هو حسوة من النار.

قال أبو محمد: الحسين بن عبد الله ساقط منهم بالزندقة، وبه إلى ابن وهب،

 ثم قال وأخبرني المهلب بالسند الاول إلى ابن وهب، حدثني سليمان بن بلال، عن عمرو ابن أبي عمرو، عمن لا يتهم، عن الحسن أن رسول الله (ص) قال: وإني لا أدري لعلكم أن تقولوا عني بعدي ما لم أقل، ما حدثتم عني مما يوافق القرآن فصدقوا به، وما حدثتم عني مما لا يوافق القرآن فلا تصدقوا به وما لرسول الله (ص) حتى يقول ما لا يوافق القرآن، وبالقرآن هداه الله. قال أبو محمد: وهذا مرسل وفيه: عمرو بن أبي عمرو - وهو ضعيف، وفيه أيضا مجهول.

 ثم قال  قال علي: فإحدى الطائفتين أبطلت الشرائع الى ان قال ونقول للاولى: أول ما نعرض على القرآن الحديث الذي ذكرتموه، فلما عرضناه وجدنا القرآن يخالفه الى ان قال ولو أن امرأ قال: لا نأخذ إلا ما وجدنا في القرآن لكان كافرا بإجماع الامة الى ان قال وإنما ذهب إلى هذا بعض غالية الرافضة . اقول اكثر ما استغربه قوله انه ذكر الحديث قوم لا يتقون الله مع ان الحديث عمل به و طبقه و صححه كثير من الاعلام الذين مر ذكرهم فلا ادري هل هو مطلع عليهم ام انه تشنيع مقصود بالمسلمين هو فرع علم الجرح الذي يربي على الجرح بالرواة المسلمين. و اما قوله ان العرض يبطل الشرائع فمردود لان العرض موضوعه الحديث الظني و ليس الاحاديث الثابتة فضلا عن السنة القطعية كما ان الخبير يعلم ان الكثير من الاحاديث الظنية المعمول بها لها شواهد و مصدقات.وهذا ايضا جواب قوله ان حديث العرض يخالف القران فقد اجبنا سابقا ان الايات امرة بالاخذ بالسنة وهي بالحديث المعلوم قطعا او تصديقا و ليس بالحديث المظنون بل القران ناه عن الظن ومنها الخبر الظني و لا اعلم كيف يسوغون لانفسهم العمل بخبر ظني و قد بينا مرار انه لا ملازمة لا عرفا و لا شرعا بين صحة الحديث سندا و العلم بحجيته فضلا عن صدوره بل مهما كانت صحة الحديث يبقى ظنا الا ان يحقق العلم بالتصديق و نحوه من قرائن العلم والتي صحة السند ليس منها لا عرفا و شرعا.و اما قوله عمن يقول انا لا ناخذ الا ما وجدنا في القران فان العرض لا يستلزم ذلك و ذكر ذلك غريب منه، و اما قوله انما ذهب ذلك بعض غالية الرافضة و فيه عرفت كلمات الاعلام من الجمهور و من جزم بالحديث و من صححه و من قواه و من طبقه و من اسس منه القواعد منهم، كما ان الحديث مشتهر وباسنايد بعضها صحيح عند الشيعة و قال الطوسي انه لا خلاف فيه فهو ثابت عند الشيعة و ليس غلاة الرافضة وربما كان يعنيهم.

 

مناقشة (5) قال في المحصول : المسألة الخامسة خبر الواحد إذا تكاملت شروط صحته هل يجب عرضه على الكتاب ؟ قال الشافعي رحمه الله  لا يجب لأنه لا تتكامل شروطه إلا وهو غير مخالف للكتاب وعند عيسى بن أبان يجب عرضه عليه لقوله صلى الله عليه واله إذا روي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله تعالى فإن وافقه فاقبلوه وإلا فردوه. اقول و عيسى بن ابان ممن يصرح بوجوب عرض الحديث على الكتاب قبل عرضه و قد تقدم مثله عن المحقق الحلي. كما ان قول الشافعي بعدم مخالفة الحديث الحجة للكتاب يعنسي عرضه و لو ارتكازا، فيكون النزاع معه لفظي.

 

مناقشة (6)  قال في اصول البرذوي: ان الكتاب ثابت بيقين فلا يترك بما فيه شبهة ويستوي في ذلك الخاص والعام والنص والظاهر حتى أن العام من الكتاب لا يخص بخبر الواحد عندنا خلافا للشافعي رحمه الله و لا يزاد على الكتاب بخبر الواحد عندنا ولا يترك الظاهر من الكتاب ولا ينسخ بخبر الواحد وإن كان نصا لان المتن أصل والمعنى فرع له والمتن من الكتاب فوق المتن من السنة لثبوته ثبوتا بلا شبهة فيه فوجب الترجيح به قبل المصير إلى المعنى وقد قال النبي صلوات الله عليه تكثر لكم  الأحاديث من بعدي فإذا روى لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله تعالى فما وافق كتاب الله تعالى فاقبلوه وما خالفوه فردوه فلذلك نقول أنه لا يقبل خبر الواحد في نسخ الكتاب. اقول بعد ان عرفت ان الشافعي يشترط في الحديث الحجة عدم المخالفة تعرف معنى خبر الواحد عنده وانه ما لا يخالف الكتاب فضلا عن ان يسنخه. هذا وقد حصل خلط بين هذه المسالة و مسالة العرض كما و جعل رابط بينهما وهو غير صحيح ، حيث ان مسالة التخصيص هي من مباحث مخالفة الخبر للكتاب و مسالة العرض هي من مباحث احجية الخبر والمخالفة من مقدماتها. و لقد بينا ان التخصيص و التقييد ليس مخالفة عرفا فاذا ثبتت السنة بحديث ثابت يفيد العلم فانه يخصص الكتاب و يقيده بلا اشكال وهذا ليس مخالفة، اما خبر الواحد فلا يصلح لتخصيص الكتاب ولا تقييده ليس لانها مخالفة و انما لان ما هكذا حاله ليس حجة و لا يثبت و انما المخالفة هي التعارض المستقر الذي لا يقبل العرف له جمعا مقبولا. و اما النسخ فهو مخالفة عرفية حقيقية لذلك لا يكون الا بالسنة القطعية، و السنة تنسخ الكتاب بلا اشكال لانهما من مصدر واحد ، و اما الحديث الاحاد الظني فقد عرفت انه قاصر عن التخصيص  وهو اقصر عن النسخ بل ممتنع عرفا و عقلا و شرعا. فالخلاصة ان النسخ واقع وحق و الشرع يسنخ الشرع سواء كان  المنسوخ كتابا او سنة و سواء كان الناسخ كتابا او سنة الا ان ما يسنخ هو السنة القطعية لا غير. اما الحديث الظني فلا يصلح لا لنسخ و لا تخصيص و لا غيرهاما من التعديلات البيانية لان الحديث الظني الذي يعدل ( يخصص) هو غير موافق للكتاب فلا يكون حجة و الحديث الظني الذي يبدل ( ينسخ) هو مخالف للكتاب فهو ليس بحجة. قال في كشف الاسرر قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ صلوات الله عليه فَاعْرِضُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ قِيلَ هَذَا الْحَدِيثُ لَا يَكَادُ يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ بِعَيْنِهِ مُخَالِفٌ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَإِنَّ فِي الْكِتَابِ فَرْضِيَّةَ اتِّبَاعِهِ مُطْلَقًا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَرْضِيَّةُ اتِّبَاعِهِ مُقَيَّدًا بِأَنْ لَا يَكُونَ مُخَالِفًا لِمَا يُتْلَى فِي الْكِتَابِ ظَاهِرًا وَلَئِنْ ثَبَتَ فَالْمُرَادُ اخْتِبَارُ الْآحَادِ لَا الْمَسْمُوعِ عَنْهُ بِعَيْنِهِ أَوْ الثَّابِتِ عَنْهُ بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ وَفِي اللَّفْظِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ وَهُوَ . قَوْلُهُ صلوات الله عليه إذَا رُوِيَ لَكُمْ عَنِّي حَدِيثٌ وَلَمْ يَقُلْ : إذَا سَمِعْتُمْ مِنِّي وَنَحْنُ نَقُولُ : إنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ لَا يَثْبُتُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ كَوْنُهُ مَسْمُوعًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه واله قَطْعًا وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ بِهِ عِلْمُ الْيَقِينِ. اقول وهو من جوهر ما تقدم و يرد على كثير من الاشكالات المتقدمة. و اما ما تقدم منا من ان خبر الاحاد الظني لا يخصص الكتاب لاجل عدم حجيته و ليس للمخالفة ، فانه لو ثبتت حجيته جاز التخصيص به وان كان ظنا، لان ظاهر الكتاب من هموم و اطلاق وان كان قطعي الصدور الا انه ظني الدلالة . و من هنا يعلم قوة قول البرذوي و صاحب كشف الاسرار بان الظني ليس حجة اصلا  فلا تصل النوبة الى التعارض، و يتبين ما في في قول صاحب حاشية العطار فحيث قال : َإِنْ قِيلَ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَإِنْ كَانَ خَاصًّا ظَنِّيٌّ وَالْكِتَابُ قَطْعِيٌّ وَالظَّنُّ لَا يُعَارِضُ الْقَطْعَ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَامَّ الَّذِي هُوَ الْكِتَابُ مَقْطُوعُ الْمَتْنِ وَالسَّنَدِ لِثُبُوتِهِمَا بِالتَّوَاتُرِ ، لَكِنَّهُ ظَنِّيُّ الدَّلَالَةِ لِاحْتِمَالِ التَّخْصِيصِ ، وَالْخَاصُّ مَقْطُوعُ الدَّلَالَةِ مَظْنُونُ السَّنَدِ فَتَعَادَلَا لِكَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا قَطْعِيًّا مِنْ وَجْهٍ ظَنِّيًّا مِنْ وَجْهٍ فَجَازَ التَّعَارُضُ بَيْنَهُمَا. فانه لا تعارض لان خبر الاحاد ظني ثبوتا فهو ليس حجة اصلا فلا يصلح لمعارض الثابت وان كانت دلالته ظنية لان قيام المعاش و الحياة على الظاهر فلا يعارض الظاهر الظني للدليل معلوم الثابت بدليل ظني غير ثابت وان كانت دلالته نصا.  

مناقشة (7) قال في الموافقات: لا بد في كل حديث من الموافقة لكتاب الله كما صرح به الحديث المذكور فمعناه صحيح صح سنده  أو لا وقد خرج في معنى هذا الحديث الطحاوي في كتابه في بيان مشكل الحديث عن عبد الملك بن سعيد بن سويد الأنصاري عن أبي حميد وأبي أسيد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال  إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم وتلين له أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم قريب فأنا أولاكم به وإذا سمعتم بحديث عني تنكره قلوبكم وتند منه أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكر فأنا أبعدكم منه وروى أيضا عن عبد الملك المذكور عن عباس بن سهل أن أبي بن كعب كان في مجلس فجعلوا يتحدثون عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمرخص والمشدد وأبي بن كعب ساكت فلما فرغوا قال أي هؤلاء ما حديث بلغكم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم يعرفه القلب ويلين له الجلد وترجون عنده فصدقوا بقول رسول الله صلى الله عليه و سلم فإن رسول الله لا يقول إلا الخير .  وبين وجه ذلك الطحاوي بأن الله تعالى قال في كتابه إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم الآية وقال مثانى تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم الآية وقال وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع الآية فأخبر عن أهل الإيمان بما هم عليه عند سماع كلامه وكان ما يحدثون به عن النبي صلى الله عليه و سلم من جنس ذلك لأنه كله من عند الله ففي كونهم عند الحديث على ما يكونون عليه عند سماع القرآن دليل على صدق ذلك الحديث وإن كانوا بخلاف ذلك وجب التوقف لمخالفته ما سواه وما قاله يلزم منه أن يكون الحديث موافقا لا مخالفا في المعنى إذ لو  خالف لما اقشعرت الجلود ولا لانت القلوب لأن الضد لا يلائم الضد ولا يوافقه وخرج الطحاوي أيضا عن أبي هريرة عنه عليه الصلاة و السلام  إذا حدثتم عني حديثا تعرفونه ولا تنكرونه فصدقوا به قلته أو لم أقله فإني أقول ما يعرف ولا ينكر وإذا حدثتم عني حديثا تنكرونه ولا تعرفونه فكذبوا به فإني لا أقول ما ينكر ولا يعرف ووجه ذلك أن المروى إذا وافق كتاب الله وسنة نبيه لوجود معناه في ذلك وجب قبوله لأنه إن لم يثبت أنه قاله بذلك اللفظ فقد قال معناه بغير ذلك من الألفاظ إذ يصح تفسير كلامه عليه الصلاة و السلام للأعجمي بكلامه وإذا كان الحديث مخالفا يكذبه القرآن والسنة وجب أن يدفع ويعلم أنه لم يقله وهذا مثل ما تقدم أيضا والحاصل من الجميع صحة اعتبار الحديث بموافقة القرآن وعدم مخالفته وهو المطلوب على فرض صحة هذه المنقولات وأما إن لم تصح فلا علينا إذ المعنى المقصود صحيح . اقول ان حكمه بصحة معنى الحديث و مقصوده تام و موافق لنا و مؤيد ، و ان الاحاديث المذكورة هي فعلا مؤيدات لمعنى الحديث و مضمونه و مقصوده الذي بنينا عليه وهذا تام ايضا منه و من الطحاوي، و ايضا كون هذه الاحاديث اي احاديث الاطمئنان و المعرفة للحديث و احاديث العرض تنطلق من نقطة واحدة فهذا تام و ذكرناه في كتابنا المحكم في الدليل الشرعي الا ان الوجه ليس ما ذكره الطحاوية و انما الوجه ان المراد من هذه الاحاديث فعلا هو العرض على القران و السنة ، و ليس بالضرورة العرض على منطوق او اية او رواية ثابتة  كما فعل الاوائل ، بل يكفي العرض على ما هو مرتكز من معرفة حقة ، فالاستنكار لحديث من قبل المؤمن هو لانه خالف ما يعرف من الحق من القران و السنة و هو يطمئن و يلين لما يوافق ما يعرف من الحق منهما، و ليس للرأي او الوجداني الصرف المجاني دور فان هذا من الرأي و من التأويل الذي لا مساعد عليه، بل الحق ان هذه الاحاديث يراد بها ان الحديث الذي تعرفونه من القران و السنة و تطمئنون له لانه يوافق ما تعرفون منهما فخذوا به و الا فلا تاخذوا به، وهذا صريح صاحب الكشف قال في قال في كشف الأسرار :  وَقَدْ تَأَيَّدَ هَذَا الْحَدِيثُ بِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلوات الله عليه قَالَ { مَا حُدِّثْتُمْ عَنِّي مِمَّا تَعْرِفُونَ فَصَدِّقُوا بِهِ وَمَا حُدِّثْتُمْ عَنِّي مِمَّا تُنْكِرُونَ فَلَا تُصَدِّقُوا فَإِنِّي لَا أَقُولُ الْمُنْكَرَ } وَإِنَّمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ بِالْعَرْضِ. اقول و قد جاءت اثار  عنه صلى الله عليه و اله  بهذا التفسير ذكرناها في كتبنا المذكور منها ما عن معاني الاخبار : قال رسول الله صلى الله عليه واله ما جاءكم عني من حديث موافق للحق فأنا قلته وما أتاكم عني من حديث لا يوافق الحق فلم أقله، ولن أقول إلا الحق. و منها ما عن بصائر الدرجات  : قال رسول الله صلى الله عليه واله: ما ورد عليكم من حديث آل محمد صلوات الله عليهم فلانت له قلوبكم وعرفتموه فاقبلوه وما اشمأزت قلوبكم وأنكرتموه فردوه إلى الله وإلى الرسول وإلى العالم من آل محمد عليهم السلام. فهذا يفسر بالحق الذي ذكر قبله و الحق يفسر بالقران و السنة الذي ذكر مستفيضا في غيرهما.

     

المناقشة (8):    قد يقال ان تبين حال الراوي مصدق بقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) اقول  الاستدلال بالاية على رد خبر الراوي الضعيف اصطلاحا او قبول خبر الثقة اصطلاحا فيه امور:

الاول : ان الفاسق في القران هو المنافق و الكافر و ليس مصدقا بل ولا ظاهرا ارادة غير العدل فلا يكون له مفهوم في العدل بل مفهومه في المؤمن. و القران وصف المؤمنين باعلى صفات الوثاقة و العلم و العقل فكيف نخرجهم الى غير ذلك؟ بل المؤمن هو المقصود بالثقة و الصادق في القران و السنة فكيف نزيل عنه تلك الصفة؟

الثاني:   ان هناك سنة محكمة بوجوب تصديق المؤمن قال تعالى (يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ) وفي الصحيح عنهم عليهم السلام  وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ  اي يصدقهم ، و على وجوب تصديق المؤمن و عدم جواز رد خبر و حسن الظن به  نقل مستفيض. وان وعدم جواز تتبع عورات المسلمين  و لا فضحهم و لا ذكر سياتهم ترد منهج الجرح بالرواة المسلمين الذي هو اساس منهج السندي و لا اعرف كيف يجيبون عن تلك المخالفات.

الثالث: ان التبين ليس الرد و اسقاط الحجية و انما البحث عن قرينة و ثبت ان الشرع قرر فرينة عقلائية تؤمن و تخرج الحديث من الظن الا وهو العرض على القران و السنة . وهو موافق لمنهج العقلاء و العرف في التبين، فكما ان هناك قرائن وضعية و عرفية و عقلائية معروفة للتبين في الاخبار المتعلقة بنظام له دستور و قانون و معارف ثابتة و من الواضح ان من ادوات التبين فيه هو مدى موافقة النقل لمبادئ و قوانين ذلك الدستور وهو حاصل في الشرع ، فانه نظام قانوني دستوري واضح المعارف و المبادئ فكل ما يصلنا من نقل بخصوصه علينا ان نرده الى تلك المعارف الثابتة.

 

مناقشة (9) : قد يحتج بما ورد من لفظ ( الثقة ) او ( ثقتي )  وفيه انه يراد به الثقة في ايمانه و دينه و ليس في نقل الخبر، وهذا ما يتعين الحمل عليه ايضا لان خلافه مخالف للثابت من القران و السنة بالعرض عليهما فلقد اعطى القران المؤمن كل صفات الوثاقة و العلم و انهم اهل العقل.

 

مناقشة (10)    قيل ان سلوك العقلاء في تمييز حال الراوي و فيه منع و المنع اوضح في ما له دستور يرد اليه حيث ان ما لها مدخلية في تقييم الخبر عند العقلاء في الانظمة القانونية الدستورية واضحة المعالم هو مدى مقبولية مضمونه وموافقته للمعارف الثباتة و الشرع نظام واضح المعالم فيه معارف ثابتة قطعية لا يصح مخالفتها و يرد اليها و يكون المخالف لها غير معمول به. فمنهج العرض هو الموافق لسيرة العقلاء في الانظمة الدستورية كالشرع. فانا نرى العقلاء يطمئنون الى ما يتوافق و يتناسق مع المعارف المحورية وله شاهد و ان ضعف الناقل و يستنكرون ما يخرج عنها ويشذ و ان قوي النقل. بل هل تعريف الشاذ عند العقلاء الا ما خالف المعروف بغض النضر عنه كونه ثقة او غير ثقة.

 

مناقشة (11)  قد يقال ان الاستدلال بهذه الاحاديث  قبل  بيان حال السند هو  من الاستدلال بالشيء على نفسه، اذ لا بد اولا من اثبات حجيتها من دليل خارج. و فيه ان هذه الاحاديث مستفيضة بل متوترة معنى كما ان مضمون العرض على القران و السنة متفق عليه بل مسلم عند الكل، هذا و ان فيها ما هو معتبر بالمصطلح واضح الدلالة في المطلوب بل صرح بعض الاعلام بصحتها  وانها مجمع عليها كما بينا.

مناقشة (12)  قد يقال ان ردّ ما خالف القران مخالف لروايات عدم جواز التكذيب   و فيه ان روايات العرض هي في ردّ و عدم قبول ما خالف القران و السنة اي عدم العمل و ليس التكذيب الا مع حصول الاطمئنان والعلم بالكذب. فلدينا اطمئنان بصدق و عدم اطمئنان بصدقه  و اطمئنان بكذبه،  ففي الحالة الاولى يعمل به و في الثانية لا يعمل به لكن لا يكذب لانه لا علم بكذبه لكن في الثالثة لا يعمل به و يكذب.

 

مناقشة (13)  قد يقال ان اوامر العمل بالسنة مطلقة فيجب العمل بما ليس له شاهد ولا معارض من القران. وفيه ان هذا هو الحديث الاحاد و ان النقل الذي هكذا حاله يكون من الظن. و القران امر بالاخذ بالعمل و نهى عن الظن ، و السنة علم وليس ظنا، فما ليس له شاهد ظن ليس من المامور الاخذ به.    

 

 

مناقشة (14) قد يقال انه  قد ثبت تخصيص الكتاب بالسنة و حكم السنة على ظاهر الكتاب، وفيه ان هذا حق و ليس موضوع العرض هو السنة او ما ثبت من الحديث الحامل للسنة بل موضوع العرض الاحاديث الظنية . فان العرض وظيفته اخراج الحديث من الظن الى العلم بالمصدقية والشواهد فاذا كان الحديث علما وثابتا فانه لا داعي للعرض. مع ان المعارف المتوافقة و المتناسقة لا تنتظم الا بعد نوع من العرض و ان كان خفيا او مبدئيا او ذاتيا لان العقل و الادراك العقلي لا يسلم بالعلم الا بعد الاستقرار و التوافق. ان من ابهر و اعظم معجزات الشريعة الاسلامية انه و رغم العدد الهائل من معطياتها و معلوماتها في نظامها التي تتجاوز الالاف فانها كلها متوافقة و متناسقة مما يدل على توافقها الذاتي غير المفتعل و انها من مصدر واحد و انها صدق و حق لان من علامات الباطل و الكذب التناقض في المجموعة صغيرة العناصر نسبيا فكيف بمجموعة فيها الاف العناصر المعلوماتية.

فلا ريب ان السنة تخصص القران وتقيده الا انها ليس لها نسخه، فالقران لا ينسخه الا القران. واما الحديث، فهو بين حديث سني حامل للسنة واقعا او حديث منسوب، وهذا اعم من الحديث السني والحديث الادعاء أي يدعى انه حامل للسنة. وقد يقال ان ثبوت الحديث ومعرفة انه سنة هو التناسق الشامل للتخصيص والتقييد وفيه ان النص الظاهر من إطلاق او عموم ليس مما يمنع التناسق والتوافق، لكن لا بد ان يكون للتخصيص شاهد او مصدق قراني من وجه اخر او مضمون اخر. فمثلا إذا كان الظاهر القرآني له شاهد عقائدي او شرائعي، فانه يكون حجة وتخصيصه او تقييده أي          كان له شاهد عقائدي او شرائعي فانه يثبت أيضا ويحمل ذلك الظاهر على التخصيص او التقييد المصدق. فالشهادة والتصديق درجات كما ان الحكم الدلالي بل والمعرفي له اقتضاء عرفي الا ان فعليته وحجيته لا تكمل الا بشاهد ومصدق.

 

 

مناقشة (15) قال في التوضيح ناقلا عن المصنف: فَصَارَ الِانْقِطَاعُ الْبَاطِنُ عَلَى قِسْمَيْنِ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعًا بِسَبَبِ كَوْنِهِ مُعَارَضًا . وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ الِانْقِطَاعُ بِنُقْصَانٍ فِي النَّاقِلِ , وَالْأَوَّلُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ : إمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَارِضًا لِلْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ أَوْ بِكَوْنِهِ شَاذًّا فِي الْبَلْوَى الْعَامِّ أَوْ بِإِعْرَاضِ الصَّحَابَةِ عَنْهُ فَإِنَّهُ مُعَارِضٌ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ . فَلَمَّا ذَكَرَ الْوُجُوهَ الْأَرْبَعَةَ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الِانْقِطَاعِ الْبَاطِنِ , وَهَذَانِ الْقِسْمَانِ , وَإِنْ كَانَا مُتَّصِلَيْنِ ظَاهِرًا لِوُجُودِ الْإِسْنَادِ لَكِنَّهُمَا مُنْقَطِعَانِ بَاطِنًا وَحَقِيقَةً . أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَلِقَوْلِهِ : صلوات الله عليه = يَكْثُرُ لَكُمْ الْأَحَادِيثُ مِنْ بَعْدِي فَإِذَا رُوِيَ لَكُمْ عَنِّي حَدِيثٌ فَاعْرِضُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَمَا وَافَقَ كِتَابَ اللَّهِ فَاقْبَلُوهُ , وَمَا خَالَفَ فَرُدُّوهُ = فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ كُلَّ حَدِيثٍ يُخَالِفُ كِتَابَ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحَدِيثِ الرَّسُولِ صلوات الله عليه , وَإِنَّمَا هُوَ مُفْتَرًى , وَكَذَلِكَ كُلُّ حَدِيثٍ يُعَارِضُ دَلِيلًا أَقْوَى مِنْهُ فَإِنَّهُ مُنْقَطِعٌ عَنْهُ صلوات الله عليه ; لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ لَا يُنَاقِضُ بَعْضُهَا بَعْضًا , وَإِنَّمَا التَّنَاقُضُ مِنْ الْجَهْلِ الْمَحْضِ .  اقول ان هذا الكلام و ان كان في جانب كبير منه موافق و مؤيد لما نقول الا انه عد المعارضة قطع للسند فليس تاما، اذا ان احاديث العرض ناظرا الى المتن مستقلا بما هو معرفة و معرضة بالكلية عن السند، و ثانيا ان جر هذه الروايات الى مجال البحث السندي ليس صحيحا لما بينا من المشاكل و المخاطر المصاحب للمنهج السندي و جرح المسلمين، كما ان القول ان المعارضة تعني انقطعا تاويل و اجتهاد لا دليل عليه، بل المعارضة تعني عدم قبول الخبر، و الموافقة تعني الاخذ به وان لم يكن كما كان او وان لم يقله ، فالمعنى انك ستكون مصيبا بالعمل بالحديث المصدق الموافق للقران وان لم يكن كما بلغك وهذا باب لنفي الحرج و التسهيل و رفع العسر  وهو ايضا يرجع الى جواز العمل بظاهر الشريعة لان العلم بواقعها الحقيقي بشكل تام عسر ان لم يكن متعذر الا على المصطفين من اولياء الله تعالى.

 

مناقشة (16)    الأحكام لابن حزم :  أخبرني عمرو بن الحارث، عن الاصبغ بن محمد أبي منصور أنه بلغه أن رسول الله (ص) قال: الحديث عني على ثلاث، فأيما حديث بلغكم عني تعرفونه بكتاب الله تعالى فاقبلوه، وأيما حديث بلغكم عني لا تجدون في القرآن ما تنكرونه به ولا تعرفون موضعه فيه فاقبلوه، وأيما حديث بلغكم عني تقشعر منه جلودكم وتشمئز منه قلوبكم وتجدون في القرآن خلافه فردوه. قال أبو محمد: هذا حديث مرسل، والاصبغ مجهول. وفيه ان هذا الحديث غير مصدق بل مخالف للمصدق، فان  موافقة القران فسرتها الاحاديث المصدقة من انها ما عرفه القران والسنة  و ما كان له شاهد منهما و ما اشبههما و ما كان عليه حقيقة و نور، وهذه العلامات هي الكفيلة التي تخرج الحديث الظني الى مجال العلم، وهذه هي فائدة العرض، فمعنى موافقة القران اي انه يتوافق و يتناسق معه بشاهد من اي شكل كان بحيث يكون هناك اتصاله به، و المخالفة انما تعني المعارضة وتعني ايضا انه ليس في القران و السنة ما يشهد له ولو باي شكل. و العرض مختص بالحديث الظني اي خبر الاحاد و لا يشمل الاحاديث الثابتة و لا السنة القطعية، لان خبر الاحاد ظن و لا يصح العمل بالظن، و ما يصح العمل به من دون شاهد من القران هو السنة القطعية و الثابتة، فاذا خرج الحديث من الظن الى العلم صار سنة و لم يحتج الى شاهد من القران و السنة للعمل به ، و اما اذا كان الحديث ظنيا فانه يجب ان يكون له شاهد من القران و السنة باي شكل كان لكي يصبح علما يعمل به و اما اذا كان مخالفا فانه لا يعمل به بوضوح. ولا يقال ان عدم العمل بالخبر الاحاد الذي ليس له شاهد هو مخالف للاموار القرانية بالعمل بالسنة فان اوامر القران امرة بالعمل بالسنة وهي الحديث المعلوم و الثابت و ليس الظني بل القران ينهى عن العمل بالظن. فعرض الحديث الظني على القران هو من فروع عدم جواز العمل بالظن.

 

مناقشة (17) قيل ان العرض يكون بعد ثبوت الحجة اي صحة السند كما صرح الغزالي، و فيه ان  احاديث العرض مطلقة بل بعضها ناص على عدم الاعتناء بالراوي وهذا الاطلاق و عدم الاعتناء يصدقه الاصول التي يتفرع عنها العرض؛ اهمها اصالة صدق المسلم و تصديقه وهي لا تقبل تصنيف الرواة المسلمين غير الفاسقين الى الاقسام المعروفة و لا العلل التي يرد بها حديثهم ، و العرض متفرع عن اصالة حسن الظن بالمسلم وهي لا تقبل اتهام المسلم لقول قائل فيه ورد خبر لاجل ذلك، و العرض متفرع عن اصالة الستر على المسلم و عدم تتبع عوراته و سياته وهذا ما يفعله علم الجرح ، و العرض متفرع عن اصالة عدم جواز العمل بالظن، فكان العرض و احراز الشاهد و المصدق مخرج للحديث من الظن من دون الحاجة الى قرينة اخرى بما فيها صحة السند و العرض متفرع عن اصالة نفي العسر و الحرج و تتبع اقوال الناس في الرواة عسر و حرج الا على قلة عارفة باحوال الرجال مع الاختلاف بينهم و العرض متفرع عن اصالة الاشتراك في التكليف فالعرض تكليف كل مسلم و لي مختصا بفئة معينة عارفة باحوال الرجال ، هذا وان احاديث العرض مطلقة بل بعضها ناص على عدم الاعتناء باحوال الرواة وهذا الاطلاق مصدق و عدم الاعتبار بحال الراوي مصدق ايضا. فتم ان العرض يكون لكل خبر ينسب الى النبي صلى الله عليه و اله بطريقة عرفية يقبلها العقلاء و لا يعلم كذبها، فما يكون بطريقة غير عادية من معجز او طريق غير عرفي فانه لا يكفي الادعاء بل لا بد من العلم لان الاصول تنزل على ما هو معروف و جاري عند العقلاء و وفق عرفهم. وفي الحقيقة و من جهة مدرسية و تفصيلية فان نقاشنا مع متأخري الشيعة هو في اطلاق الخبر وانه شامل للحديث الضعيف حيث انهم يعلمون بحديث العرض وهو ثابت عندهم وبطرق كثيرة نتها الصحيح والمعتبر الا انهم يناقشون في اطلاقه ، ورغم انه خلاف سيرة متقدميهم فانا قد بينا ما هو نص في الاطلاق و ما يصدقه من اصول قرانية. و نقاشنا مع متقدمي الجمهور في ثبوته ، و مع ان متأخري الجمهور يذعنون له بالجملة بان السنة لا تخالف القران الا انا قد نقلنا عمن قوى الخبر و حسن سنده و بعضهم طبقه و اسس عليه الاسس. و في الحقيقة اهم ما دفع البعض للتوقف في الحبر هو تبني فكرة جواز تخصيص القران بخبر الاحاد لتوجيهات ذكروها الا انها لا تثبت امام الحق، فخبر الواحد ظن ولا يصح لا عرفا ولا عقلا ولا شرعا حكومة الظن على العلم وقد بينا ضعف القول ان دلالة القطعي ظنية و دلالة الظني قطعية فانه  محض ادعاء و لا مساعد عليه ولا شاهد له وهو وشبيه بالزخرف.

 

مناقشة (18) قال في كشف الأسرار : قُلْنَا : هَذِهِ أَحَادِيثُ مَشْهُورَةٌ يَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِمِثْلِهَا عَلَى الْكِتَابِ وَلَا كَلَامَ فِيهَا إنَّمَا الْكَلَامُ فِي خَبَرٍ شَاذٍّ خَالَفَ عُمُومَ الْكِتَابِ هَلْ يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِهِ وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرْتُمْ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ أَنَّ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَأُسَامَةَ رَحمهم اللَّهُ رَوَوْا خَبَرَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ وَلَمْ يَخُصُّوا بِهِ قَوْله تَعَالَى { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ } حَتَّى قَالَ رَحمه اللَّهُ لَا نَدَعُ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا بِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي صَدَقَتْ أَمْ كَذَبَتْ حَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ . قَوْلُهُ ( وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلوات الله عليه تَكْثُرُ لَكُمْ الْأَحَادِيثُ ) الْحَدِيثُ أَهْلُ الْحَدِيثِ طَعَنُوا فِيهِ وَقَالُوا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ يَزِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ ثَوْبَانَ وَيَزِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ مَجْهُولٌ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ سَمَاعٌ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ عَنْ ثَوْبَانَ فَكَانَ مُنْقَطِعًا أَيْضًا فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَحُكِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ وَضَعَتْهُ الزَّنَادِقَةُ ، وَهُوَ عِلْمُ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ وَتَزْكِيَةُ الرُّوَاةِ عَلَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ أَيْضًا ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } فَيَكُونُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ سَاقِطًا عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُهُ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِمَامَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ أَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِهِ ، وَهُوَ الطَّوْدُ الْمُتَّبَعُ فِي هَذَا الْفَنِّ وَإِمَامُ أَهْلِ هَذِهِ الصَّنْعَةِ فَكَفَى بِإِيرَادِهِ دَلِيلًا عَلَى صِحَّتِهِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى طَعْنِ غَيْرِهِ بَعْدُ ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْقَبُولِ بِالْكِتَابِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِيمَا تَحَقَّقَ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ الرَّسُولِ صلوات الله عليه بِالسَّمَاعِ مِنْهُ أَوْ بِالتَّوَاتُرِ وَوُجُوبِ الْعَرْضِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِيمَا تَرَدَّدَ ثُبُوتُهُ مِنْ الرَّسُولِ صلوات الله عليه إذْ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ إذَا رُوِيَ لَكُمْ عَنِّي حَدِيثٌ فَلَا يَكُونُ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلْكِتَابِ بِوَجْهٍ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْآيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا أَعْطَاكُمْ الرَّسُولُ مِنْ الْغَنِيمَةِ فَاقْبَلُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ أَيْ عَنْ أَخْذِهِ فَانْتَهُوا ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ هُوَ الْغُلُولُ ، وَقَدْ تَأَيَّدَ هَذَا الْحَدِيثُ بِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلوات الله عليه قَالَ { مَا حُدِّثْتُمْ عَنِّي مِمَّا تَعْرِفُونَ فَصَدِّقُوا بِهِ وَمَا حُدِّثْتُمْ عَنِّي مِمَّا تُنْكِرُونَ فَلَا تُصَدِّقُوا فَإِنِّي لَا أَقُولُ الْمُنْكَرَ } وَإِنَّمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ بِالْعَرْضِ .اقول يشير إلى ما ذكره البخاري في التاريخ الكبير  حيث قال : ( سعيد بن أبي سعيد المقبري أبو سعد قال : ابن أبي أويس ينسب إلى مقبرة ، وقال غيره : أبو سعيد مكاتب لامرأة من بني ليث مدني . وقال ابن طهمان : عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن النبي  : " ما سمعتم عني من حديث تعرفونه فصدقوه ". اقول وهو بالتوجيه المتقدم يكون منتهيا الى العرض كما بينا. هذا وان عبد العزيز حكم بصحة الحديث هنا.

مناقشة (19) قيل ان العرض تعطيل للشريعة برد السنة او الخبر الحجة. و فيه ان كل من قال بالعرض فانه يؤمد ان العرض انما هو للحديث الظني الذي ليس هناك قرينة توجب الاطمئنان به بل ان بعضهم خصه بالحديث الشاذ، و اما السنة الثابتة او الحديث المعلوم فانه لا يشمله العرض و ليس موضوعا له. ومع ان اكثر من قال بالعرض ابقوا على اعتبار الصحة اي ان العرض يكون بعد الصحة فاننا قد بينا ان الاحاديث مطلقة بل بعضها ناص على ان العرض للخبر الضعيف فان وافق القران فهو حجة و لا يختص بالخبر الصحيح، و على كلا القولين ليس هنا تعطيل للسنة بل ان في قولنا توسعة بالعمل بالسنة لا يؤثر الا عن متقدمي الاصحاب. هذا و ان الخبير يعلم ان من يتهمون الغير بتعطيل السنة فان الخبر الحجة عندهم اخص من الخبر الصحيح و الخبر الصحيح اخص من خبر الراوي الحجة و خبر الراوي الحجة اخص من خبر الثقة وهذا من الواضحات ولذلك فان كثيرا من الاخبار التي لها شواهد واضحة و طرق متكاثر ترد بسبب ها التضييق حتى انه الاف الاحاديث لا يسلم منها الا قليل ليس لان المسلمين قد اكثروا الكذب و لا ان اكثر المسلمين متهمون او ليسوا اهلا لنقل الحديث بل لان اصحاب الاصطلاح ضيقوا على انفسهم و شددوا في العمل بالاخبار. و ليحكم المنصف من هو الذي عطل السنة و رد الروايات الثابتة مع ان الشريعة عدلت  من كان ظاهره حسن وقبلت شهادته و اوصت بتصديق المسلم و حسن الظن به و عدم اتهامه الا ان البعض يجعلون خلاف ذلك هو الاصل في المسلم و خبره، فالمسلم متهم و خبره مردود الا اذا احرزت فيه و في خبره شروط لو عددناها لتجاوزت العشرة ، و لعلم و ان كان يعلم ان حجية الخبر عند اهل السنة اخص بكثير جدا من حجية الشهادة و ان حجية الرواية اضيق بكثير من حجية المسلم العدل، و من يحاول ان يظهر انهما متساويان فاما انه متوهم او يحاول ان يوهم ليخفف الوطأة.

مناقشة (20) قد يقال ان العرض يخضع التقييم الى عوامل فردية و اختلافات في التقييم لامكان الاختلاف في تمييز الشواهد و المصدقات. و فيه ان الرد اللغوي و التمييز للشاهد المعرفي من الامور الفطرية و العرفية الراسخة التي يكاد ان يكون الاختلاف فيها معدوما  هي لا تعتمد على مقدمات معقد او تحتاج الى بحث و تدقيق و منطوي على اختلافات و عدم يقين ، بل الرد و العرض يكون مباشرا على الفهم العرفي العادي للنص، و هل الحياة الا قائمة على الفهم العرفي للنص، و لو كان هناك اختلافات لما قامت الحياة. ان الحياة قائمة على اللغة و التخاطب  ان اكثر شيء ضبطه الانسان في حياته هو الفهم و التخاطب حتى ان يسره و عفويته هي كالاكل و الشرب، و لو عددنا ما هو ملازم لحياة الانسان لكان اربعة الاكل و الهواء و الكلام. فهذا التخوف او الاعتراض لا يرد. و يشهد لذلك سرعة الاتفاق بين جماعة على الموافقة و المخالفة و سرعة تولد الشك او الاطمئنان للاخبار . وهذا ايضا يمنع و يكشف الزيف و التزييف الذي قد يميل نحوه البعض لاجل اهواء او اغراض. و كل ممتبع يعلم ان هذه الفوائد الحقيقية و الجوهرية لا تتوفر في اي منهج قرائني اخر غير العرض بما فيها القرائن السندية بل ان من اعقد و اظلم و اتسع القرائن هو القرائن السندية و الدليل ان الاختلافات فيها مستمرة لمئات السنين و الطري مسدود لرفعها.

مناقشة (21) قد يقال ان الموافقة هي مطلق التوافق فيكفي عدم المانع و لا يجب الشاهد . و فيه اولا: ان الموافقة بمعنى عدم المخالفة ليس فهما عرفيا واضحا بل فهم منطقي دقي و التخاطب و اللغة و النصوص امر عرفي، و العرف اللغوي لا يرى نصا موافقا لنص الا بوجود شبه و مشاكلة و مماثلة بينهما و ليس مطلق عدم المخالفة، بل ان لم يجدوا الشاهد و المصدق و التشابه و التماثل فانهم يحكمون بالغرابة و البعد وهذا جار في كل اشكال الرد العقلي فان العقلاء لا يحكمون بالتوافق و التناسق بين شيء  وشيء الا بوجود نوع او شيء من التشابه بينهما  واما ان غاب ذلك فانهم يحكمون بالغرابة. فالحكم بالموافقة و المخالفة هو قريب من الحكم بالقرابة و الغرابية ، و من دون شبه او مماثلة – اي شاهد و مصدق- فانه لا يحكم بالقرابة بل يحكم بالغرابة. و ثانيا: ان من احاديث العرض ما دل على ان الموافقة هي خصوص الشواهد و المصدقات وانه الحقيقة و النور. ثالثا: ان الغرض من العرض هو تحقيق الاطمئنان و اخراج الحديث الظني الاحاد من الظن الى العلم ولا ريب ان مجرد عدم المخالفة لا يحقق ايا من ذلك، فالحديث غير المخالف و الذي ليس له شاهد هو ظن و لا يصح اعتماد الظن. ورابعا: ان حديث العرض لم يكن تأسيسا لسلوك او منهج منقطع عن المعارف القرانية الاخرى بل هو فرع المصدقية و مصداق تطبيقي لها بل هو في الحقيقة تطبيق من السنة لما جاء به القران من المصدقية فيحمل عليها. و خامسا ان الغرض من العرض هو تحقيق اتصال معرفي بين المعارف الشرعية و من دون الشواهد و المصدقات فانه لا اتصال بل يكون هذا انقطاع.

مناقشة (22) قد يقال ان اعرض الاعلام و خصوص المتاخرين مع قوة تحقيقاتهم و ضبطهم للمسائل ورث عدم الاطمئنان لمنهج العرض و دلالات ادلته. وفيه انه هذا الكلام على اطلاقه غير تام بل الاتفاق حاصل بين جميع علماء المسلمين على عدم جواز تبني ما يخالف القران، و لا تجد مسلما فضلا عن عالم يقبل بمعرفة مخالفة للقران، و هذا في حقيقته من العرض والرد. كما ان الاتفاق حاصل على عدم جواز العمل بالظن، و من يعمل بخبر الاحاد الصحيح السند مطلقا فلانه يرى سببا لاخراجه من الظن، و نحن حينما نمع من العمل بخبر الواحد غير المصدق ليس لانه خبر واحد بل لانه ظن وان صح سنده لاننا نرى ان صحة السند ليست مخرجا له من الظنية. فاعتماد المتاخرين على السند لاجل الوثوق بالخبر انما هو لاجل اخراجه من ظنيته، وهذا من المنهج القرائني. بمعنى ان هناك اتفاق اجمالي على وجوب وجود قرينة لاجل اخراج الحديث من الظن الى العلم واختار اهل السند السند كقرينة لاخراجه و كان عند المتقدمين قرائن اخرى غير السند توجب الاطمئنان فيعملون بالخبر وان كان ضعيفا لاجل تلك القران. ونحن نقول ان القرينة النافعة لاجل اخراج الحديث من الظن الى العلم هو المصدقية وان يكون له شاهد في المعارف الثابتة وهذا هو الاتصال المعرفي في قبال الاتصال السندي عند اهل السند، فالخلاف تطبيقي اكثر ما هو تنظيري و الخلاف طرفي اكثر مما يكون مركزيا. ان المتأخرين اعرضوا عن القرائنية المعرفية ( الاتصال المعرفي) لاجل امور اهمها ما تقدم من تضعيف الحديث و وصفه بالوضع و عدم استظهار المصدقية من القران، وقد عرفت ما في كل ذكل و لانهم وجدوا المشهور مقبلين على القرائنية السندية ( الاتصال السندي ) والكثرة لها تأثير على الحركة العلمية و التعلمية مع انه من الواضح وجود العاملين بمنهج العرض كثر وقد نقلنا كلماتهم، وعلى راسهم السلف الصالح من اهل البيت صلوات الله علبيهم و الصحابة رحمهم الله تعالى واهل التفسير من الفريقين  و اهل الاصول من الجمهور و اهل الحديث و متقدمي فقهاء الخاصة و على راسهم الطوسي و الطبرسي رحمهم الله تعالى.

 الاعراض عن منهج العرض من قبل المتاخرين فقد جاء بسبب اسباب دراسية و تعليمية و تقليد كما لا يخفى .و انما المتأخرون اختروا القرينة السندية  كما بينا لاجل الاطمئنان للحديث مع ارتكاز الموافقة عندهم الا ان هذا ليس محصنا فلا هو يؤدي الى اطمئنان حقيقي لجواز الخطأ بل و الكذب على الراوي الصادق ولامكان ظهور من يتبنى معرفة مخالف للقران بتاويل او باغراض اخرى و ثالثا ان السندية لا تمنع الفرقة بل بتقسيمها الرواة هي من اسبابها اضافة الى حقيقة انه ليس هناك مستند ظاهر للمنهج السندي. اما منهج العرض فانه اضافة الى تجاوزه  كل ذلك فان الدلائل واضحة على شرعيته وعمل السلف به و انه المنهج الحق.

 

 

 

 

 

 

 

مسائل الفروع العملية

 

مسألة) عقلائية العرض

في الحقيقة عملية العرض هي عملية عقلائية بسيطة و تجري وفق التمييز و المدركات و الاستعدادات البشرية لدى كل انسان ، بل ان العرض من المرتكزات الفطرية في كل نفس الا انه كأداة  ضابطة لتمييز المعارف و منها تمييز الحديث - اي ما يصح ان يتعبد به مما لا يصح التعبد به -  يحتاج الى تذكير وشرح ليس الا. ولأجل ان هذا المنهج مهجور الان تقريبا و غير مؤكد عليه فانا هنا اشرح اطراف و جوانب هذه العملية لا اكثر . وهنا مواضع للكلام:

مسألة) في المعروض

المعروض في عملية العرض هو كل ما ينسب الى الشريعة من امر ليست مقطوع بها ولا اطمئنان متحقق بحقها؛ وهذا اوسع من النقل و اهمه طبعا الحديث الشريف و تفسير الايات. فالعرض مختص بالظني من النقل ولا فرق بين صحيح السند وضعيفه. ومن المهم التأكيد ان العرض ليس لحديث معلوم ناهض بنفسه للعلمية وثابت و محقق للاطمئنان فان مثل هذا لا يحتاج الى عرض لان العرض هو لتحقيق الاطمئنان وهو متحقق. ولان عدم التناقض و الاختلاف هو من شؤون المعارف الشرعية خاصة فان العرض مختص بما يروى عن النبي صلى الله عليه و اله و ما ينسب الى شرعه. و لاجل اطلاقات احاديث العرض و سهولة الشرعية و معذرية الجهل فان للعامل العمل بما يثبت موافقته للقران و السنة حتى يتبين له وجود مخصص او مقيد. و اما بخصوص المعارض المحتمل لما ثبت موافقته فهو اثنان لا ثالث لهما اما انه مخالف للقران و السنة وهذا لا يعمل به وان انفرد، و اما انه موافق ايضا لهما فهنا المورد للتخيير. من هنا  فما يجهله المكلف لسبب من الاسباب هو اما مخالف للقران لا يقبل او انه موافق له وهذا اما معارض فيتخير بينه و بين ما عنده، او ان فيه تخصيص او تقيد وهذا يكون المكلف معذورا بجهله، ومن هنا فان ما عرفه المكلف بالعرض و ثبت عنده يعمل به على كل حال. هذا وان الحث الكبير و الايجاب المؤكد للشريعة على التعلم تجعل من هذه الفروض قليلة مع ضرورة الالتفات الى اهمية اعداد جوامع حديثية مختصرة كافية شافية مقتصرة على المتون من دون تطويل بالاسانيد او الشروح، لاجل تيسير الرجوع اليها، فان تيسير اطلاع الناس على الحديث مهم جدا .

مسألة)  في المعروض عليه

اما المعروض عليه فهو المعارف الثابتة المعلومة المتفق عليها من القران و السنة التي لايختلف عليها اثنان، و ما يكون عنها و يتصل بها ن معارف. لذلك فالعرض ليس على منطوق اية او تفسير او حديث ثابت و لا على دلالته الخاصة، بل هو على الاستفادة و المعرفة المعلومة الثابتة المتفق عليها من ايات او روايات ثابتة. وبينا ان هذا كله يجري وفق طريقة العقلاء في جميع الاستفادات و الافادات و التحليلات و التوصلات من دون اي تخصيص . لذلك فهي طريقة نوعية بشرية عقلائية واحكامها متشابهة لدى كل ملتفت على المتطلبات الاساسية للعرض، بمعنى انه اذا جرى عارض معين عرضا وفق هذه الطريقة فان احكامها ستكون متطابقة مع غيره من ابناء جنسه، وهذا اضافة الى انه يؤدي الى بيان عناصر الوحدة فانه بتوافق المعارف و تناسقها فانه يؤدي الى عدم الاختلاف لا في المعارف ذاتها ولا عند اصحابها فقط بل عند المشتركين معه في المعرفة. كما انها شكل من الاعتصام الواضح بالعلم والحق. ان لعرض الحديث على القران و السنة و الاخذ بما وافقهما و ترك ما خالفهما وفهم وجوب الاتصال بين المعارف يحقق فوائد كثيرة اهمها: انه يمثل امتثالا لاوامر الرد الى الله و الرسول و لاوامر الاعتصام بحبل الله تعالى، وانه من السبل القوية نحو الجماعة و عدم الفرقة و انه يمثل سبيلا طبيعيا فطريا للوصول الى الحقائق الشرعية و معرفة الحق بعلم و يقين و انه يتجاوز الحواجز الفئوية لعدم اهتمامه بالمذهبيات المدرسية و لا بالسند و احوال الرواة.

ان العرض على المعارف المعروفة امر متيسر لكل احد عارف بالمعارف الاساسية للدين. فان الاسس التي قام عليها الاسلام ضروري لكل مسلم كالتوحيد ونحوه وان معرفة هذا القدر ممكن للعرض مع ان غالبية المسلمين ان لم يكن جلهم على معرفة بقدر اكبر من المعارف الثابتة المستفادة من القران و السنة.

مسألة) في العارض

 العرض يكون وفق الطريقة العقلائية البسيطة بمدراك العقل  الواضحة الصريحة و العملية الحياتي التي ندير به شؤون حياتنا من دون اصطلاح و لا تخصيص. ولخصوص عرض النصوص اي الكيانات اللغوية فان العرض يكون بالبحث عن شواهد لها في ما يرد اليه النص. و كما انه لا يصح بالفطرة و بسيرة العقلاء التسليم و الاقرار الا بما وفق النظام و تناسق معه فانه لا يصح التسليم لحديث ظني الا بعد الاطمئنان له واحراز موافقته للمعارف الثابتة و لو ارتكازا فلا يشترط الالتفات و ابراز عملية العرض بل يكفي فيها الارتكاز وخصوصا في الواضح موافقته.

ومن هنا يتبين ان العارض هو كل من عرف من الدين اصوله و ثوابته و ادرك النص المعروف بمعناه اللغوي المعروف عند اهل اللغة، فلا يختص بالعلماء و الفقهاء فضلا عن المجتهدين بل هو وظيفة  كل مكلف و جائز على كل من التفت و ادرك جوانب العرض. ولاجل ان عملية العرض هي عقلائية ارتكازية و المعروض عليه هي ثوابت الشريعة المعروفة و المتفق عليها المعروفة و المعروض هو الاحاديث المنقولة فان الاستطاعة متحققة في كل مكلف و لا عسر و لا حرج فيها. و حتما ان سعة الاطلاع تقوي القدرة على العرض و تسرعه و تزيد من الثقة بالنفس و اليقين بالموافقة و المخالفة، الا ان العرض ممكن و متيسر بالحد الادنى من المعارف. وان اوامر التعلم تحث على الاطلاع على الاحاديث الظنية و عرضها لتمييز العلمي الموجب للاطمئنان من غيره.

 

الموضع الثالث : الشواهد و المصدقات

من الواضح ومن خلال ما تقدم من نصوص ان الشاهد و المصدق الذي يصدق النقل  الظني بالمعارف الثابتة هو الشاهد العقلائي العرفي المعتمد على المرتكزات الادراكية العرفية. فهو كل شاهد يراه العرف و العقلاء و تميزه الفطرة بالبداهة من دون تكلف او تعمق او تعقيد. ولان العملية مهجورة في عصرنا و العرض هو لاقوال منقولة على منظومة معارف مستفادة من النقل بالنسبة لنا كان من المفيد شرح الشاهد الذي يجعل الحديث الظني مصدقا و يدخله خانة العلم. طبعا ان اوامر العرض و بيان الشواهد انما هو مصداق لمنهج عقلائي اطمئناني هو الاطمئنان بالقرائن، ولاجل ان الكثير من القرائن التي توضع للاطمئنان بالنقل تتعرض للخلل او للتعقيد او للتخصصية المانعة من تحصيل الاطمئنان من قبل المكلف العادي فان الشاهد المعرفي هي المتيسر لدوما كل مكلف و مميز.

مسألة)  في الشاهد العرضي

ان الشاهد المصحح للحديث هو كل معرفة ثابتة تصدق العلاقة و القضية في المعروض، فليس بالضرورة ان يكون الشاهد بشكل العام او المطلق للمعروض، بل يكفي اي قدر من المشاكلة و المشابهة، بحيث انه اذا اريد تمييز الاشياء رد اليها باي واسطة تجوز الرد. فالشاهد هو شكل علاقة واسع و شكل اشتراك واسع، و كل ما يصح ان يكون مشتركا و علاقة بين معرفتين فهو شاهد.

ان وظيفة الشاهد هو اخراج المعرفة من الظن الى العلم اي من مطلق الجواز الى الجواز الاطمئناني . فالمعرفة الجائزة في الحديث لا تصحح ولا تقبل الا ان يكون لها شاهد يحقق الاطمئنان لجوازها، بمعنى انه ليس كل جائز هو مقبول بل لا بد ان يكون هناك شاهد يبعث على الاطمئنان لها. و الشاهد هو كل ما يبعث على الاطمئنان من القرائن المعرفية. و لا بد في الشاهد ان يكون واضحا و بسيطا و متيسرا لكل ملتفت وهذا هو شرط نوعية الشاهد، فلا عبرة بالشاهد المعقد و غير المتيسر للعرف مهما كانت مبانيه و تبريراته و حججه، بل لا بد في الشاهد ان يكون واضحا و مقبولا لكل احد، فلو ان كل ملتفت التفت اليه لاقر به. ومن هنا يمكن بيان الشاهد العقلائي في العرض بانه يتصف بثلاث صفات الاول ان يكون معرفيا مستفادا من المعارف الثابتة من القران و السنة و الثاني ان يكون اطمئنانيا اي انه يبعث على الاطمئنان بالمشهود له باي شكل من التصديق و التطمين و ثالثا ان يكون نوعيا اي انه واضخ ومتيسر و مقبول لكل من يلتفت اليه. و اخيرا اؤكد ان العرض كله عملية عقلائية بل و فطرية ارتكازية من رد  شيء الى شيء و تبين درجة التناسب و الوئام و التشابه بينهما.

مسألة)  في الموافقة العرضية

مما تقدم يعلم ان الموافقة و المخالفة هي على مستوى الواضح من المعرفة  اي بين افادات و دلالات نوعية متفق عليها من دون تأويل او اجتهاد او ميل او تكلف. وان الموافقة تكون بكل شكل من اشكال العلاقة و التداخل الدلالي و المعرفي الذي يشهد للاخر و يصدقه عرفا و يحقق اطمئنان.

ان الموافقة عامة لاي معرفة مهما كانت درجة علميتها سواء كانت علمية او ظنية في المعروض او المعروض عليه. و اما المخالفة فالامر مختلف فان معنى المخالفة للمعرفة المعلومة في العلميات ( المعلوم)  تختلف عنها في الظنيات ( المظنون). اذ ان للعلم ان يحكم على العلم و ليس للظن ذلك وهذا هو الفرق، فالمخالفة في العلمي تعني خصوص التعارض المستقر الذي لا يقبل التأويل  وليس منه انظمة الحكومة اي التخصيص و التقييد و النسخ، و ان و المخالفة التعارضية  ممنوعة في الشريعة بين العلميات. و اما المخالفة للعلمي من قبل الظني فهي كل مخالفة للظاهر باي شكل حتى التخصيص و التقييد . هذه النقطة ربما سببت ارباكا  عند البعض في معنى المخالفة، و ربما حتى في معنى الموافقة. و لاجل مزيد بيان نؤكد ان الموافقة تجري في جميع اشكال المعرفة من ظنيات او علميات سواء كان المعروض عليه علما – كالكتاب و السنة- او ظنا – كخبر الواحد-  و سواء كان المعروض علما او ظنا، و تتحقق الموافق بكل ما يصح ان يكون شاهدا و مصدقا عرفيا عقلائيا. و اما المخالفة للعلمي اي اذا كان المعروض عليه علميا – كالكتاب و السنة- فانها تعني التعارض التام اذا كان المعروض علما، و كذا الحال اذا كان المعروض عليه ظنا و المعروض علما لاجل حكومة العلم على العلم و العلم على الظن. و اما اذا كان المعروض عليه علما –  كالكتاب و السنة- و المعروض ظنا- كخبر الاحاد- فان المخالفة تعني كل اشكال مخالفة الظاهر حتى التخصيص و التقييد وهذا القسم الاخير هو الذي نجريه على الاحاديث الظنية اي اخبار الاحاد.